Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 80-87)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ } . قيل : أيسوا عن أن يُرَدّ إليهم أخوهم . { خَلَصُواْ نَجِيّاً } . قيل : خلوا من الناس وخلصوا منهم ؛ يتناجون فيما بينهم في أمر أخيهم ، أو في الانصراف إلى أبيهم ، أو في المقام فيه . { قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ } . قال أهل التأويل : كبيرهم في العقل ليس في السن ؛ وهو فلان . قال بعضهم : وهو يهوذا ، وقال بعضهم : هو شمعون . ولكن لا نعلم من كان قائل هذا لهم ، ولا نحتاج إلى معرفة ذلك ؛ سوى أن فيه : { قَالَ كَبِيرُهُمْ } إمَّا أن كان كبيرهم في العقل ؛ أو كبيرهم في السن . { أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ } ( ألم تعلموا ) و ( ألم تروا ) حرفان يستعملان في أحد أمرين : في الأمر ؛ أن اعلموا ذلك ، أو في موضع التنبيه والتقرير ؛ وهاهنا كأنه قال ذلك على التقرير والتنبيه ؛ أي : قد علمتم { أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ } . هذا يدل أن التأويل في قوله : { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] هو إلا أن يعمكم أمرٌ ويجمعكم ؛ فتهلكون فيه جميعاً ، وليس كما قال بعض أهل التأويل : إلا أن يجيء ما يمنعكم عن ردّه ؛ أي : إلا أن تغلبوا فتعجزوا عن ردّه ؛ لأنه قد جاء ما يمنعهم عن ردّه ، ثم أبي أكبرهم الرجوع إلى أبيه ؛ دل أن التأويل هو هذا ، ومن يقول : إن التأويل في قوله : { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] إلا أن يجيء ما يمنعكم عن الردّ ؛ استدل بقوله : { ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ } ؛ فلو كان على ما يعمهم ويجمعهم ، لم يكن ليأمرهم بالرجوع إلى أبيهم ؛ دل أنه ما ذكر . وأما أهل التأويل الأول يقولون : إن قوله : { ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ } ليس على الأمر ؛ ولكن إذا رجعتم إلى أبيكم ؛ فقولوا : إن ابنك سرق وكذلك يخرج قوله : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا } ليس على الأمر ؛ ولكن لو سألت أهل القرية وأهل العير ؛ لأخبروك أنه كما قلنا ؛ فعلى ذلك قوله : { ٱرْجِعُوۤاْ } ليس على الأمر ؛ ولكن لو رجعتم إليه ؛ فقولوا كذا . وقوله - عز وجل - : { وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ } . أي : من قبل ما ضيعتم أمر أبيكم في يوسف ؛ أو ضيعتم أمر الله ووعده في يوسف . { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ } . [ هذا يحتمل وجهين : يحتمل حتى يأذن لي أبي بالرجوع إليه ؛ إذا ظهر عنده عذرنا وصدقنا في أمره ابنه أو يأذن لي أبي ] بالمنازعة في القتال مع الملك حتى أستنقذ أخي وأستخلصه منه . { أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي } في الرجوع أيضاً أو في القتال معه . { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } أو يحكم الله لي بإظهار عذرنا وصدقنا عند أبينا . { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } في إظهار العذر ؛ لأنه إذا حكم بإظهار العذر ظهر ذلك في الخلق جميعاً ، ولا كذلك حكم غيره ؛ لأن كل من يحكم بحكم ؛ يجوز إنما يحكم بحكم ؛ هو حكم الله ؛ فهو خير الحاكمين وكذلك قوله : { وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ يوسف : 64 ] لأن من رحم من الخلق ؛ إنما يرحم برحمته ؛ فهو أرحم الراحمين . وقوله - عز وجل - : { ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ } . يحتمل على الأمر ؛ على ما هو [ في ] الظاهر . ويحتمل ما ذكرنا ؛ أي : لو رجعتم إليه ؛ فقولوا : يا أبانا إن ابنك سرق يشبه أن يكون هذا منه تعريضاً في التخطئة ؛ على ما كان يؤثره على غيره من الأولاد ؛ أي الذي كنت تؤثره علينا بالمحبة وميل القلب إليه - قد سرق ، ويشبه أن يكون ليس على التعريض ؛ ولكن على الإخبار ؛ على ما ظهر عندهم من ظاهر الأمر . { وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا } بما أخرج المتاع من وعائه . { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } . هذا على التأويل الذي قيل في قوله : { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } أي : يعمكم ويجمعكم ؛ أي : ما كنا نعلم - وقت إعطاء العهد والميثاق - أنه يسرق ؛ وإلا لم نعطك العهد على ذلك . ويحتمل : { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } وقت ما أخرج المتاع من وعائه ؛ واتهم أنه سرق ، أو لم يسرق ، أو هو وضع الصاع في رحله ، أو غيره وضع أي : ما كنا نعلم في الابتداء أن الأمر يرجع إلى هذا ؛ وإلا لم نخرجه معنا . وقوله - عز وجل - : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا } . أي لو سألت أهل القرية وأهل العير ؛ لأخبروك أنه على ما نقول . { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } على ذلك ؛ على ما ظهر لنا ؛ من استخراج الإناء من وعائه والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } . فإن قيل : كيف قال لهم : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } وجعل ما أخبروه من تسويل أنفسهم وتزيينها ؛ ولم يخالفوه فيما أمرهم في أمر بنيامين ، ولا تركوا شيئاً مما أمرهم به ؛ وليس هذا كالأول ؛ الذي قال لهم في أمر يوسف : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً … } الآية ؛ لأنه قد كان منهم خلاف لما أمرهم به ؛ والسعي على إهلاكه ، فكان ما ذكر من تسويل أنفسهم وتزيينها في موضع التسويل والتزيين ، وأمَّا هاهنا فلم يأت منهم إليه خلاف ، ولا ترك لأمره ؛ فكيف قال : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } لكن يشبه أن يكون قال ذلك ؛ لأنهم لما اتّهموا جميعاً بالسرقة ؛ فقيل : { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [ يوسف : 70 ] قالوا : { لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } [ يوسف : 73 ] قطعوا فيه القول ؛ أنهم لم يكونوا سارقين ، وهو كان فيهم ؛ فكيف قطعتم فيه القول بالسرقة { إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ } ؛ ولكن سولت لكم أنفسكم أمراً من البغض والعداوة ؛ من الإيثار له وليوسف عليهم ؛ والميل إليهما دونهم ؛ حيث قالوا : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } [ يوسف : 8 ] والله أعلم . فسولت لكم أنفسكم ببغضكم وعداوتكم حتى تركتم التفحص عن حاله وأمره ، أن لا كل من وجد في رحله شيء يكون هو واضع ذلك الشيء ؛ بل قد يضع غيره فيه ؛ على غير علم منه . وقوله : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } . قد ذكرناه . وقوله : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } . قال أهل التأويل : قال : { يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } ؛ لأنهم صاروا جماعة ؛ يوسف وبنيامين أخوه ، ويهوذا وشمعون قد تخلفا لسبب حبس يوسف أخاه ، أو يوسف وأخوه . وقال بعض أهل التأويل : إن جبريل أتى يعقوب على أحسن صورة ؛ فسأله عن يوسف ؛ أفي الأحياء أم في الأموات ؟ فقال : بل هو في الأحياء ؛ فقال عند ذلك : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } . أو علم يعقوب أن يوسف في الأحياء ، وأنه غير هالك ؛ لما رأى يوسف ؛ من الرؤيا ؛ من سجود الكواكب والشمس والقمر له ؛ علم أنه في الأحياء ، وأنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه ، وغير ذلك من الدلائل ، لكنه كان لا يعلم أين هو ؟ فقال ذلك { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } . وقوله - عز وجل - : { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } . أي أعرض عنهم وعاتبهم ؛ حين أخبروه أن ابنه سرق . وقال : { يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } . قيل : يا حزنا على يوسف ، وقيل يا جزعا . وقال القتبي : الأسف أشد الحسرة ؛ وأصله : أن الأسف كأنه النهاية في الحزن : أن الحزين إذا بلغ غايته ونهايته ؛ يقال : أسف . وهو النهاية في الغضب أيضاً . كقوله : { فَلَمَّآ آسَفُونَا } [ الزخرف : 55 ] أي : لما أغضبونا { ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] وقوله تعالى : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً } [ الأعراف : 150 ] . وقوله : { يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } . يحتمل أن يكون لا على إظهار القول باللسان ؛ ولكن إخبار عما في ضميره ، وذلك جائز ؛ كقوله : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ } [ الإنسان : 9 ] أخبر عما في قلوبهم ؛ لا أن قالوا ذلك باللسان . ويحتمل القول به على غير قصد منه . وقوله - عز وجل - : { فَهُوَ كَظِيمٌ } . الكظم : هو كف النفس عن الجزع ؛ وترديد الحزن في الجوف على غير إظهار في أفعاله ، والجزع هو ما يظهر في أفعاله ؛ والذي يهيج الحزن هو الذي يهيج الغضب ، إلا أن الحزن يكون على من فوقه ؛ والغضب على من تحت يده ، وسبب هيجانهما واحد ، أو أن يكون الكظيم : هو الذي يمسك الحزن في قلبه والغم ، كأنه هو الذي يستر ويغطي القلب ؛ إذا حل به ، والهم : هو ما يبعث على القصد من الهم به . والحزن : هو على ما يؤثر التغيير في الخلقة ؛ ولا يظهر في الأفعال [ والجزع يظهر في الأفعال ] ولا يغير الخلقة عن حالها ، لذلك عمل في ضعف نفس يعقوب ، وعمل في إهلاك بعضه ، حيث ذهبت عيناه وابيضت من الحزن ، والكظيم : ما ذكرنا ؛ هو الذي يردد الحزن في جوفه ولا يظهر ويكفه عن الجزع . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ تَاللهِ } . هو يمينهم مكان : والله أو بالله ، وكذلك قال إبراهيم : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } [ الأنبياء : 57 ] . وقوله - عز وجل - : { تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ } . أي لا تزال تذكر يوسف ولا تنسى ذكره ؛ حتى تسلو ؛ من حزنه ، كأنهم دَعَوْه إلى السلوّ من حزنه ؛ لأنه بالذكر يتجدد الحزن ويحدث ، فقالوا له : لا تزال تذكر يوسف . { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } . قيل : دنفاً وقيل : { حَرَضاً } : هرماً ؛ وأصل الحرض : الضعف . { أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } . كذلك صار يعقوب ضعيفاً في بدنه من الحزن ؛ وصار بعض بدنه من الهالكين ؛ حيث ابيضت عيناه ؛ وذهبتا من الحزن . وقوله - عز وجل - : { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ } . قال القتبي : الحرض : الدنف ، والبث : أشدّ الحزن ؛ لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يَبُثَّه ؛ أي : يشكوه ، وكذلك روي في الخبر : ( مَنْ بَثَّ فلم يصبر ) ؛ أي : شكا ، وما ذكر من الشكاية إلى الله ليس على إظهار ذلك باللسان ؛ ولكن إمساك في القلب . وقال الحسن : { أَشْكُو بَثِّي } أي : حاجتي وحزني إلى الله ، ويشبه أن يكون البث والحزن واحداً ذكر على التكرار . وقال بعضهم : الحرض : الذي قد ذهب عقله من الكبر . { أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } فتموت والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . قال بعض أهل التأويل : قوله : أعلم من الله من تحقيق رؤيا يوسف ؛ أنه كائن ما لا تعلمون : أنتم وأنا سنسجد له . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : [ قوله ] : { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أنه حي لم يمت وهو ما ذكر ؛ أنه كان يعلم من الله ما لا يعلمون هم . ويشبه أن يكون قوله : أعلم من الله ؛ أي : أنتفع بعلمي ما لا تنتفعون أنتم ، وأصله : أن إخوة يوسف لو علموا أن أمر يوسف يبلغ ما بلغ من الملك والعز - ما قصدوا قصد تغييبه عن والده ، ولا سعوا فيه فيما سعوا من إفساد أمره ، لكنهم لم يعلموا والله أعلم - أو علم من الله شيئاً لم يبين ما لا يعلمون هم ؛ كقول إبراهيم [ … ] ، وما ذكر أهل التأويل : أن يعقوب قال : كذا ؛ من النياح على يوسف والجزع عليه ؛ لا يحتمل ذلك ؛ لأنه قال - حين أخبروه بذلك - : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } وما ذكروا هم منه ليس هو بصبر ؛ فضلا أن يكون جميلا . وقوله : { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } . قال أهل التأويل : تحسسوا : اطلبوه واستخبروا عنه وعن أخيه ، لكن غير هذا كأنه أقرب ؛ وهو من وقوع الحس عليه ؛ كأنه قال : اذهبوا فانظروا إليه وإلى أخيه ؛ لأنهم إن لم يكونوا يعلمون أن يوسف أين هو - فلقد كانوا يعلمون من حال أخيه بنيامين أنه أين هو ؛ فلو كان على الطلب والبحث والاستخبار ؛ على ما قاله أهل التأويل ؛ إن احتمل في يوسف فذلك لا يحتمل في أخيه ؛ إذ هم كانوا يعلمون مكانه وأين هو ؛ وإن كانوا لا يعلمون مكان يوسف ولا أين هو ، وهو إنما أمرهم أن يتحسسوا عنهما جميعاً ؛ فدل - والله أعلم - أنه من وقوع الحسّ والبصر عليهما ؛ لا من البحث والطلب - والله أعلم - فكأنه علم بالوحي أنه هنالك وأخوه معه ، لكنه لم يخبر بنيه أنه هنالك ؛ لما علم أنهم يتكاسلون ويتثاقلون عن الذهاب إليه ؛ فإنما أمرهم بذلك أمر تعريض لا أمر تصريح . أو أن يكون قوله : { فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ } على الإضمار ؛ أي : تحسسوا من يوسف واسألوا منه ردَّ أخيه ؛ لما علم أن أخاه يكون معه . وقال عامة أهل التأويل : إنما قال لهم هذا ؛ وعلم أنه في الأحياء ؛ لأنه رأى ملك الموت ؛ فقال له : هل قبضت روح يوسف مما قبضت من الأرواح ؟ قال : لا . وقال بعضهم : رأى في المنام ملك الموت ؛ فقال له ما ذكرنا ؛ فعند ذلك قال هذا القول . لكنا نقول : إنه كان عالماً بأنه في الأحياء ؛ ليس بهالك ؛ لما رأى من الرؤيا وغيره ؛ فعلم أنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه على الصدق والحق ، لكنه لم يكن يعلم أنه أين هو من قبل ، ثم علم من بعدُ بالوحي عن مكانه وحاله ؛ فأمر بنيه أن يأتوه ؛ فينظروا إليه وإلى أخيه . وأصل هذا : أن ما حَلّ بيعقوب - من فوت يوسف وغيبته عنه - محنة امتحنه ربه ، وبلية ابتلاه بها ؛ يبتلى بذلك ؛ حسرة عليه ؛ ألا ترى أن يوسف لو أراد أن يُعْلِم أباه يعقوب عن مكانه وحاله ؛ لقدر عليه ؛ لأنه كان يعلم بمكان أبيه ، وأن يعقوب لا يعلم بمكان يوسف ؛ فلم يعلمه إلا بعد الأمر بالإعلام . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } . قيل : من رحمة الله . { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } . أخبر أنه لا ييئس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ؛ لأن مَنْ آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته فلا ييئس من رحمته ، وأمّا الكافر ؛ فإنه لا يعلم رحمة الله ولا تقلبه في رحمته ؛ فييئس من رحمته . فنهاهم عن الإياس ؛ لما كان عندهم أنه هالك ؛ حيث قالوا : { إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] لما قال لهم : { إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } [ يوسف : 94 ] وأخوه كان محبوساً بالسرقة ؛ والمحبوس لا يرد في حكمهم . أو يقول : نهاهم ؛ وإن لم يكونوا آيسين ؛ ثم قوله : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } خبر عن الله ؛ أخبر أنه لا ييئس من [ رحمة الله ] إلا القوم الكافرون ، وكذلك ما بشر إبراهيم بالولد ؛ حيث قالوا : { بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ } [ الحجر : 55 ] نهاه عن القنوط ؛ ولا يحتمل أن يكون إبراهيم قانطاً عن ذلك ؛ لكنه نهاه ثم أخبر فقال : { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } [ الحجر : 56 ] والآية ترد على المعتزلة قولهم ؛ لقولهم : إن صاحب الكبيرة خالد مخلد في النار وأنه ليس بكافر ؛ وهو آيس - على قولهم - من رَوْح الله ، وقد أخبر أنه { لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } وهم يقولون : إن صاحب الكبيرة آيس من رَوْح الله ، وهو ليس بكافر .