Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 6-8)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } : قال بعضهم : عنى بالدابة الممتحن به وهو [ البشر ، وأما غيره من الدواب فقد سخرها للمتحن به . وقال قائلون : أراد كل دابة تدب على وجه الأرض من الممتحن به وغيره وتمامه : ما من دابة في الأرض ] جعل قوامها وحياتها بالرزق إلا على الله إنشاء ذلك الرزق لها ، ثم من الرزق ما جعله بسبب ، ومنه ما جعله بغير سبب . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } : اختلف فيه أيضاً : قال بعضهم : قوله : { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي : على الله إنشاء رزقها وخلقه لها الذي به قوامها وحياتها ؛ وهو كقوله : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } [ الذاريات : 22 ] أي : ينشئ ويخلق رزقنا بسبب من السماء من المطر وغيره ؛ فعلى ذلك قوله : { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي : على الله إنشاء رزقها وخلقه لها . وقيل : { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي : على الله أن يبلغ إليها رزقها وما قدر لها وما به معاشها كقوله : { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا … } الآية [ فصلت : 10 ] : عليه تبليغ رزقها وما به معاشها . ثم قوله : { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } : قال بعضهم : ما جاءها من الرزق إنما جاءها من الله لم يأتها من غيره وعلى الله بمعنى من الله وذلك جائز في اللغة ؛ كقوله : { إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ المطففين : 2 ] أي : من الناس ؛ وهو قول مجاهد . ويحتمل قوله : { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي : على الله وفاء ما وعد ، وقد كان وعد أن يرزقها ، فعليه وفاء وعده وإنجازه . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أنه علم لما خلقها علم أنه يبقيها إلى وقت عليه تبليغ ما به تعيش إلى ذلك الوقت والأجل الذي خلقها ليبقيها إلى ذلك ؛ وبعضه قريب من بعض . وقوله - عز وجل - : { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } : اختلف فيه : قال بعضهم : مستقرها بالليل ، ومستودعها بالنهار في معاشها . وقال بعضهم : المستقر : الرحم ، والمستودع : الصلب . وقال بعضهم : المستقر : الصلب ، والمستودع : الرحم . وقال بعضهم : المستقر : المتقلب في الدنيا ، والمستودع : مثواها في الآخرة ؛ كقوله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ } [ محمد : 19 ] في الدنيا وتحرككم في معاشكم { وَمَثْوَاكُمْ } [ محمد : 19 ] أي : قراركم ومقامكم في الآخرة . وقال بعضهم : مستقرها في الدنيا ، ومستودعها في القبر . ويشبه أن يكون هذا إخباراً عن العلم بها في كل حال في حال سكونها وفي حال حركتها ؛ لأنها لا تخلو إما أن تكون ساكنة أو متحركة ، أي : يعلم عنها كل حالها ويشبه أن يكون صلة ما تقدم وهو قوله : { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ … } الآية [ هود : 5 ] ، يخبر أنه إذا لم يخف عليه كون كل دابة في بطن الأرض ، وما تغيض به الأرحام وما استودع في الأصلاب ، كيف يخفى عليه أعمالهم التي عليها العقاب ولكم بها الثواب وفيها الأمر والنهي ؟ ! والله أعلم . و { كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي : مبين في كتابه . قيل : في اللوح المحفوظ ، ويحتمل القرآن وغيره . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } . وقال في موضع آخر : { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [ السجدة : 4 ] ، وقال في موضع آخر : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 9 ] ، وقال : { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 12 ] ، وقال : { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } [ فصلت : 10 ] . يجوز أن يكون جعل للأرض يومين : يوماً لوجودها ويوماً لعدمها ، وكذلك السماء جعل يوماً لوجودها ويوماً لعدمها ؛ كقوله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ … } الآية [ إبراهيم : 48 ] ؛ وكقوله : { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } [ الأنبياء : 104 ] { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ } [ الفرقان : 25 ] . وكذلك ما بينهما جعل يوماً لوجوده ويوماً لعدمه ، فيكون يوم السابع يوم البعث يكون لكل من ذلك يومان : يوم لوجوده ، ويوم لعدمه ، وقد ذكرنا شيئاً في ذلك مما احتمل وسعنا في سورة الأعراف . وفي هذه الآية دلالة أن السماوات والأرض دخلتا تحت الأوقات بقوله : { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [ الأعراف : 54 ] إذ الأيام عند الناس إنما هي مضي الأوقات ، فإذا دخلتا تحت الأوقات ليستا بأزليتين - على ما يقول بعض الملحدة إنهما أزليتانِ - كانا كذلك ، والله أعلم ، [ وجائز أن يكون اليوم السابع هو اليوم الذي أنشأ الممتحن فيه ، فهو المقصود في خلق ما ذكر من الأشياء ، أعني من البشر ، وقوله : ] . { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } إن كان العرش اسم الملك والسلطان على ما قال بعض أهل التأويل ، فتأويله - والله أعلم - كان أظهر ملكه عن الماء " على " بمعنى " عن " ، وذلك جائز في اللغة ؛ لأن بالماء ظهور كل شيء وبدأه ؛ كقوله : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [ الأنبياء : 30 ] ، وإن كان العرش اسم السرير والكرسي على ما قاله بعض الناس ، فهو عرش الملك وسريره خلقه ليكرم به أولياءه ؛ ليمتحن ملائكته بحمله والخدمة له على ما يكون لملوك الأرض سرير يستخدمون خدمهم في ذلك ، وهو خلق من خلائقه أضافه إليه كما تضاف الأشياء إلى الله ، لكنه يضاف الأشياء إليه مرة بالإجمال مرة جملة ومرة بالإشارة والإفراد ، لكن ما أضاف إليه بالإشارة فهو على تعظيم ذلك الشيء ، وما أضيف إليه [ من ] الأشياء بالإجمال والإرسال فهو على ذكر عظمته وكبريائه ، كقوله : { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ البقرة : 107 ] ، { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [ الأنعام : 1 ] ونحوه [ فيه ذكر سلطانه وعظمته ، وقوله : بيت الله { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } [ الجن : 18 ] ونحوه ] ، وهو يخرج على ذكر تعظيم البيت والمساجد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } أي : خلق السماوات والأرض وما فيهما للممتحن لم يخلق هذه الأشياء لأنفسها إنما خلقها للممتحن فيهما ؛ كقوله : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [ الجاثية : 13 ] ؛ لأن خلقها لأنفسها [ عبث ؛ لأنها مخلوقة للفناء خاصة ، فكل مخلوق للفناء خاصة فهو عبث ؛ لذلك كان ما ذكر والله أعلم . وقوله تعالى : { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } . وقوله : { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ } : هذا القول نفسه : { إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ } ليس يقولون هذا سحر ، ولكن إذا أخبرهم أنهم مبعوثون من بعد الموت ، وأقام الحجج والبراهين على البعث فحينئذ قالوا لحجج البعث وبراهينه : ما هذا إلا سحر . ويحتمل وجها : وهو أن يذكر سفههم أنهم اعتادوا نسبة كل شيء إلى السحر ، حتى الأشياء التي لا تحتمل السحر وهو الإخبار ؛ لأن السحر إنما يكون في تقليب الأشياء ، وأما فيما يخبر عن شيء يكون فلا . وقوله - عز وجل - : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } قيل : إلى وقت معلوم وهو البعث ، ذكر { أُمَّةٍ } - والله أعلم - لأنه وقت [ به ينقضي ] آجال الأمم جميعاً . { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } أي : كانوا يقولون : ما يحبس عنا العذاب الذي يعدنا لم تزل عادتهم استعجال العذاب استهزاء بهم . وقوله - عز وجل - : { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } : ذلك العذاب ؛ إذا جاء لا يملك أحد صرفه عنهم ؛ كقوله : { مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [ الشورى : 8 ] ، وقوله : { وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } [ الرعد : 34 ] ونحوه . وقوله : { وَحَاقَ بِهِم } : قيل : نزل بهم ، وقيل : لحق بهم ما كانوا به يستهزئون جزاء استهزائهم بالرسول والكتاب . وقوله : { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } أي : لا يصرف عنهم بشفاعة من طمعوا بشفاعته ؛ كقوله : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً * كَلاَّ } [ مريم : 81 - 82 ] أي : لا يكون ردّاً على ما طمعوا ورجوا لعبادتهم . وقوله : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } [ يس : 74 ] ونحو ذلك ؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن تشفع لهم .