Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 99-102)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } . ظاهر هذا أن يوسف كان تلقّاهم خارجاً من المصر ؛ فقال لهم : { ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } ثم لما دخلوا المصر آوى إلى نفسه أبويه وضمهما إليه . ويشبه أن يكون قال لهم هذا القول ؛ وقت ما قال لهم : { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } و { ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } ، ثم لما جاءوا هم ودخلوا مصر - ضم إليه أبويه ؛ وأمره إياهم أن يدخلوا مصر آمنين ؛ لأن المصر كان أهله أهل كفر ؛ فكأنهم خافوا الملك الذي كان فيه ؛ فذكر لهم الأمن لذلك . والله أعلم . وذكر الثنيا فيه ؛ لأنه وعْد منه ؛ وعَد لهم ؛ والأنبياء - عليهم السلام - كان لا يعدون شيئاً إلا ويستثنون في آخره ؛ كقوله : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 - 24 ] وإنما ذكر الثنيا في الأمن ؛ لم يذكر في الدخول ؛ لأن الدخول منه أمر وما ذكر من الأمن فهو وعْد ؛ فهو ما ذكرنا : أنه يستثنى في الوعد ولا يستثنى في الأمر . وقوله - عز وجل - : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } . يشبه أن يكون قوله : { آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } هو ما ذكر من رفعه إياهما على العرش ، وخص بذكر أبويه بالرفع على العرش ؛ فيحتمل أن يكون رفع أبويه والإخوة جميعاً ؛ لأنه لو لم يرفعهم - وقد كان عفا عنهم - لما أقروا بالخطأ . وقال { لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } [ يوسف : 92 ] لكان يقع عندهم أنه قد بقي شيء مما كان منهم إليه ؛ لكنه خصّ أبويه بالذكر ؛ لشرفهما ومجدهما ؛ على ما يخص الأشراف والأعاظم ؛ نحو قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا … * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } [ هود : 96 - 97 ] ونحوه . ودل رفع أبويه على العرش - على أن اتخاذ العرش والجلوس عليه لا بأس به ؛ إذ لو كان لا يحلّ أو لا يباح ذلك ؛ لكان يوسف لا يتخذه ؛ ولا كان يعقوب يجلس عليه ، دل ذلك منهما أن ذلك مباح لا بأس به . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } . قال بعضهم - من أهل التأويل - كانت تحيتهم يومئذ - فيما بينهم - السجود ؛ يسجد بعضهم لبعض مكان ما يسلم بعضنا على بعض ، وأما اليوم فهو غير مباح ؛ وإنما التحية في السلام ، لكن السجود لغير الله ؛ ليس يكره لنفس السجود ؛ وإنما يكره وينهى عما في السجود ؛ وهو العبادة والتسفل ، لا يحل لأحد أن يجعل العبادة والتسفل له دون الله ، وأما نفس السجود فإنه كالقيام والقعود ؛ وغيره من الأحوال يكون فيها المرء . والله أعلم . ويحتمل قوله : { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } أي خروا له خاضعين له ذليلين ، وقال بعضهم : { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } أي : خروا له سجدا ، شكرا له ؛ لما جمع بينهم ورفع ما كان بينهم ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } . أي : حقق تلك الرؤيا التي رأيتها من قبل ؛ وجعلها صدقاً لي ، رأى يوسف رؤيا فخرجت رؤياه بعد حين ووقت وزمان طويل ؛ فهذا يدلّ أن الخطاب إذا قرع السمع يجوز أن يأتي بيانه من بعد حين وزمان ، ويجوز أن يكون مقروناً به ، وليس في تأخر بيان الخطاب تلبيس ولا تشبيه ، على ما قال بعض الناس . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } [ ذكر إحسانه إليه ومنته ولم يذكر محنته بالتصريح ، إنما ذكرها بالتعريض ، حيث قال : { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } ولم يقل : سجنت أو حبست ، وأمثاله ، ما كان ابتلاه الله به . وقوله - عز وجل - : { وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ } . قيل : من البادية ؛ لأنهم كانوا أهل بادية أصحاب المواشي . وقوله - عز وجل - : { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } . [ قال بعضهم : نزغ : أي فرق [ أي : ] بعدما فرق الشيطان بيني وبين إخوتي ] ، وكأن النزغ هو الإفساد ؛ على ما ذكره أهل التأويل ؛ أي : بعدما أفسد الشيطان بيني وبين إخوتي ، وأضاف ذلك إلى الشيطان ؛ لما كان قال لهم : لا تثريب عليكم حين أقروا له بالفضل ؛ والخطأ في فعلهم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ } . اللطيف : هو اسم لشيئين : اسم البرّ والعطف ؛ يقال : فلان لطيف ؛ أي بارّ عاطِف . والثاني : يقال : لطيف ؛ أي عالم بما يلطف من الأشياء ويصغر ، كما يعلم بما يعظم ويجسم . أو يقال : لطيف : أي يعلم المستور من الأمور الخفية على الخلق ؛ كما يعلم الظاهرة منها والبادية ، لا يخفى عليه شيء ؛ يعلم السر وأخفى ، يقال له : عظيم ، ولطيف ؛ ليعلم أن ليس يفهم من عظمه ما يفهم من عظم الخلق ؛ إذ لا يجوز في الخلق أن يكون عظيماً لطيفاً ؛ ويجوز في الله ، ليعلم أن ما يفهم من هذا غير ما يفهم من الآخر . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } . أي العليم بما كان ويكون ، وما ظهر وما بطن ، وما يسرّ وما يعلن ، وبكل شيء ، أو عليم بعواقب الأمور وبدايتها ، { ٱلْحَكِيمُ } : حكم بعلم ، ووضع كل شيء موضعه ؛ لم يحكم بجهل ولا غفلة ولا سفه ؛ على ما يحكم الخلق ، تعالى الله - عز وجل - عن ذلك علوّاً كبيراً . [ مسألة ] : ثلاث آيات في سورة يوسف على المعتزلة : قوله : { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } [ يوسف : 33 ] أخبر أنه لو لم يصرف عنه كيدهن مال إليهن ، وهم يقولون : قد صرف عن كل أحد السوء والكيد ؛ لكن لم ينصرف عنه ذلك . وكذلك قوله : { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [ يوسف : 53 ] أخبر أنه إذا رحمه امتنع عن السوء والأمر به ، وهم يقولون : إنه - وإن رحم - لا يمتنع السوء ولا الأمر به . وكذلك قوله : { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ } [ يوسف : 56 ] وهم يقولون : ليس له أن يصيب أحداً دون أحد من رحمته ؛ ولا أن يخص أحداً بذلك . وقوله - عز وجل - : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ } . قال أبو بكر الأصم : ذكر { مِنَ ٱلْمُلْكِ } ؛ لأنه لم يؤته كل الملك ؛ إذ كان فوقه ملك أكبر منه ، لكن لا لهذا ذكر { مِنَ ٱلْمُلْكِ } ؛ إذ معلوم أنه لم يؤت لأحد كل ملك الدنيا ؛ قال الله تعالى : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] ويكون في وقت واحد ملوك . وقال مقاتل : ( من ) صلة : كأنه قال : رب قد آتيتني من الملك . لكن الوجه فيه ما ذكرنا . وقوله : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ … } إلى آخر ما ذكر ، قدم دعاءه ؛ وسؤاله ربه ما سأل ؛ إحسانه إليه ومحامده وصنائعه ؛ ليكون ذلك [ له وسيلة ] إلى ربه في الإجابة . وفي ذلك دلالة نقض قول المعتزلة من وجهين : أحدهما : يقولون : إن كل أحد شفيعه عمله ؛ فيوسف لم يذكر ما كان منه : أني فعلت كذا ؛ فافعل بي كذا ، ولكن ذكر نعم الله وإحسانه إليه . والثاني من قولهم : إنه لا يؤتي أحداً ملكاً ولا نبوة إلا بعد الاستحقاق [ به ، ولا يكون من الله إلى أحد نعمة وإحسان إلا بعد الاستحقاق ] . ومن قولهم : إن كل أحد هو المتعلم ؛ لا أن الله يعلم أحداً ، وقد أضاف يوسف التعليم إلى الله ؛ حيث قال : { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } وهم يقولون : لم يعلمه ولكن هو تعلم . وقوله - عز وجل - : { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } . قال أهل التأويل : تعبير الرؤيا ، ولكن الأحاديث : هي الأنباء ، والتأويل : هو علم العاقبة وعلم ما يئول إليه الأمر ، كأنه قال : علمتني مستقر الأنباء ونهايتها ؛ كقوله - تعالى - : { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ } [ الأنعام : 67 ] . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . كأنه على النداء والدعاء ؛ ذكر : يا فاطر السماوات والأرض ؛ لذلك انتصب . وقوله - عز وجل - : { أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ } . يشبه أن يكون تأويله : أنت ولي نعمتي في الدنيا والآخرة ؛ كما يقال : فلان ولي نعمة فلان . ويحتمل : أنت أولى بي في الدنيا والآخرة ، أو أنت ربي وسيدي في الدنيا والآخرة . وقوله - عز وجل - : { تَوَفَّنِى مُسْلِماً } . تمنى - عليه السلام - التوفّي على الإسلام ، والإخلاص بالله والإلحاق بالصالحين ؛ فهو - والله أعلم - وذلك أن الله قد آتاه النهاية في الشرف والمجد في الدنيا ديناً ودنيا ؛ لأن نهاية الشرف في الدين هي النبوة والرسالة ، ونهاية الشرف في الدنيا الملك ؛ فأحب أن يكون له في الآخرة مثله ؛ فقال : { تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } ثم يحتمل سؤاله : أن يلحقه بالصالحين ؛ بكل صالح . ويحتمل : أنه سأله أن يلحقه بالصالحين ؛ بآبائه وأجداده وبجميع الأنبياء والرسل . وقوله : { تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } هو ينقض على المعتزلة أيضاً ؛ ومن قولهم : [ إنه أعطى كل أحد ] ليس له ألا يتوفاه مسلماً ؛ فيكون في دعائه عابثاً ؛ على قولهم . [ والثاني : على قولهم ] لا يملك أن يتوفاه مسلماً ؛ لأن من قولهم : إنه أعطى كل أحد ما به يكون مؤمناً حتى لم يبق عنده شيء ، ومن سأل آخر شيئاً يعلم أنه ليس عنده ؛ فهو يهزأ به ، أو يكون فيه كتمان النعمة ؛ وفي كتمان النعمة كفرانها . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ … } الآية . { ذَلِكَ } : أي خبر يوسف وإخوته ؛ وقصصهم التي قصصنا عليك وأخبرناك به ؛ من أوله إلى آخره ، { مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ } لم تشهدها أنت [ ولم تحضرها كقوله ] : { مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ } [ هود : 49 ] هذا ليعلم أنك إنما علمت وعرفتها بالله وحياً ؛ ليدلهم على رسالتك ونبوتك . والله تعالى أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } . أي : ما كنت لديهم ولا بحضرتهم ؛ ثم أنبأت على ما كان ؛ ليدل على ما ذكرنا من الرسالة . وقوله - عز وجل - : { وَهُمْ يَمْكُرُونَ } . بأبيهم وأخيهم : أما مكرهم بأبيهم ؛ حيث قالوا : { يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } [ يوسف : 11 ] أخبروه أنهم له ناصحون ؛ فخانوه . ومكرهم بأخيهم ؛ حيث قالوا : { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ يوسف : 12 ] ضمنوا له الحفظ ؛ فلم يحفظوه - مكروا بهما جميعاً . والمكر : هو الاحتيال ؛ في اللغة ؛ والأخذ على جهة الأمن ، وقد فعلوا هم بأبيهم يعقوب وأخيهم يوسف عليهما السلام .