Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 63-68)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ } . فيما يستقبل ويستأنف لقوله : { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } . { فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ } بالنون ؛ وبالياء : ( يكتل ) ، وبالنون أقرب ؛ لأنهم قالوا : منع الكيل منا فأرسل معنا أخانا نكتل ؛ نحن ، يشبه : ويكتل هو إن أرسلته . { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . لا يحتمل أن يقولوا له هذا من غير سبب كان هنالك : من خوف خاف عليه أبوهم من ناحيتهم ، وقد اتهمهم ؛ لأنه كان أخوهم من أبيهم ، خاف عليه أن يضيعوه أو إن استقبله أمر لا يعينونه أو أمر كان لم يذكر ، ولسنا ندري ما ذلك المعنى والله أعلم بذلك . { قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ } . وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه : ( هل تحفظونه إلا كما حفظتم أخاه يوسف من قبل ) . في هذا دلالة أن من ظهرت منه تهمة أو خيانة في أمر ، يجوز أن يتهم فيما لم يظهر منه شيء ؛ حيث اتهمهم يعقوب في بنيامين بخيانة كانت منهم في يوسف ؛ وإن لم يظهر له منهم في أخيه شيء ، وهو حجة لأصحابنا : أن من ظهر فسقه في شيء أو كذبه في أمر ، صار مجروح الشهادة في غيره . وقوله : { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } . أي : إن أرسلته فإنما أعتمد على حفظ الله ، وإليه أكل في حفظه ؛ لست أعتمد على حفظكم . { وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } . أي : هو بكل مكروب وملهوف أرحم من كل راحم ؛ لأن كل من يرحم إنما يرحمه برحمة نالها منه . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ } . هذا قد ذكرناه . وقوله - عز وجل - : { مَا نَبْغِي } هذا يحتمل : ما نبغي سوى الثمن ؛ فقد رد إلينا دراهمنا أو يكون قوله : { مَا نَبْغِي } وراء هذا كبير شيء ؛ إنما نبغي ثمن بعير واحد وثمن بعير واحد يسير ؛ لأنه قدر ردت بضاعتنا ؛ وهو ثمن عشرة أبعرة . { وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ } . لأنه ذكر أن يوسف كان لا يعطي كل رجل إلا حِمْل بعير واحد ، ولا يعطي أكثر من ذلك ؛ فقالوا : ونزداد كيل بعير به ؛ ومن أجله . { ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } . قال بعضهم : { ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } أي : سريع لا حبس فيه : وقال بعضهم : { ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } أي : ييسر علينا الكيل ، ولا يحبس عنا الطعام ، ولا يثقل عليه ذلك ؛ بقوله : { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ * فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } [ يوسف : 59 - 60 ] فإن لم نأته به فلا كيل لنا ؛ وقد حبسنا عنه . والله أعلم . ويشبه أن يكون فيه وجه آخر أقرب مما قالوا وهو : أن قوله : { ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } أي : طلب ثمن كيل بعير يسير ؛ لأنه قد ردت إليهم بضاعتهم ؛ وهو ثمن كيل عشرة أبعرة ؛ فإنما احتاجوا إلى ثمن كيل بعير واحد ؛ فقالوا : طلب ثمن كيل بعير واحد يسير ، وتكلفة سهلة ؛ وهو ثمن كيل بعير بنيامين . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ } . أي : حتى تأتوني بمواثيق من الله ؛ وبعهود منه . { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ } . فيه دلالة أنه وإن قال : { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } واعتمد في الحفظ على الله ، ورأى الحفظ منه ، لم يرسله معهم إلا بالمواثيق والعهود من الله ، وهذا أمر ظاهر بين الناس ؛ أنهم وإن كان اعتمادهم على الله وإليه يكلون في جميع أمورهم في الأموال والأنفس ، ومنه يرون الحفظ فإنه يأخذ بعضهم من بعض المواثيق والعهود ؛ فعلى ذلك يعقوب أنه وإن أخبر أن اعتماده واتكاله في حفظ ولده على الله لم يرسله معهم إلا بعدما أخذ منهم العهود والمواثيق . { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } . أي : إلا أن يجمعكم أمر ويعمكم ، ويحيط بكم الهلاك جميعاً ؛ فعند ذلك تكونون معذورين ؛ فإما أن يخص به أمر فلا . والثاني : إلا أن يجيء أمر عظيم يمنعكم عن رده ؛ كأنه خاف عليه من الملك ؛ حيث طلب منهم أن يأتوه به . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ } يعقوب : { ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } أي : الله على المواثيق والعهود التي أخذتها منكم شهيد ، أو يقول : الله له حفيظ ؛ كما قال : { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً } . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } . قال بعضهم من أهل التأويل : إن يعقوب خاف عليهم العين ؛ لأنهم كانوا ذوي صور وجمال وبهاء ؛ فخشي عليهم العين ؛ لذلك أمرهم أن يدخلوا متفرقين . وقال بعضهم : خشي عليهم البيات والهلاك ؛ لأنهم كانوا أهل قوة ومنعة ؛ فيخافهم أهل البلد ويفرقون منهم السرقة ؛ فأمرهم بالتفرق ، وهو قول ابن عباس ؛ فإذا كانوا متفرقين فلا يهلكون الكل ؛ وإنما يهلك بعضهم وينجو بعض أو لا يدرى ما أراد بهذا . وقال بعضهم : علم يعقوب أنهم لا يهلكون ؛ لما رأى يوسف من الرؤيا أن يسجد له إخوته ، ولكن خاف عليهم أن تصيبهم النكبة ؛ لذلك أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة ، أو من سكك متفرقة ، أو من طرق متفرقة ، أو ما قالوا . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } . أي لا أدفع عنكم من الله من شيء ؛ إن أصابكم نكبة أو عين ، فإن قيل : لو كان أمره إياهم بالتفرق ؛ لخوف العين ؛ أو لخوف أهل البلد منهم السرقة والإغارة ، كيف لم يأمرهم [ بذلك ] في المرة الأولى ؛ وخوف العين ؟ لم يخش ذلك لما قد يقع الاجتماع ما ذكر ابن عباس رضي الله عنه : أنه يخافهم أهل البلد إذا رأوهم مجتمعين أنهم لصوص وأنهم كذا ، ولكن جائز أن يكون في المرة الأولى لم يخش ذلك ؛ لما قد يقع الاجتماع في أمثال أولئك من الرفقاء والصحابة ، فلا يكون في ذلك الخوف الذي ذكروا . وإذا عادوا في المرة الثانية ؛ قد يحتمل ذلك الخوف من العين ؛ وغيره ، إذا علم أهل البلد أن ذلك العدد تحت أب واحد ، أو أمرهم بالتفرق على الأبواب ؛ بمحنة امتحن بذلك ، وأمر به ، أو لمعنى غاب عنا لا نحتاج إليه . والله أعلم . وقوله : { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } أي : لا أدفع عنكم [ من الله من شيء إن أصابكم نكبة أو عين وإن تفرقتم إن الحكم إلا لله ، هذا تفسير قوله : { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } أي : لا أدفع عنكم ] بما أحتال ما قدر الله وقضاه ؛ أن يصيبكم ؛ [ فيصيبكم ] لا محالة [ وينزل بكم { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } أي : ما الحكم في ذلك إلا لله ما في حكمه وقضائه أن يصيبكم فيصيبكم لا محالة ] . وقوله - عز وجل - : { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } . هذا أصل كل أمر يخاف المرء ، وأن يأخذ بالحذر ، ويتوكل - مع ذلك - على الله ؛ على ما أمر يعقوب - عليه السلام - بنيه بالحذر في ذلك ، ثم توكل على الله في ذلك . والحذر هو العادة في الخلق ، والتوكل : تفويض الأمر إلى الله ، والاعتماد عليه . والله أعلم . وقوله : { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } من أبواب متفرقة . { مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } . أي : ما كان يدفع ذلك عنهم ما حكم الله عليهم أن يصيبهم . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } . الحاجة في النفس : أحد شيئين : إما الرغبة ، وإما الرهبة ؛ كقوله : { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً } [ الحشر : 9 ] فعلى ذلك حاجة يعقوب ، لا تخلو : إما أن كانت رغبة منه ؛ في تفرقهم ، أو رهبة في اجتماعهم ؛ قضى تلك الحاجة . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } . يشبه أن يكون هذا صلة ما قال يعقوب لبنيه : { لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } أي : وإنه لذو علم لما أمرهم بالدخول على التفرق ؛ والنهي عن الاجتماع . وقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } . ما أراد بقوله : { لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } : من السكك المتفرقة ، ما كان يغني عنهم من قضاء الله شيئاً إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ، يقول : بدأها فتكلم بها . { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } يقول : حافظاً لما علمناه ، وقيل : حافظاً له ؛ عالماً به ، وقيل : { لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } أي : عمل بجميع ما علم وانتفع به ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } لم ينتفعوا بما علموا . ويحتمل : وإنه لذو علم بقصة يوسف من أولها إلى آخرها ؛ كما أخبرناه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك . وجائز أن يكون قوله : { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } أي : ما أصابه من الحزن ؛ بذهاب يوسف وأخيه ، وما أصابه من الشدة والنكبة لم يؤثر ذلك في علمه الذي علمناه ، وإن أثر ذلك في نفسه وبدنه ، أي علمه بما علمناه بعدما أصابه ما أصابه ؛ كهو ما كان قبل ذلك ، لم يعمل فيه ولم يؤثر . وعن الحسن - فيما أظن - في قول يعقوب لبنيه : { لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } قال : أما والله ما كانت به طيرة تطير بها ؛ ولكن قد علم أو ظن أن يوسف سيلقى أخاه ؛ فيقول : إني أنا أخوك . وأكثر أهل التأويل قالوا : قوله : { إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } أي : خيفة العين على بنيه ؛ لجمالهم ، وبهائهم ، وحسن صورهم ، أو لما يكون لواحد كذا كذا عدداً من البنين فيقصدون قصدهم بالنكاية عليهم لما ذكرنا أو ما أراد بذلك . والله أعلم .