Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 50-57)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ } يعني : يوسف [ فلما جاءه الرسول ، قال : { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } : فيه دلالة أن قول يوسف ] للرجل . { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } . إنما طلب بذلك براءة نفسه فيما اتهم به ، ليس كما قال أهل التأويل ؛ لأنه لو كان غير ذلك لكان لا يرد الرسول إليه ولكنه خرج والله أعلم . وقوله : { فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } . يحتمل هذا من وجهين : أحدهما : أَهُنَّ على كيدهن بعدُ ، أم رجعن عن ذلك ؟ والثاني : ليعلم الملك براءته مما قرف به واتهم . [ ليظهر عنده أنه كان بريئاً مما قرف به واتهم ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } . إنهن كدن ثم قال لهن الملك : { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ } هذا يدل أن الملك قد علم أنهن راودن يوسف عن نفسه ؛ لأنه قال : { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ } ولم يقل لهن : أراودتن أم لا ؟ ولكنه قطع القول فيه . وقوله - عز وجل - : { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } . بدأ بهن حتى أقررن أنه كان بريئاً ما قرف به واتهم ، ثم أقرت امرأة الملك بعد ذلك لما أقر النسوة ؛ فقالت : { ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ } . قيل : الآن تبين الحق وتحقق . { أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } في قوله : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } [ يوسف : 26 ] . وقوله : { مَا خَطْبُكُنَّ } ما شأنكن وأمركن ، والخطب : الشأن ، وراودتن : قد ذكرناه . وقوله : { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ } . قيل : معاذ الله ، وقيل : هي كلمة تنزيه وتبرئة من القبيح . وقوله : { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } . قال أهل التأويل : الزنا ، ولكن قوله : { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } هو السوء الذي قالت ، { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } [ يوسف : 25 ] هو ذلك السوء قالت إنه أراده بها قلن ما علمنا منه ذلك . وقوله : { حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ } . قد ذكرناه أنه تبين وتحقق . وفي قوله : { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } . دلالة أن لم يكن منه ما قاله [ أهل ] التأويل من حلّ السراويل وغيره ؛ لأنه لو كان منه ذلك لكُنّ قد علمن منه السوء . وقوله - عز وجل - : { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } . قوله : ذلك الرد الذي كان منه وترك الإجابة لرسول الملك ؛ حيث قال : { ٱئْتُونِي بِهِ } ليعلم الملك أني لم أخنه بالغيب ؛ في أهله إذا غاب عني ؛ ردّاً لقولها : { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } وتصديقاً لقوله ؛ حيث قال : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } [ يوسف : 26 ] . وقال بعض أهل التأويل : ذلك ليعلم الله أني لم أخنه ؛ يعني الزوج بالغيب ، لكن هذا بعيد ، إنه قد علم يوسف أن الله قد علم أنه لم يخنه بالغيب . وقول أهل التأويل لما قال يوسف : { لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } قال له الملك : ولا حين هممت ما هممت ؟ فقال : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } : هذا مما لا نعلمه . وقد ذكرنا التأويل في قوله : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } [ يوسف : 24 ] ما يحل ويسع أن يتكلم به ، وفساد تأويل أهل التأويل من الوجوه التي ذكرنا . ومعنى قوله : { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } . أي : عصم ربي . والله أعلم . إنه لما قال ذلك ؛ { لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } ؛ لما عصمني الله عن ذلك ، ولو لم يكن عصمني لكنت أخونه { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } أي : [ ما ] عصم ربي ؛ لأن النفس جبلت وطبعت على الميل إلى الشهوات واللذات ، والهوى فيها والرغبة والتوقي عن المكروهات والشدائد ؛ ألا ترى أنه قال : { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النازعات : 37 - 41 ] أثبت للنفس الهوى وإيثار الحياة الدنيا وشهواتها ، هذا يدل أن قوله : { رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } هو محبة الاختيار والإيثار في الدين لا ما تختار النفس وتؤثر ، النفس أبداً تختار وتؤثر ما هو ألذّ وأشهى ، وتنفر عن الشدائد والمكروهات ، على هذا طبعت وجبلت . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } أي : [ لا يجعل ] فعل الكيد والخيانة هدى ورشداً ، إنما يجعل فعل الكيد والخيانة ضلالا وغواية . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } [ أي : أجعله لنفسي خالصاً لحوائجي وأن يكون قوله : { أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } ] : أصدر لرأيه وأطيع أمره ، في هذا يقع استخلاصه إياه ؛ ولذلك قال : { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ … } الآية لا أن يجعله لحاجة نفسه خالصاً دون الناس لا يشرك غيره فيه ؛ دليله ما ذكر في حرف حَفْصَة ( إنك اليوم لدينا مطاع أمين ) . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } . ولم يذكر فيه أنه أتى به ، ولكن قال : فلما كلمه ؛ فهذا يدل أنه قد أتى به وإن لم يذكر أنه أتى به ؛ حيث قال : { فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } قيل : المكين : الوجيه ، وقيل : المكين : الأمين المرضي عندنا والأمين على ما استأمناك . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ } . سأل هذا لما علم أنه ليس في وسعهم القيام بإصلاح ذلك الطعام ، وعلم أنه لو ولي غيره الخزائن لم يعرف إنزال الناس منازلهم ؛ في تقديم من يجب تقديمه ، والقيام بحاجة الأحق من غيره . وعلم أنه إليه يرجع ، ويقع حوائج أكثر الناس ، وبه قوام أبدانهم ؛ فسأله ليقوم بذلك كله ، وعلى يديه يجري . ولذلك قال : { إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } . قال بعضهم : حفيظ لما وليت عليم بأمره . وقيل : حفيظ أي : حاسب ، عليم : أي بالألسن كلها . وقيل : حفيظ لما في الأرض من غلة ؛ عالم بها . وعن ابن عباس رضي الله عنه : حفيظ لما تحت يدي ، عليم بالناس . وقيل : حفيظ بصير بتقديره عالم بساعات الجوع حين يقع ، إني حفيظ لما استحفظت عليم بحوائج الناس ، أو عليم بتقديم الأحق . وقوله - عز وجل - : { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } . يقول - والله أعلم - : كما برأنا يوسف مما قرف به ، وأظهرنا براءته منه ؛ مكناه في الأرض حتى احتاج أهل نواحي مصر وأهل الآفاق إليه . أو أن يقال : كما حفظناه وأنجيناه ؛ مما قصد به إخوته من الهلاك ؛ نمكن له في الأرض . وجائز أن يكون قوله : { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ } جوابه : كما مكنا ليوسف في الأرض بعدما أخرج من عليه الإيواء والضم ، كذلك نمكنك في الأرض ونؤوي ؛ بعدما أخرجك من عليه إيواؤك . وقوله - عز وجل - : { يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ } . أي : ينزل منها حيث يشاء ، أو يسكن منها حيث يشاء . وقوله - عز وجل - : { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ } . يحتمل قوله : { بِرَحْمَتِنَا } سعة الدنيا ونعيمها ؛ كقوله : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } [ فاطر : 2 ] . ويحتمل { بِرَحْمَتِنَا } : أمر الدين من النبوة والعصمة ، وهو على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : ليس لله أن يختص أحداً برحمته ولا يصيب من رحمته إنساناً دون إنسان ، وعلى قولهم لم يكن من الله إلى رسول من الرحمة إلا وكان إلى إبليس مثله . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . أي : لا نضيع أجر من أحسن صحبة الله في الدنيا والآخرة ؛ أي نجزيه جزاء إحسانه أو يقول : ولا نضيع أجر من أحسن صحبة نعم الله وقبلها بالشكر له . وقوله - عز وجل - : { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } . أي ثواب الآخرة وأجرها خير لهم من ثواب الدنيا وأجرها . وقوله : { آمَنُواْ } . صدقوا . { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } الشرك . أو { آمَنُواْ } صدقوا ؛ { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } المعاصي والفواحش .