Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 61-68)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } : هو ما ذكرنا ، أي : أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً . وقوله : { أَخَاهُمْ } : قد ذكرنا أيضاً أن الأخوة تتجه إلى وجوه ثلاثة : أخوة في الدين ، وأخوة في الجنس ، وأخوة في النسب [ فهو لا يحتمل أن يكون أخاهم في الدين ، لكنه يحتمل أن يكون أخاهم من الوجهين الآخرين في الجنس والنسب ] . وقوله - عز وجل - : { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } : إن الرسل صلوات الله عليهم جميعاً أول ما دعوا قومهم إنما دعوا إلى توحيد الله وجعل العبادة له ؛ لأن غيره من العبادات إنما يقوم بالتوحيد ، فكان أول ما دعاهم قومهم إليه لم يزل عادة الرسل وعملهم الدعاء إلى توحيد الله والعبادة له . وقوله - عز وجل - : { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } : وقال بعض أهل التأويل : { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } يقول : هو خلقكم من آدم وخلق آدم من الأرض ، لكنه أضاف خلق الخلائق إليها ؛ كما أضاف في قوله : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ … } الآية [ الأعراف : 189 ] ، أخبر أنه خلقنا من نفسه ، أي : آدم ، وإن لم تكن أنفسنا منه ؛ فعلى ذلك إضافته إيانا بالخلق من الأرض ، وإن لم يخلق أنفسنا منها ، أي : خلق أصلنا وأنشأه من الأرض ، فأضاف إنشاءنا إلى ما أنشأ أصلنا . ويشبه أن يكون قوله : { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي : جعل نشأة الخلائق كلهم ونماءهم وحياتهم ومعاشهم بالخارج من الأرض ؛ إذ به نشوءهم ونماؤهم وحياتهم وقوامهم منها . وقوله - عز وجل - : { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } : قال بعضهم : [ أسكنكم فيها ، وقال بعضهم : استخلفكم فيها . وقال بعضهم : قوله : { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } ] أي : جعلكم عمار الأرض تعمرونها لمعادكم ومعاشكم ، جعل عمارة هذه الأرض إلى الخلق هم الذين يقومون بعمارتها وبنائها وأنواع الانتفاع بها ، ويرجع كله إلى واحد . وقال بعضهم في قوله : { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ } أي : جعل عمركم طويلا . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } : هذا قد ذكرنا فيما تقدم في قصة نوح ، أي : كونوا بحال يغفر لكم ؛ وهو كقوله : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] كأنه قال : فإن انتهوا عن الكفر يغفر لهم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ } : لحفظ الخلائق أو قريب لمن أنعم عليهم وأمثاله ، أو قريب إلى كل من يفزغ إليه ، مجيب لدعاء كل داع استجاب له ؛ كقوله : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي … } الآية [ البقرة : 186 ] ؛ وكقوله : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ … } الآية [ البقرة : 40 ] . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } : قال بعضهم : قولهم : { قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً } كنت ترحم الضعفاء وتعود المرضي ونحو ذلك من الكلام ، فالساعة صرت على خلاف ذلك . وقال بعضهم : { كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً } كنا نرجو أن ترجع إلى ديننا قبل هذا الذي تدعونا إليه ، فالساعة صرت تشتم آلهتنا وتذكرها بعيب ، أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ، أي : ما كنا نعرف أن آباءنا عندك سفهاء من قبل هذا ، فالساعة تسفه أحلامهم في عبادتهم الأصنام . { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } [ قالوا هذا ؛ احتجاجاً لهم عليه فيما دعاهم إلى توحيد الله وعبادتهم إياه ، فقالوا : إنا على يقين أن آباءنا قد عبدوا هذه الآلهة من غير شك فما تدعونا إليه مريب ] أي : يريبنا أمرك ودعاؤك لنا إلى هذا الدين . قد قيل هذا ، ولكنا لا نعلم ما كانوا يرجون فيه ، وأما المعنى الذي قالوا له قد كنت فينا مرجوا سوى أنا نعلم أنه كان مرجوا فيهم بالعقل والدين والعلم والبصيرة ونحوه ، فكان مرجوا فيهم بالأشياء التي ذكرنا . هذا نعلمه ولا نعلم ما عنى أولئك بقولهم : { قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا } ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي } أي : إن كنت على حجة وبرهان وبيان من ربي فيما أدعوكم إلى توحيد الله وصرف العبادة إليه . والثاني : قوله : { أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي } أي : قد كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة يحتمل قوله : رحمة أي : آتاني هدى ونبوة من عنده . { فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ } أي : من يمنعني من عذاب الله إن عصيته ورجعت إلى دينكم ، أي : لا أحد ينصرني إن أجبتكم إلى ما دعوتموني إليه ، أي : لا أحد ينصرني دون الله لو أجبتكم وأطعتكم فيما دعوتموني إليه . ثم الذي دعوه إليه يحتمل ترك تبليغ الرسالة إليهم ، أو دعوه إلى عبادة الأصنام التي عبدوها . وقوله - عز وجل - : { فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } : قيل فيه بوجوه : قيل : فما تزيدونني بمجادلتكم إياي فيما تجادلونني إلا خسراناً . وقال بعضهم : فما تزدادون بمعصيتكم إياي إلا خسراناً لأنفسكم . وقال القتبي : غير تخسير ، أي : غير نقصان . وقال أبو عوسجة : غير تخسير هو من الخسران ، يقال : خسرته أي : ألزمته الخسران . وقوله - عز وجل - : { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } : قال لهم هذا حين سألوا منه الآية ، فقال : هذه ناقة الله لكم آية على صدق صالح فيما ادعى من الرسالة ، أو هذه ناقة الله لكم [ فذروها تأكل في أرض الله ، قال لهم هذا حين سألوا منه الآية ، فقال : هذه ناقة الله لكم آية ] ، أي : لكم آية التي سألتموها من الرسالة . وقوله - عز وجل - : { نَاقَةُ ٱللَّهِ } : أضاف إليه لخصوصية كانت فيها نحن لا نعرف ذلك ، ليست تلك الخصوصية في غيرها من النوق ؛ لما جعلها آية لرسالته ونبوته خارجة عما عاينوا من النوق وشاهدوها ، وهكذا كانت آيات الرسل كانت خارجة عن وسع البشر وطوقهم ؛ ليعلم أنها سماوية . ثم لا نعرف أية خصوصية كانت لها عظم جسمها وغلظ بدنها ، حيث قسم الشرب بينهم وبينها حتى جعل يوما لها ويوماً لهم بقوله : { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الشعراء : 155 ] ، ولم يقسم مراعيها بينها وبينهم بقوله : { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } ، وأما ما قاله بعض الناس : إنها خرجت من صخرة كذا ، وأنها كانت تحلب كل يوم كذا وأشياء أخر ذكروها ، فإنا لا نعرف ذلك ولا نقطع القول فيه أنه كان كذلك ، سوى أنا نعرف أن لها كانت خصوصية ليست تلك الخصوصية لغيرها من النوق ، ولو كانت لنا إلى تلك الخصوصية حاجة لبينتها لنا ، وأصله ما ذكرنا أنه إذا أضيف جزئية الأشياء إلى الله تعالى فهو على تعظيم تلك الجزئيات المضافة إليه ، وإذا أضيف إليه كلية الأشياء فهو على إرادة التعظيم لله والتبجيل له ؛ نحو قوله : { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ المائدة : 40 ] { وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ } [ النمل : 91 ] ونحوه . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } نهاهم أن يمسوها بسوء ، ولم يبين ما ذلك السوء ، فيحتمل أن يكون ذلك شيء عرفوا هم ونهاهم عن ذلك . وقال بعض أهل التأويل : { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } أي : لا تعقروها فيأخذكم عذاب قريب ، لما كان ذلك على أثر عقرهم الناقة بثلاثة أيام حيث قال : { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } ، وما ذكر أيضاً أن وجوههم اصفرت في اليوم الأول ، ثم احمرت في اليوم الثاني ، ثم اسودت في اليوم الثالث ، ثم نزل بهم العذاب في اليوم الرابع ، فذلك أيضاً مما لا نعرفه . وقوله - عز وجل - : { عَذَابٌ قَرِيبٌ } قيل : سريعاً لا تمهلون حتى تعذبوا . وقوله : { ذٰلِكَ وَعْدٌ } من الله { غَيْرُ مَكْذُوبٍ } : ليس فيه كذب ، وكان عذابهم إنما نزل على أثر سؤال الآية ، سألوا ذلك فلما أن جاءهم بها كذبوها ، فنزل بهم العذاب ، وهكذا السنة في الأمم السالفة أنهم إذا سألوا الآية فجاءتهم فلم يؤمنوا بها نزل بهم العذاب ، وهو قوله : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا … } الآية [ الإسراء : 59 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } أي : جاء ما أمر به كما يقال : جاء وعد ربنا ، أي : جاء موعود ربنا ؛ لأن وعده وأمره لا يجيء ، ولكن جاء ما أمر به ووعد به وهو العذاب ، أو نقول : جاء أي أتى وقت وقوع ما أمر به ووعد ، وهو العذاب الذي وعد وأمر به ، والله أعلم . { نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } : بنعمة منا أو بفضل منا ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } قيل : الخزي هو العذاب الذي يفضحهم ، وقيل : كل عذاب فهو خزي ، أي : نجاهم من خزي ذلك اليوم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } قيل : القوي : هو الذي لا يعجزه شيء ، والعزيز هو الذي يذل من دونه ، وقيل : القوي هو المنتقم المنتصر لأوليائه من أعدائه ، والعزيز : هو المنيع في ملكه وسلطانه الذي لا يعجزه شيء . وقوله - عز وجل - : { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } : قيل : عذابهم كان صيحة صاح بهم جبريل ، وقيل : الصيحة الصاعقة وكل عذاب فهو صيحة ، لكن لا ندري كيف كان ، أو أن يكون عذابهم قدر صيحة لسرعة وقوعه بهم ، أو يسمى ذلك العذاب صيحة لما رأوه ما يصيحون فيما بينهم أو ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } : قال هاهنا : ديارهم ، وقال في سورة الأعراف : دارهم ، والقصة واحدة . قال بعضهم : دارهم قراهم ، وديارهم منازلهم ، ولكن هو واحد أصبحوا جاثمين في دارهم ومنازلهم سواءٌ . وقوله : { جَاثِمِينَ } قيل : خامدين موتى وأصل قوله : { جَاثِمِينَ } أي : منكبين على وجوههم ، يقال : جثم الطائر إذا انكب على وجهه مخافة الصيد ، وقد ذكرناه فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } قيل : كأن لم يعيشوا فيها ، وقيل : كأن لم يسكنوا فيها ، وقيل : كأن لم يعمروا فيها ، وأصله أنهم صاروا كأن لم يكونوا فيها لما لا يذكرون بعد هلاكهم ، فصاروا من حيث لا يذكرون كأن لم يكونوا ، وأما الأخيار والأبرار فإنهم وإن ماتت أبدانهم وصارت كأن لم تكن ففي الذكر كأنهم أحياء حيث يذكرون بعد موتهم . وقوله - عز وجل - : { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ } قيل : كفروا نعمة ربهم ، أو كفروا بآيات ربهم ، فذلك كله كفر بالله . وقوله - عز وجل - : { أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } [ أي : ألا بعداً لثمود ] من رحمة الله .