Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 69-79)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } . هذا يحتمل وجهين : يحتمل أنهم لما دخلوا البلد الذي فيه دعا يوسف أخاه وحن إليه ويحتمل أنهم دخلوا جميعاً على يوسف ؛ فضم أخاه إلى نفسه ؛ فقال : إني أنا أخوك . قال بعضهم أهل التأويل لم يقل [ له ] : أنا أخوك : بالنسبة ؛ ولكنه قال : أنا أخوك : مكان أخيك الهالك . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَبْتَئِسْ } . يقول : لا تحزن . { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون } . هذا يحتمل وجهين : يحتمل : لا تبتئس بما كان عمل إخوتك ؛ كأنه لما دعاه فضمه إلى نفسه - شكا إليه من إخوته ؛ فقال عند ذلك : { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . ويحتمل : [ فلا ] تبتئس بما يعمل بك هؤلاء ؛ أي : خدمه وعماله ، كأنه أخبره بما كان يريد أن يكيد بهم ؛ من جعل الصاع في رحله ؛ فقال : { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } بك ؛ لأنه لا يجوز أن يجعل أخاه متهماً ، يقرف به من غير أن ظهر منه شيء ؛ وقد أخبره أنه أخوه . والله أعلم . دلَّ أنه أراد أن يعْلمه ما يريد أن يكيد بهم ؛ ليكون هو على علم من ذلك . [ وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } هو ما يهيأ للخروج ؛ ولذلك يقال لمتاع المرأة : جهاز ] وقوله : - عز وجل - : { جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ } . السقاية : قيل : هي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك ، وقيل : هو الصاع الذي كان يكال به الطعام ؛ ولكن لا نعلم ما كان ذلك سوى أنا نعلم أنها كانت ذات قيمة وثمن ؛ ألا ترى أن ذلك الرسول قال : { وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } فلولا أنها كانت ذات قيمة وثمن وإلا لم يعط لمن جاء به حمل بعير الطعام ، وكان قيمة الطعام عندهم في ذلك الوقت ما كان . { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } . أي : نادى مناد : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } . لا يحتمل أن يكون يوسف يأمر رسوله أن يقول لهم : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } ؛ وقد علم أنهم ليسوا بسارقين ، ولكن قال لهم ذلك المنادي الذي ناداه - والله أعلم - : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } من نفسه ، وهو من بعض من يتولى كيل الطعام على الناس ، وأمثاله لا يبالون الكذب [ أو قال ] لهم ذلك قوم كانوا بحضرتهم : { أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } . أو أن يكون على الاستفهام والتقرير . فإن كان [ هذا ] - فهو يحتمل من يوسف ؛ وأما غيره فلا ؛ لأنه كذب . وضم يوسف أخاه يحتمل وجهين : يحتمل لمكان سؤاله إياهم أن يأتوا به ، أو لمكان فضله ومنزلته ليعلموا أن ما كان ليوسف وأخيه عند أبيهم من فضل المحبة والمنزلة من الله ؛ إذ جعل ذلك لهما عند الملك وغيره . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ } . أي : إناء الملك ؛ سمّاه مرةً صاعاً ؛ ومرةً سقاية ، فيجوز أن يستعمل في الأمرين جميعاً ؛ في الاستسقاء والكيل جميعاً . { قَالُواْ } - لمناديه - { مَّاذَا تَفْقِدُونَ } . قال أبو عوسجة : أي أضللتم ؛ يقال : افتقدتك وتفقدتك أي : تعهدتك . وقال القتبي : { فَلاَ تَبْتَئِسْ } : هو من البؤس ، والسقاية : المكيال ؛ وقيل : مشربة الملك ، وصواع الملك ؛ وصاعه - واحد . وقوله - عز وجل - : { وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } . قيل : ضمينٌ لذلك الطعام ؛ وكفيل به . والزعيم : كأنه أيضاً اسم لرئيس من القوم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } . هذا يحتمل وجوهاً : يحتمل أنهم قالوا ذلك ؛ لأنكم رددتم إلينا الدراهم وجعلتم في أوعيتنا ، ثم رددنا عليكم ؛ مخافة أن نعرف بالسرقة والفساد في الأرض ؛ فكيف تقرفونا بهذا ؟ ! والثاني : أنكم تعلمون أنا أبناء النبي والرسول ، والأنبياء لا يكون منهم السرقة و [ لا ] الفساد في الأرض ، ومثل هذا لم يظهر في أهل بيتنا قط ولا قرفنا به ؛ فيكف قرفتمونا بهذا ؟ ! والثالث : أنكم تروننا صَوّامين قوامين ؛ ومن هذا فعله ورأيه فإنه لا يتهم بالسرقة . أو أن يكون قوله : { لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ } لما رأوهم دخلوا من أبواب متفرقة ، ولو كانوا سراقاً لدخلوا مجموعين ؛ لأن عادة السُّراق الاجتماع لا التفرق . ثم قالوا : { فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } . أي : إن كان فيكم من يكذب ويظهر ذلك منه ؛ فما جزاؤه ؟ . { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ } . هذا يحتمل وجهين : يحتمل قوله : { فَهُوَ جَزَاؤُهُ } أي يصير رقيقاً مملوكاً بها له ، أو يصير محبوساً بها عنده . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ } . ظاهر هذا الكلام : أن يكون يوسف هو الذي فتش أوعيتهم ، وطلب ذلك فيها ؛ حيث نسب ذلك إليه بقوله : { قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ } . لكنه نسب إليه ؛ لمّا بأمْرِهِ فُتِّشَ ؛ إِذ الملوك لا يتولون ذلك بأنفسهم وفيه أنه قد فصل بينهم وبين بنيامين ؛ حيث سمَّى هذا أخاه ، ولم يسم أولئك ؛ بقوله : { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ } ، وهو يخرج على وجهين : أحدهما : أنه قد ذكر لهذا أنه أخوه ؛ حيث قال له : { إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ } [ يوسف : 69 ] ؛ ولم يذكر لأولئك فسمى هذا أخاً له ، ونسب إليه بالأخوة ؛ لما كان ذكر له ، ولم يسم أولئك ؛ لما لم يذكر لهم أنه أخوهم . والثاني : أنه لم يكن لهذا - أعني بنيامين لمكان يوسف - سوء صنيع ، ولا شر ، بل هو على الأخوة والصداقة التي كانت بينه وبينه . وأمَّا أولئك - أعني غيره من الإخوة - فقد كان منهم إليه ما كان من سوء صنيعهم ، وقبح فعالهم ؛ فيخرج ذلك مخرج التبري من الإخوة بسوء ما كان منهم إليه ؛ وهو [ كقوله لنوح ] - عليه السلام - حين قال : { إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي } [ هود : 45 ] { يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [ هود : 46 ] نفى أن يكون من أهله ؛ بسوء عمله وفعله ؛ غير صالح . فعلى ذلك الأول يشبه أن يكون على هذا . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ } . دل هذا أنه قد كان منه أيضاً التفتيش والطلب في وعاء أخيه ؛ على ما كان في أوعيتهم [ لا يستخرجها ] على غير تفتيش . وقوله - عز وجل - : { كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } . هذا يحتمل وجهين : يحتمل { كَذٰلِكَ كِدْنَا } أي علمنا يوسف - من أول الأمر إلى آخره - ما يكيد ويحتال في إمساك أخيه عنده ومنعه عنهم ؛ لأن يخلو لهم وجه أبيهم جزاء ما طلبوا هم : أن يخلو لهم وجه أبيهم ؛ بتغييب يوسف عن أبيه ؛ لأن أباهم قال : { حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] فلما بلغه ذلك الخبر - تولى عنهم ؛ وهو قوله : { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ … } الآية [ يوسف : 84 ] ؛ هذا - والله أعلم - جزاء كيدهم الذي كادوا بيوسف ليخلو لهم وجه أبيهم ؛ ليتولى عنهم أبوهم ، هذا يشبه أن يكون . والثاني : { كِدْنَا لِيُوسُفَ } أي : علمناه أن كيف يفتش أوعيتهم لئلا يشعروهم أنه عن علم استخرجها من وعاء أخيه ؛ لا عن جهل وظن ، فعلمه البداية في التفتيش بأوعيتهم ؛ لئلا يقع عندهم أنه عن علم ويقين يأخذه . يشبه - والله أعلم - أن يخرج قوله : { كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } على هذين الوجهين . أو { كِدْنَا لِيُوسُفَ } أي : أمرنا يوسف بالكيد بهم ؛ جزاء ما عملوا بمكانه لما اهتموا بإمساك أخيهم . وقوله - عز وجل - : { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ } . أي في حكم الملك ، ذكر أن حكم إخوة يوسف وقضاءهم فيهم : أن من سرق يكون عبداً بسرقته للمسروق منه ، ويستعبد بسرقته ، ومن حكم الملك : أن يغرم السارق ضعفي ما سرق ؛ ويضرب ويؤدب ؛ ثم يخلى عنه ، ولا نعلم ما حكم الملك في السرقة ، سوى أنه أخبر أن ليس له أخذ أخيه في دين الملك . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك ، أو يجعل له حق الأخذ وحبسه ؛ وإن لم يكن ذلك في حكمه . أو أن يكون قوله : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } على ما كان من إبراهيم : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } الآية [ الأنعام : 80 ] وكان الأنبياء - عليهم السلام - يذكرون الثنيا على حقيقة المشيئة ، أو يقول : إلا أن يكون في علم الله مني زلة ؛ فأستوجب عند ذلك الكون في دين ذلك الملك ؛ فيشاء ما علم مني ، وكذلك قول إبراهيم حيث قال : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } [ الأنعام : 80 ] أي : لا أخاف ما تشركون به ؛ إلا أن يكون مني ما أستوجب ذلك بزلة ؛ فيشاء الله ذلك مني . وقوله - عز وجل - : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } . الدرجات : هن الفضائل ؛ يرفع بعضهم فوق بعض بالنبوة والعلم ، وفي كل شيء . { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } . ما من عالم وإن لطف علمه وكثر إلا قد يكون فوقه من هو ألطف علماً منه وأكثر وأعلم في شيء أو يكون قوله : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } وهو الله تعالى ؛ فوق كل ذي علم ؛ يعلمهم العلم ، والله أعلم . من يقول : إنه عالم إلا بعلم يحتج بظاهر هذه الآية ؛ حيث قال : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } أثبت لغيره العلم ولم يذكر لنفسه ؛ بل قال : { عَلِيمٌ } ؛ لكنه إذا قال : { عَلِيمٌ } أثبت العلم ولأنه إذا قال : وفوق كل العلماء عليم يكون كذلك . وقوله - عز وجل - : { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } . قال بعض أهل التأويل : كانت سرقته : أنه كان صنم من ذهب لجده أبي أمّه يعبده ؛ فسرق ذلك منه لئلا يُعْبَدَ دون الله ، ولكنا لا نعلم ذلك ؛ ونعلم أنهم كذبوا في قولهم { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } وأرادوا أن يتبرءوا منه ، وينفوا ذلك عن أنفسهم ، ليعلم أنه ليس منهم . فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم { قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } عند الله . قيل : إن يوسف أسر هذه الكلمة في نفسه ؛ لم يظهرها لهم أو أسر ما اتهموه بالسرقة . وجائز أن يكون قولهم : { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } خاطبوا به أخاه بنيامين دون يوسف : [ إن سرقت ] فقد سرق أخ له من قبل ؛ يقولون فيما بينهم . وقد ذكر في بعض الحروف : ( إِن يسرق فقد سُرِّقَ أخ لهم من قَبل ) بالتشديد فإن ثبت ؛ فالتأويل هو لقولهم . وقال بعضهم : قوله : { قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } أي : أنتم شر صنعاً بيوسف . { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ } من الكذب أنه سرق أخ له من قبل . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ } . أرادوا والله أعلم أن يرقّوا قلبه بهذا ، { إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً } لما يكون قلب الشيخ بولده الصغير أميل ؛ وهو عنده آثر وأكثر منزلة منا . { فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . لما أحسن إليهم في الكيل ؛ والإنزال في المنزل والضيافة والقرى ؛ قد رأوه وعلموه محسناً . وقوله - عز وجل - : { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ } . قيل : هذا قول يوسف . { مَعَاذَ ٱللَّهِ } أي أعوذ بالله { أَن نَّأْخُذَ } ونحبس بالسرقة { إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ } فإن قيل : كيف تعوذ على ترك أخذه ؛ وأخذ غيره مكانه ، ولم يكن وجب له حق الأخذ ؛ إذ لم يكن سرقه وإنما يتعوذ على ترك ما لا يسع تركه ؟ قيل : إنه لم يتعوذ على ترك أخذ أخيه ، إنما تعوذ على أخذ غير من وجد المتاع عنده . { إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ } عندكم لو أخذنا غير من وجدنا متاعنا عنده ؛ إذ في حكمهم أخذ من سرق بالسرقة والحبس بها . والله أعلم .