Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 77-83)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ } : قوله : { سِيۤءَ بِهِمْ } قيل : أي : ساءه مجيئهم ومكانهم وكرههم لصنيع قومه بالغرباء مخافة أن يفضحوهم { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } : أي : لم يدر كيف يصنع بهم ، وكيف يحتال ليدفع عن ضيفه سوء قومه . والذرع : قيل : هو المقدرة والقوة ، أي : ضاق مقدرته وقوته { وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } قيل : فضيع شديد ؛ لأنه يوم يهتك فيه الأستار ، ويفضح الرجال . وفيه دليل جواز الاجتهاد ؛ لأنه قال : يوم عصيب فظيع ، فبعد لم يظهر له شدته لكنه قاله اجتهاداً ، والله أعلم . ثم قوله : { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } [ يحتمل : أن يكون قوله : { سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } لما جاءته الرسل بإهلاك قومه ساءه ذلك ، وضاق به ذرعاً كذلك أيضاً . ويحتمل قوله : { سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } ] بسوء صنيع قومه بأضيافه ، الحرفان جميعاً ينصرفان إلى لوط لمكان قومه ، أو لمكان أضيافه ، أو يكون أحد الحرفين لمكان ضيفه ، والآخر لمكان ما ينزل بقومه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } قال بعضهم : يسرعون إليه . وقال بعضهم : { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي : يهرولون إليه ، وهو سير بين السعي وبين المشي بين بينين . وقال بعضهم : [ قوله ] { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي : يروعون إليه ، من الروع ، أي : فزعين إليه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } هذا يحتمل وجهين : يحتمل قوله : { وَمِن قَبْلُ } أي : من قبل أن يبعث لوط رسولا إليهم كانوا يعملون السيئات . ويحتمل قوله : { وَمِن قَبْلُ } أي : من قبل نزول الأضياف بلوط كانوا يعملون السيئات ، والسيئات تحتمل الشرك وغيره من الفواحش التي كانوا يرتكبونها ، والله أعلم . وقوله : { قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } اختلف في قوله : { بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } قال بعضهم : أراد بنات قومه ؛ لأن الرسل هم كالآباء لأولاد قومهم ينسبون إليهم ؛ ألا ترى إلى قوله : { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] . وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه ، ( وهو أب لهم كما أزواجه أمهاتهم والنبي أب لهم ) ؛ فعلى ذلك يحتمل قول لوط : { هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي } أراد بنات قومه فنسبهن إلى نفسه ؛ لما ذكرنا أنّه كالأب لهم . ثم يحتمل معنى جعل النبي لأولاد قومه كالأب ، وأزواجه كالأم وجهين : أحدهما : نسبوا إليه للشفقة ، فهو أشفق بهم من الأب والأم . أو : لحق التربية وتعليم الدين كالأب لهم ؛ فهو أولى بهم من أنفسهم لهذين الوجهين . وقال بعضهم : أراد بنات نفسه . ثم اختلف فيه . قال بعضهم : كان ذلك منه تعريضا لهم للنكاح ؛ يقول : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم نكاحاً إن كنتم قابلين للإيمان . ومنهم من قال : هو تعريض منه لما هو زنا عندهم ، لا أنه عرض ذلك عند نفسه ، وهذا كما يقولون بأن من أكره على أن يشتم محمداً صلى الله عليه وسلم فلا بأس بأن يشتم ويقصد بشتمه محمداً آخر يحل له شتمه ، وإن كان عند المكره أنه يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن جعل الشاتم في قلبه [ غيره ] ، وكذلك إذا أكره [ على ] أن يشتم الإله ، فيقصد بالشتم شتم آلهتهم ، وإن كان عندهم أنه [ إنما ] يشتم إلهه الذي يعبده ؛ فعلى ذلك يحتمل قول لوط : { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } تعريض زنا عندهم ، وإن كان عنده أنه ليس لذلك يقصد . وقال قائلون : قال هذا ليريهم قبح الفعل الذي كانوا يقصدون بأضيافه ؛ لأن الزنا كان عندهم محرما فعرض عليهم بناته ؛ ليعرفوا قبح ذلك الفعل ؛ حيث احتمل فعله في بناته ولم يحتمل في أضيافه ؛ ليمتنعوا عن ذلك . أو يحتمل أن يكون قال ذلك وإن كان كلاهما لا يحلان ، لكن أحدهما أيسر وأهون ، ويجوز الجمع بين شرين ؛ فيقال : هذا أطهر لكم وأحل من هذا ، وهذا أيسر من هذا وأهون ، وإن كان كلاهما شرين ، فالزنا وإن كان حراماً فذلك مما يحل بالنكاح ، وأدبار الرجال لا تحل بحال . وقال بعضهم : إنهم كانوا يخطبون بناته ، وكان أبي أن يزوجهن منهم ؛ لما لم يكونوا كفؤاً لهن ، ثم عرض عليهم في ذلك الوقت ؛ ليعلموا قبح ذلك الفعل الذي قصدوا بأضيافه ، أو كلام نحو هذا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } وقال في موضع آخر : { فَلاَ تَفْضَحُونِ } [ الحجر : 68 ] ليعلم أن الإخزاء هو الفضيحة ؛ هذا يدل أن الخزي هو الذي يفضح من نزل به . وقوله - عز وجل - : { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } قال بعضهم : هم أن يزوج بعض بناته من يصدر لرأيه فيمنعهم عنهم ؛ كأنه يقول : أليس منكم من يرشد ويصدر لرأيه . وقوله - عز وجل - : { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } أي : أليس منكم رجل يقبل الموعظة ، ويرشدكم ، ويعظكم ، أو يقول : أليس منكم رجل رشيد على النفي فيمنعهم عما يريدون ويقصدون . وقوله - عز وجل - : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } على التأويلين اللذين ذكرناهما يكون : الحق : حق النكاح ، أو حق الاستمتاع ، وفي بعض التأويلات من حق : من حاجة ، وبذلك يقول عامة أهل التأويل : { مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } أي : من حاجة { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } يعنون : الأضياف { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً } أي : قوة في نفسي { أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } قيل : عشيرته . والركن الشديد عند العرب : العشيرة ؛ يقول : لو أن لي بكم قوة في نفسي أو عشيرة يعينوني لقاتلتكم ؛ فيه دلالة أن من رأى آخر على فاحشة فله أن يقاتله . وقوله - عز وجل - : { مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } تأويله - والله أعلم - : أنك تعلم أن ليس لنا في بناتك من حق كما ليس لنا في أضيافك من حق فكيف تمنعنا عنهم وتعرض علينا بناتك ، فهن فيما ليس لنا فيهن حق كأولئك ، والله أعلم . { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } قيل : قالوا ذلك للوط : لن يصلوا إليك ؛ لما طمسوا أعينهم ، وهو كقوله : { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } [ القمر : 37 ] . وقال قائلون قالوا ذلك للوط [ لما أوعدوا للوط ] حين طمست أعينهم أن ضيفك سحروا أبصارنا ، فستعلم غداً ما تلقى أنت وأهلك ، فقالوا عند ذلك : لن يصلوا إليك بسوء غداً بأنهم يهلكون . ودل قوله : { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } على أنهم قد هموا للوط وأوعدوه حتى قال ما قال ؛ ألا ترى أن الملائكة قالوا له : إنهم لن يصلوا إليك ، فهذا على ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } قيل : قطع من الليل : آخره وهو وقت السحر . وقيل : هو ثلث الليل ، أو ربعه من آخره ، وهو واحد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } قيل : لا يتخلف أحد منكم إلا امرأتك ؛ فإنها تتخلف ، ويصيبها ما أصاب أولئك . وقال بعضهم : { وَلاَ يَلْتَفِتْ } من الالتفات والنظر . وقيل : لا يترك أحد منكم متابعتك إلا امرأتك ؛ فإنها لا تتبعك ، فيصيبها ما أصاب أولئك . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } يحتمل النهي عن الالتفات ، كأنه يقول : لا يلتفت أحد . ويحتمل الخبر كأنه يقول : لا يلتفت منكم أحد إلا من ذكر ، وهو زوجته ، فلذلك علامة لخلافها له . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } ، فقالوا : { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } : كأن لوطاً استبطأ الصبح لعذابهم ، فقالوا : أليس الصبح بقريب ، هذا من لوط لا يحتمل أن يكون قال ذلك وهو بين أظهرهم ، ويعلم أن قراه يقلب أعلاها أسفلها ، وأسفلها أعلاها ، ولكن قال [ ذلك ] - والله أعلم - بعدما أخرجوه وأهله من بين أظهرهم ، فعند ذلك قال ما قال ، واستبطأ وقت نزول العذاب بهم ؛ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } يحتمل : جاء الأمر بالمراد بأمرنا . أو أمره هو جعله عاليها سافلها . ثم قال أهل التأويل قوله : { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أدخل جبريل جناحه تحت [ قريات لوط ] فرفعها إلى السماء ، ثم قلبها فجعل ما [ هو ] أعلاها أسفلها ، فهوت إلى الأرض ؛ فذلك قوله : { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } [ النجم : 53 ] قيل : [ أهوى بها ] جبريل من السماء إلى الأرض . وأمكن أن يكون إذا أهلكهم جعلهم تحت الأرض ؛ فذلك جعل أعلاها أسفلها ، [ لكن أهل التأويل حملوه على ما ذكرنا ، وأجمعوا على ذلك . وقال بعضهم : قلبت القرى ، وجعل أعلاها أسفلها ] على ما ذكر ، وأرسل الحجارة على من كان غائبا عنها . وقوله - عز وجل - : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } . قال بعضهم : أمطر الحجارة عليها ، ثم قلبها جبريل . وقال بعضهم : أمطر عليها الحجارة بعدما قلبها [ جبريل ] ، فسواها ، وكل واحد منهم كان غائبا عن بلده جاءت حجار مكتوب عليها اسمه فقلته حيث كان ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مِّن سِجِّيلٍ } [ قال بعضهم ] : السجيل : هو اسم المكان الذي منه رفع الحجر الذي أمطر . وقال بعضهم : هو طين مطبوخ كالآجر . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : سَنْك وجيل { مَّنْضُودٍ } نضد الحجر بالطين وألصق بعضه ببعض [ مسومة ] : معلمة ، مخططة ، سود الحمرة . وقال بعضهم : [ { مُّسَوَّمَةً } ] ، أي : مكتوب عليها اسم صاحبها . وقوله - عز وجل - : { وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } . قال بعضهم : ما هي من ظلمة قوم لوط ببعيد . وقال بعضهم : ما هي من ظالمي أهل [ مكة ] وحواليهم ببعيد ، [ أي : عذاب الله ليس ببعيد ، فهو ] يعذبهم إن شاء . ويحتمل قوله : { وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } أي : تلك القرى والأمكنة التي أهلك أهلها ليست ببعيدة من مشركي أهل مكة ، وهو ما ذكر : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ } الآية [ الصافات : 137 - 138 ] ، وفيه تذكير [ منته ] على هذه الأمة ، حيث لم يجعل عذابهم عذاب استئصال بحيث لا يملكون العود عنه والرجوع ، ولكن جعل عذابهم الجهاد ، حتى لو أرادوا الرجوع عنه ملكوا ، والله أعلم .