Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 69-76)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } : اختلفوا في هذه البشارة ؛ قال بعضهم : جاءوا هم ببشارة إسحاق والحافد . وهو قوله : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } . وقال بعضهم : جاءوا ببشارة إهلاك قوم لوط وإنجاء لوط وأهله ، قيل : لأن لوطا كان ابن أخي إبراهيم ، وكان لوط فزع إلى الله بسوء عمل قومه وصنيعهم ودعا بالنجاة منهم ، وهو قوله : { إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ … } الآية [ الشعراء : 168 ] حتى ذكر في بعض القصة أن سارة قالت لإبراهيم : ضم ابن أخيك إلى نفسك فإن قومه يعذبون ، كأنها عرفت أنه لا يتركهم على ما هم عليه بسوء عملهم . قالوا : جاءوا بالبشارتين جميعاً : ببشارة الولد والحافد ، وبشارة هلاك قوم لوط ونجاة لوط وأهله ؛ إلى هذا يذهب بعض أهل التأويل . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ } : هذا يدل أن السلام هو سنة الأنبياء والرسل والملائكة في الدنيا والآخرة ، ولم تخص هذه الأمة به بل كان سنة الرسل الماضية والأمم السالفة وكذلك هو تحية أهل الجنة لقوله : { سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ } [ الزمر : 73 ] ونحوه ، هذا يدل على ما ذكرنا . ثم انتصاب قوله : { سَلاَماً } وارتفاع الثاني ؛ لأن الأول انتصب لوقوع القول عليه كقولك : قال قولا ، والثاني حكاية لقولهم . وقوله - عز وجل - : { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } . وقوله : { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ } أي : ما لبث عندهم حتى اشتغل بتقديم شيء إليهم ، وإلا قد يكون في ذبح العجل وشويه لبث إلا أن يكون العجل مشويّاً ، فإن لم يكن مشويّاً فتأويله ما ذكرنا أن لم يلبث عندهم في المؤانسة والحديث معهم على ما يفعل مع الأضياف حتى جاء بما ذكر ، وفيه ما ذكرنا من الأدب ، وفيه دلالة فيمن نزل به ضيف ألا يشتغل بالسؤال عن أحوال ضيفه من أين وإلى أين ؟ وما حاجتهم ؟ ولكن يشتغل بقراهم وإزاحة حاجتهم ؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - إنما اشتغل بقراهم ، لم يشتغل بالسؤال عن أحوالهم ، ولكن اشتغل بما ذكرنا فجاء بعجل حنيذ ، وهذا هو الأدب في الضيف ، ألا ترى أنه لو كان سأل عن أحوالهم ، فعرف أنهم من الملائكة لكان لا يشتغل بما ذكر ؛ إذ عرف أنهم من الملائكة والملائكة لا يتناولون شيئاً من الطعام . وقوله : { بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } ، قال بعضهم : الحنيذ : السمين ، وهو ما ذكر في موضع آخر : { فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } [ الذاريات : 26 ] . وقال بعضهم : الحنيذ هو المشوي الذي خد في الأرض خدّاً ، فحمي فشوي بالحجر المحمي . وقال بعضهم : الحنيذ هو المشوي الذي يسيل منه الماء . وقال ابن عباس : الحنيذ : النضيج . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ } . قال بعضهم : نكرهم وأنكرهم واستنكرهم : واحد ، وهو من الإنكار ، أي : لم يعرفهم ؛ ظن أنهم لصوص ؛ لأن اللصوص من عادتهم أنهم كانوا إذا أرادوا السرقة من قوم لم يتناولوا من طعامهم ، ولم يأكلوا شيئاً عندهم . وقيل : نكرهم أنهم من البشر . { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } . قيل : أضمر منهم خوفاً ، قال بعضهم : خاف لما ظن أنهم سراق ولصوص ؛ حيث لم يتناولوا شيئاً مما قدم إليهم . وقال بعضهم : خيفة ، أي : وحشة : أي : أضمر وحشة ، حيث لم يتناولوا شيئاً مما قرب إليهم ؛ فحينئذ علم أنهم ليسوا من البشر ؛ لأن منزل إبراهيم كان ينأى من البلد ، ولم ينزل أحد من البشر إلا وقد احتاج إلى الطعام ، فلما لم يتناولوا علم أنهم ليسوا من البشر ، فما جاءوا إلا لأمر عظيم : لتعذيب قوم وهلاكهم ؛ فخاف لذلك ؛ فقالوا : { لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } [ وقال في موضع آخر : { إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً … } الآية [ الذاريات : 32 - 33 ] . وقال في موضع آخر : { إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } ] . وقال في موضع آخر : { لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } [ الذاريات : 28 ] ، وقال : { فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } [ الذاريات : 31 ] يذكر هاهنا أن قولهم : { إِنَّا أُرْسِلْنَا } على أثر سؤال ، وفيما نحن فيه لا كذلك ؛ فالمعنى فيه - والله أعلم - أن ذلك كان على أثر سؤال إبراهيم بقوله : { فَمَا خَطْبُكُمْ } ، لكنه جمع ذلك فيما نحن فيه بالحكاية عن قولهم ، وإن كان مفصولا عنه ، وخرجت الحكاية في موضع آخر على ما كان في الحقيقة ، وذلك مستقيم في كلام العرب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ } . قال بعضهم : قائمة على رءوس الأضياف ؛ لأنها كانت عجوز ، ولا بأس لعجوز ذلك ؛ ألا ترى إلى قول الله - تعالى - { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ … } الآية [ النور : 60 ] . وقال بعضهم : { قَآئِمَةٌ } من وراء الباب ، لكن لسنا ندري أي ذلك كان ؟ وقوله - عز وجل - : { فَضَحِكَتْ } . قال بعضهم : ضحكت ، تعجباً من خوف إبراهيم أنهم لصوص ، وهم كانوا ثلاثة أو أربعة ، دون عشرة ، وكان خدم إبراهيم - عليه السلام - يبلغ عددهم ثلاثمائة ، على ما ذكر في القصة ضحكت تعجباً ؛ إذ كيف يخاف من نفر عددهم دون عشرة ، وعنده من الخدم ما يبلغ عددهم ما ذكرنا . وقال بعضهم : ضحكت ؛ تعجباً ممّا بشروها بالولد ، وقد بلغ سنها ما بلغ من الكبر وهو كذلك ، وقالت : أحق أن ألد وقد بلغت من السن كذا . وقال بعضهم : ضحكت أي : حاضت ، من قولهم : ضحكت الأرنب إذا حاضت ، وهو قول ابن عباس وعكرمة . وقال الفراء : ( ضحكت ) : حاضت غيرُ مسموع ولا معروف فعلى تأويل من قال : إنها ضحكت تعجباً مما بشرت بالولد فهو على التقديم والتأخير ، كأنه قال فبشرناها بإسحاق ومن وراء أسحاق يعقوب فضحكت . وقال بعضهم : ضحكت سروراً بالأمن منهم ؛ لأنهما خافا منهم . وقوله : { وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } . ظاهر هذا أنها بشرت بإسحاق ، ومن وراء أولاد إسحاق أولاد يعقوب ، ولكن لم يكن يعقوب ولد من إبراهيم ؛ إنما ولد من إسحاق ، وهو : حافد إبراهيم أبي إسحاق فتأويله من وراء إسحاق حافد ؛ فإنما البشارة بالولد وبالحافد ، وهو كقوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } [ الأنبياء : 72 ] . وقال في هذه السورة : { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ } ، وقال في موضع آخر : { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ } [ الذاريات : 29 ] . فإن كان على ما قالوا إنها كانت قائمة وراء الباب ؛ فيكون إقبالها خروجها إلى القوم ، وإن كان قيامها على رءوسهم ؛ فيكون معنى الإقبال هو الإقبال في ضرب وجهها وصكها ، لكن ذلك من القدوم ، لكنه على الإقبال بفعل ما أخبر عنها من صك وجهها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [ وقال في موضع آخر : { وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } [ الذاريات : 28 - 29 ] ؛ وقال هاهنا : { يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } ] إن هذا لشيء عجيب . هي لم تتعجب [ من ] قدرة الله أنه قادر على أن يهب الولد في كل وقت ؛ ولكنها تعجبت لما رأت العادة في النساء والرجال أنهم إذا بلغوا المبلغ الذي كانوا هم لم يلدوا ؛ فتعجبها أنها تلد في الحال التي هي عليها ، أو يردان إلى حال الشباب ؛ فعند ذلك يولد لهما ، وكلاهما عجيب بحيث الخروج على خلاف العادة ، لا بحيث قدرة الرب ، وهو كما ذكرنا من قول زكريا : { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ } [ آل عمران : 40 ] ، وفي موضع آخر : { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [ مريم : 8 ] ، وقوله : أنى يكون لي غلام في الحال التي أنا عليها أو يرد لي شبابي ، فعلى ذلك قولها { ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } . وقوله - عز وجل - : { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } . قال أهل التأويل : أتعجبين من قدرة الله هذا ؟ [ … ] لكنه يحتمل وجهين : أحدهما أي : لا تعجبي من أمر الله هذا وكثيرا مما رأيت أمثال ذلك في أهل بيتك . والثاني [ … ] . وقوله - عز وجل - : { رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ } . يشبه أن يكون هذا صلة قوله : { قَالُواْ سَلاَماً } ؛ لأنه معلوم أنهم لم يقولوا سلاماً حسب ، لم يزيدوا على هذا ؛ بل زادوا ؛ فكأنهم قالوا : سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أو قالوا : سلام الله ورحمته وبركاته عليكم . { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } . بالنصب ؛ كأنه قال يا أهل البيت ، كقوله - عليه السلام - حيث قال : " تركت بعدي الثقلين : كتاب الله وعترتي : أهل بيتي " ، أي : يا أهل بيتي . { إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } . يحتمل حميد الذي يقبل اليسير من المعروف ويعطي الجزيل كالشكور ، والمجيد : من المجد والشرف . وقيل : الحميد : المحمود ، والمجيد : الماجد وهو الكريم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ } . قيل : الروع هو الفرق والفزع الذي دخل فيه بمجيء الملائكة . { وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ } . في الولد والحافد ، وفي نجاة لوط وأهله ، وهو ما ذكرنا في قوله : { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } [ هود : 69 ] . وقوله - عز وجل - : { يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } . قال بعض أهل التأويل : مجادلته إياهم في قوم لوط ما ذكر في القصّة أنه قال لهم : أرأيتم إن كان فيهم من المؤمنين كذا تعذبونهم ؟ قالوا : لا ونحوه من الكلام فإن ثبت هذا ، وإلا لا نعلم ما مجادلته إياهم [ وأمكن أن تكون مجادلته إياهم ] في دفع العذاب عنهم أو تأخيره دليله قوله : { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } ، ويحتمل مجادلته إياهم في استبقاء قوم لوط ؛ شفقة عليهم ورحمة ، لعلهم يؤمنون ويقبلون ما يدعون إليه ؛ لئلا ينزل بهم العذاب : ما أوعدوا يتشفع إليهم ليسألوا ربهم أن يبقيهم والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } . قيل : الحليم هو الذي لا يكافئ من ظلمه ولا يجازيه به ، أو يحلم عن سفه كل سفيه { أَوَّاهٌ } ، قيل : الأواه : الموقن ، بلغة الحبش ، وقيل : الأواه : المتأوه ، وهو الدعاء وكثير الدعاء ، وقيل : الأواه : المتقي الذي لا يفتر لسانه عن ذكره ، وقيل : الأواه : الحزين فيما بينه وبين ربّه . في هذه الأحرف الثلاثة جميع أنواع الخير والطاعة ما كان [ فيما ] بينه وبين ربه ، وما كان بينه وبين الخلق ، حيث ذكر أنه حليم وأنه أواه ، وأنه منيب ، والمنيب ، قيل : المخلص لله وقيل : هو المقبل إلى الله بقلبه وبدنه ، وقد ذكرنا هذا في سورة التوبة . وقوله - عز وجل - : { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ } يعني : عن المجادلة [ التي كان يجادلهم { إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّك } أي : جاء ما أمر به ربك ، وجاء موعودهم ، وأنهم { آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } أي : غير مدفوع لا يحتمل الردّ بالشفاعة . ويحتمل قوله : { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ } عن المجادلة التي ] ذكر أنه قد جاء أمر ربك بالانصراف والرجوع عنك . ويحتمل : جاء أمر ربك من إنزال العذاب بهم .