Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 58-62)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } . لما أراد الله أن يبلغ أمر يوسف ؛ فيما أراد أن يبلغ جعلهم بحيث لا يعرفونه ؛ لذلك قال : { فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } أي : لا يعرفونه ؛ كقوله : { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [ الحجر : 62 ] أي : غير معروفين عند إبراهيم ، والمنكر : هو الذي لا يعرف في الشرع ولا في العقل . وقوله - عز وجل - : { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } . أي : أعطى لهم الطعام الذي طلبوا منه . قال أبو عوسجة : الجهاز : المتاع . والجهاز - أيضاً - : متاع المرأة التي تجهز به ، ولا يقال : جِهاز بخفض الجيم . وقال أهل التأويل : إن يوسف - عليه السلام - قال لهم حين دخلوا عليه أنتم عيون ؛ بعثكم ملككم تنظرون إلى أهل مصر ثم تأتونه بالخبر وتأتونه بكذا . ذلك مما لا نعلمه أنه قد كان قال لهم ذلك أم لا ، وغير ذلك من الكلمات التي قالوا : إنه قال لهم كذا وقالوا هم له كذا ، نحن كذا كذا رجلا ؛ فهلك منا كذا ، ولنا أب كذا : مثل هذا لا يكون كلام الأنبياء إنما هو كلام بعض العوام الغوغاء . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } . مثل هذا لا يحتمل أن يقوله يوسف ابتداء ؛ على غير سبب أو كلام كان هنالك ، لكنه لم يذكر الذي كان ؛ ونحن لا نعرف ما الذي كان جرى هنالك فيما بينهم . وكذلك قوله : { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } . أمَّا أهل التأويل فإنهم قالوا : قال لهم ائتوني بأخ لكم من أبيكم إلى آخر ما ذكر ؛ لأنه لما قال لهم : إنكم جئتم عيوناً لملككم ؛ فأمر بحبسهم ، فقالوا : نحن بنو يعقوب النبي ، وكنا اثنى عشر رجلا ؛ فهلك منا رجل في الغنم ، ووجدنا على قميصه دماً ؛ فأتينا أبانا فقلنا : كذا ، وقد خلفنا عند أبينا أخاً له ؛ من أم الذي هلك ؛ فعند ذلك قال [ لهم ] : { ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } لكن هذا الذي ذكروا لا يكون سبباً ولا جواباً له ، وقد ذكرنا أنه لا يصح هذا الكلام مبتدأ ، لكنا نعلم بالعقل أنه كان هنالك سبب ، ومعنى أمر يوسف أن يقول لهم ذلك ، وإلا لا يحتمل أن يقول لهم يوسف : { فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } وهو كان يعلم أن أباه يعقوب يحتاج إلى طعام ، ويعرف حاجتهم في ذلك - هذا لا يسع إلا بسبب كان ؛ فأمر يوسف بذلك . وقوله : { فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } فيما يستقبل ؛ أي : لا تأتوني . والله أعلم . ويحتمل قوله : { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ } وجهين : أحدهما : قال ذلك لهم ؛ إنه يوفي لهم الكيل ؛ لأن أهل ذلك المكان كانوا ينقصون ويخسرون الكيل في الضيق ؛ فقال هو : ألا ترون أني أوفي الكيل ولا أبخس . والثاني : ألا ترى أني أوفي الكيل على غير الحاجة ؛ وكان يجعل لغيرهم الطعام على الحاجة ؛ لضيق الطعام . إني أوفي الكيل على قدر الحاجة وأنا خير المنزلين في الإحسان إليكم والتوسيع عليكم ؛ لأن أهل ذلك المكان لا يحسنون إلى النازلين بهم ، ولا يوسعون [ عليهم ] ؛ لضيق الطعام . وكأن قوله : { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ } مؤخر عن قوله : { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } ؛ كأن قال : { ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } ؛ فعند ذلك قال : { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ } والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } . هذا الكلام في الظاهر ليس هو جواب قول يوسف ؛ حيث قال : { ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } وجوابه أن يقولوا له : نأتي به أو لا نأتي ، فأما أن يجعل قولهم : { سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } جواباً له ؛ فلا يحتمل مع ما أن في قلوبهم سنراود عنه اضطراب ؛ يملكون أو لا يملكون . قولهم : { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } . على القطع ؛ لكن يشبه أن يخرج على وجهين : أحدهما : على الإضمار ؛ سنراود عنه أباه فإن أذن له وإنا لفاعلون ذلك . أو على التقديم والتأخير يكون جواب قوله : { ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } في قولهم : { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } كأنه لما قال لهم يوسف : ائتوني بأخ لكم من أبيكم قالوا إنا لفاعلون ، ثم قالوا فيما بينهم : سنراود عنه أباه . على هذين الوجهين يشبه أن يخرج والله أعلم . وقوله : { سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } . قال أبو عوسجة : المراودة : الممارسة ، وهي شبه المخادعة ، وهي المعالجة . وقيل : سنراود : أي سنجهد وسنطلب . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ } لفتيته . الفتية : الخدم ؛ والفتيان : المماليك . { ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ } . قيل : اجعلوا دراهمهم في أوعيتهم ، فيه دلالة أن الهبة قد تصح - وإن لم يصرح بها - إذا وقع في يدي الموهوب له وقبضه - وإن لم يعلم هو بذلك - وقتما جعل له ؛ لأن يوسف جعل بضاعتهم في رحالهم ؛ هبة لهم منه ؛ وهم لم يعلموا بذلك ، وهو وقتما جعل [ ذلك لهم ] مِلك ليوسف ؛ ولهذا قال أصحابنا : إن من وضع ماله في طريق من طرق المسلمين ؛ ليكون ذلك ملكاً لمن رفعه كان ما فعل . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : يرجعون ؛ مخافة أن يعرفوا بالسرقة لما عسى يقع عندهم أن واحداً منا جعل هذا في متاعنا وأوعيتنا سرّاً منهم ففعل يوسف هذا ؛ ليرجعوا ؛ مخافة أن يعرفوا بالسرقة . والثاني : ما قاله أهل التأويل : لما تخوف يوسف ألا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى فجعل دراهمهم في أوعيتهم ؛ لكي يرجعوا إلينا ؛ فلا يحبسهم عنا عدم الدراهم ؛ لأنهم كانوا أهل ماشية .