Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 43-49)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ } . ذكر أنه رأى ، وليس فيه ذكر أنه رأى في المنام ، ولكن ذكر في آخر الرؤيا ؛ دل أنه رأى في المنام بقوله : { إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } . وفيه : أن من الرؤيا ما هو حق ولها حقيقة ، ومنها باطل لا حقيقة لها ؛ لأنه قال : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } فكأن ، الرؤيا هي حق ، ولها حقيقة ؛ بتأويل عواقبها ، وأضغاث أحلام : لا حقيقة لها . وقوله - عز وجل - : { إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ } . أما البقرات : هي السنون ، والسمان : هي المخصبات الواسعات . { يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ } . العجاف : هي المجدبات . { وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ } . السنبلات : سنبلات : وخضر : عبارة عما يحصد . { وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } . عبارة عما لا يحصد أي : لا يكون فيه ما يحصد . فيه دلالة أن في الرؤيا ما يكون مصرحاً مشاراً إليه يعلم بالبديهة ، ومنها ما يكون كناية مبهماً غير مفسر ؛ لا يعلم إلا بالنظر فيها والتفكر والتأمل ؛ لأنه قال : { أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ } ، وسبع : هو سبع لا غير ، وبقرات : هن كناية عن السنين ، وسمان : كناية عن الخصب والسعة ، يأكلهن على حقيقة الأكل لا غير . وكذلك { سَبْعٌ عِجَافٌ } السبع : هو سبع ، والعجاف : كناية عن الشدة والجدب ، وسبع سنبلات : هنّ عَيْن السنبلات ، وخضر : هي كناية عما يحصد ، ويابسات : كناية عما لا يكون فيه ما يحصد . ففيه : أن من الخطاب ما لا يكون مصرحاً مبيناً مشاراً إليه ؛ يفهم المراد منه بالبديهة وقت قرع الخطاب السمع ، ومنه ما يكون مبهماً غير مفسر ؛ فهو على وجهين : منه ما يفهم بالنظر فيه والتفكر . والثاني : لا يفهم بالبديهة ولا بالنظر فيه والتفكر ، إلا ببيان يقرن به سوى ذلك ، على هذا تخرج المخاطبات فيما بين الله وبين الخلق والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } . خاطب الأشراف من قومه والعلماء بقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } على ما ذكرنا فيما تقدم أن الملأ : هو اسم للأشراف منهم والرؤساء ، وهكذا العادة في الملوك ؛ أنهم إذا خاطبوا إنما يخاطبون أعقلهم وأعظمهم منزلة عندهم وأكرم مثواهم . دلّ قوله : { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } أنه إنما رأى ذلك في المنام والله أعلم . وقوله : { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ … } الآية . كأنه نهاهم أن يتكلفوا التعبير للرؤيا التي رآها ؛ إذا لم يكن لهم بها علم ، وكذلك الواجب على كل من سئل عن شيء لا يُعلم ألا يشتغل به ، ولا يتكلف علمه ؛ إذا لم يكن له به علم ؛ حيث قال : { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } . وقوله - عز وجل - : { قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } . قال بعضهم : أباطيل أحلام كاذبة وقال بعضهم : أخلاط أحلام ؛ مثل أضغاث النبات تجمع فيكون فيها ضروب مختلفة ، وهو كما قيل في قوله : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } [ ص : 44 ] أي : جماعة من أغصان الشجر . وقال بعضهم : { أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } : الضغث ، والأضغاث : ما لا يكون له تأويل ، ويقال لنوع من الكلأ : ضغث وهو الحلفا ؛ يشبه البردي وغيره . وقيل : إن الضغث والأحلام : هما اسمان لشيء لا معنى له ، ولا تأويل ، وهما واحد ، وأصل الأحلام : كأن مخرجه من وجهين : أحدهما : العقول ؛ دليله : قوله : { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ } [ الطور : 32 ] أي : عقولهم { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [ الطور : 32 ] . والثاني : من الاحتلام ، وهو [ ما ذكرنا ] من الحلم ؛ كقوله : { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ … } [ النور : 59 ] : الآية فيشبه أن يكون يخرج على هذا ؛ لأن الصبي ما لم يعقل لا يلعب به الشيطان ، ولا يحتلم ؛ لأن الاحتلام هو من لعب الشيطان به ، فسمى الرؤيا الباطلة الكاذبة أحلاماً ؛ لأنها من لعب الشيطان به ، كما سمى احتلام الصبي حلماً ؛ لأنه إذا بلغ العقل لعب به الشيطان . وقوله - عز وجل - : { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } . يحتمل قوله تعالى : { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } لما لا تأويل لها ؛ كقوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [ الأنبياء : 28 ] ، وقوله : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] أي : لا شفيع لهم . ويحتمل قوله : { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } لها تأويل ، ولكن نحن لا نعلمها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا } . من الهلاك ، وهو الساقي الذي ذكر . وقوله - عز وجل - : { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } . أي : تذكر بعد أُمّة ، قال الأُمّة - هاهنا - : الحين ، أي : ذكر بعد حين ووقت ؛ كقوله تعالى : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } [ هود : 8 ] قيل : حين ووقت معدود ، وقال الحسن : { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } أي : بعد أمّة من الناس . ويقرأ ( بعد أمه ) قال أبو عَوْسجة : الأمه : النسيان والسهو ؛ أي : تذكر بعد نسيان وسهو ؛ كقوله : { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } [ يوسف : 42 ] يقال منه في الكلام : أمه يأمه أمها ؛ فهو آمه ، وأمه ؛ أي : نسي . والأمة : من الأمم والقرون التي مضت . والأمة : النعمة ، والأمم جمع . والأمة أيضاً : الدِّين والسُّنة ؛ كقوله تعالى : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] أي : على دين . ويقال : الأمة : القامة أيضاً ؛ يقال : فلان حسن الأمة ؛ أي : حسن القامة ، ويقال : الأمم : القريب . فهو يحتمل هاهنا الوجهين اللذين ذكرناهما ؛ أي : ذكر بعد حين ووقت ، أو بعد نسيان ؛ من قرأه بالنصب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } . معناه : أي أنا أنبئكم ببيان تأويلها لا أنه كان ينبئهم هو بنفسه ؛ ألا ترى أنه قال : { فَأَرْسِلُونِ } . { يُوسُفُ } فيه إضمار ؛ كأنه قال : فأرسلوني إلى يوسف ، وليس في تلاوة الآية أنه أرسل إليه ، ولا إتيانه إليه ، ولكن فيه دليل أنه أرسل إليه فأتاه ؛ فلما أتاه قال له : { أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ } . قيل : الصدّيق : هو كثير الصدق ؛ كما يقال : شِرِّيب وفِسِّيق وسِكّير ؛ إذا كثر ذلك منه ، والصديق : هو الذي لم يؤخذ عليه كذب قط ، أو سماه صديقاً لما عرف أنه رسول الله ، وهو ما قال في إبراهيم : { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } [ مريم : 41 ] . أو يقول : { أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } أي : أنا أتعلم منه ؛ فأنبئكم بتأويله . وقوله - عز وجل - : { أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } . فأفتاها له وعبرها عليه ؛ وهو ما قال : { تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً } إلى آخر ما ذكر . وقوله : { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } . هذا تفسير رؤيا الملك للذي سأله . وقوله - عز وجل - : { لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } . هذا يحتمل وجوهاً : يحتمل : يعلمون أن هذه الرؤيا حق ولها حقيقة ؛ ليس كما قال أولئك : أضغاث أحلام . والثاني : يعلمون فضلك على غيرك من الناس ، أو يعلمون أنك تصلح لحاجاتهم التي في حال يقظتهم ؛ فيرفعونها إليك ؛ كما أصلحت ما كان لهم في حال نومهم ، ثم علمهم الزراعة ، وجمع الطعام والادخار أن كيف يدّخر حتى يبقى إلى ذلك الوقت ، فقال : { تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً } قال بعضهم : أي : دائماً ؛ أي : تداومون الزراعة فيها . وقال أبو عوسجة : دأبا : من الدوب ؛ من الجدّ والتعب . وقال القتبي : دأبا : أي : جدّاً في الزراعة ومتابعة . وكله واحد . وقوله - عز وجل - : { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ } . لا تنقوه ؛ لأن ذلك أبقى له من إذا نقي وميز ، إلا قليلا مما تأكلون ؛ فتنقونه إن شئتم ؛ أي : قدر ما تأكلون . وقوله : { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ } . قيل : مجدبات من الشدة . { يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ } . أي : ما ادخرتم لهن . { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } . قال بعضهم : تدخرون . وقال بعضهم : تحرزون . قال أبو عوسجة : أحصنته ، أي : ادخرته . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ } . قال بعضهم : هو من الغيث ؛ وهو المطر ؛ أي : يمطرون . وقيل : يغاثون بالمطر ؛ من الإغاثة والغوث . وقوله - عز وجل - : { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } . قال بعضهم : هو من عصر الأعناب والدهن والزيت وغيره ؛ إنما هو إخبار عن الخصب والسعة . وقال بعضهم : قوله : { يَعْصِرُونَ } أي : ينجون ؛ يقول : من العصر يعني الملجأ : أي يلجئون إلى الغيث ، والعصرة المنجاة ؛ وهو قول أبي عبيدة . وأمّا قول غيره من أهل الأدب والتأويل : فهو من العصر ؛ يعني : عصر العنب وغيره والله أعلم .