Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 88-93)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } أي على يوسف { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ } سموه عزيزاً ، لما لعلهم يسمّون كل ملك عزيزاً ، أو سمعوه عزيزاً ؛ لما كان عند ذلك عزيزاً ؛ بقوله : { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } [ يوسف : 21 ] أو لما كان بالناس إليه حاجة بالطعام الذي في يده ؛ وهو كان غنيّاً عما في أيديهم والله أعلم . قولهم : { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } . قال أهل التأويل : أصابنا الشدة والبلاء من الجوع . { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } . قيل : دراهم نُفَاية مبهرجة لا تنفق في الطعام ؛ كاسدة ؛ لأنه كان في عزّة ؛ وتُنفَق في غيره . وقال أبو عوسجة : { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } أي قليلة . وكذلك قال القتبي : أي قليلة . وقال ابن عباس : هي الورق الرّديئة التي لا تنفق حتى يوضع منها . وقال أبو عبيد : الإزجاء في كلام العرب : الدفع والسَّوق ؛ وهو كقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً } [ النور : 43 ] أي يسوق ويدفع . وقال بعضهم : ناقصة . وقال بعضهم : جاءوا بسمن وصوف . وقيل : جاءوا بصنوبر وحبة الخضراء ، وأمثال هذا . قالوا : ويشبه أن يكون { مُّزْجَاةٍ } من التزجية : كما يقال : نزجي يوماً بيوم . وقوله - عز وجل - : { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } . قال بعضهم : أوف لنا الكيل بسعر الجياد ؛ وتأخذ النُّفَاية وتكيل لنا الطعام بسعر الجياد . لكن قوله : { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } أي سلم لنا الكيل تامّاً ؛ لأن الإيفاء هو التسليم على الوفاء ؛ كقوله : { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } [ الأنعام : 152 ] ، وتصدق علينا بفضل ما بين الثمنين في الوزن . وقيل : ما بين الكيلين . وقال بعضهم : وتصدق علينا : أي زد لنا شيئاً يكون ذلك صدقة لنا منك . لكن يشبه على ما قالوا : وطلبوا منه الصدقة ؛ حط الثمن ؛ لأن الصدقة لا تحل للأنبياء ، ويجوز الحط لهم ، ويجوز حطّ من لا يجوز صدقته ؛ نحو العبد المأذون له في التجارة ؛ يجوز حطه ولا يجوز صدقته ، وكذلك نبي الله كان يجوز [ له الشراء ] بدون ثمنه ؛ ولا تحل له الصدقة . ويحتمل أن يكون قوله : { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } بذهاب بصر أبيهم ؛ مسهم بذلك وأهلهم الضر . وقوله - عز وجل - : { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } . أي رُدَّ علينا بنيامين ؛ لعل الله يرد بصره عليه . { إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } . قال أهل التأويل : إن الله يجزي المتصدقين إن كانوا على دين الإسلام ؛ كأنهم ظنوا أنه ليس على دين الإسلام ؛ ولو أنهم ظنوا أنه مسلم ؛ لقالوا : إن الله يجزيك بالصدقة . وقوله - عز وجل - : { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } . هو ظاهر لا يحتاج إلى ذكره وأما ما فعلوه بأخيه : قال أهل التأويل : هو ما قالوا إنه سرق ؛ لكنهم لم يقولوا إلا قدر ما ظهر عندهم ؛ فلم يلحقهم بذلك القول فضل تعيير ؛ لكن يشبه أن يكونوا آذوه بأنواع الأذى ، ولا شك أنهم كانوا يبغضون يوسف وأخاه ؛ حيث قالوا : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا } [ يوسف : 8 ] . وقوله : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } . قد كانوا علموا هم ما فعلوا بيوسف لكنه [ كأنه ] قال : هل تذكرون ما فعلتم بيوسف ؛ أو أنتم جاهلون ذلك ؛ ناسون ؟ يقول لهم : اذكروا ما فعلتم بيوسف ، وتوبوا إلى الله عن ذلك ، ولا تكونوا جاهلين عن ذلك . أو يقول لهم : هل رجعتم وتبتم عن ذلك ؟ ، أو أنتم بعد فيه ؟ . وقوله - عز وجل - : { إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } . قال بعض أهل التأويل : { إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } أي : مذنبون ؛ ولكن إذ أنتم جاهلون قدر يوسف ومنزلته ، لأنهم لو علموا ما قدر يوسف عند الله ؛ وما منزلته ما قالوا : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا } [ يوسف : 8 ] وما خطئوا أباهم في حبّه إياه حيث قالوا : { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ يوسف : 8 ] ، وما فعلوا به ما فعلوا . والله أعلم . { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ } . كأنهم عرفوا أنه يوسف ؛ بقول يوسف لهم : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } [ أو عرفوا بقول أبيهم ؛ حيث قال : { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } ] لما ذكر أخاه ورأوه معه عرفوا أنه يوسف ؛ لذلك قالوا . والله أعلم . { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ } . يحتمل : من يتّق معاصيه ، ويصبر على بلاياه . أو اتقى مناهيه ؛ وصبر على أداء ما أمر به . أو من اتقى وصبر ؛ فقد أحسن . أو يقول : إنه من يتق الجَفاء ؛ ويصبر على البلاء ؛ فقد أحسن . { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . ويشبه أن يكون قوله : { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } . أي رُدَّ أخانا علينا ، وهو ما ذكرنا . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } . { تَٱللَّهِ } قسم قد اعتادوه في فحوى كلامهم ؛ على غير إرادة يمين بذلك ؛ هكذا عادة العرب ؛ وإلا كان يعلم يوسف أن الله قد آثره عليهم . ويشبه أن يكون يخرج القسم هاهنا على تأكيد معرفتهم فضله ومنزلته ؛ أي : لم تزل كنت مُؤْثَراً مفضّلا علينا . { وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } . أي : وقد كنا خاطئين ؛ فيما كان منا إليك من الصنيع . أو أن يكون قوله : { لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } ؛ فيما قالوا : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا } [ يوسف : 8 ] أي لما كان يؤثرهما عليهم ؛ فقالوا : كنت مؤثَراً على ما كان أبونا يؤثرك علينا وقد كنا { لَخَاطِئِينَ } ؛ فقال يوسف . { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } . قال القتبي : قوله : { لاَ تَثْرِيبَ } : أي لا تعيير عليكم بعد هذا اليوم ؛ بما صنعتم . وقال بعضهم : { لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ } أي : لا تنغيث عليكم . وقيل : أصل التثريب : الإفساد ؛ يقال : ثرب علينا الأمر : أي أفسده . وقال أبو عوسجة : التثريب : الملامة ؛ يقول : لا لوم عليكم في صنيعكم . وقال ابن عباس - رضي لله عنه - : لا تثريب عليكم : أي لا أعيّركم بعد هذا اليوم أبداً ؛ ولا أعيره عليكم . وهو يحتمل هذين الوجهين : أحدهما : لا تعيير عليكم ولا ملامة ؛ أي ليس عليكم في العقل تعيير ولا ملامة ؛ إذا تبتم وأقررتم بالخطأ ، وهكذا كل من أذنب ذنباً أو ارتكب كبيرة ؛ ثم انتزع عنها وتاب منها ؛ لا يعيَّر - هو - عليه ولا يلام . وكذلك قيل في قوله : { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } [ الحجرات : 11 ] ذكر أنهم كانوا يعيَّرون أهل الكفر في كفرهم ؛ وينابزونهم ؛ ثم أسلموا ؛ فنهوا أن ينابزوهم ؛ ويصنعوا بهم مثل صنيعهم بهم في حال كفرهم ، ولو وجب التعيير والملامة بعد الانتزع عنه والتوبة ؛ أو يجوز ذلك لكان أصحاب رسول الله معيَّرين ملامين ؛ لأنهم كانوا أهل الكفر في الابتداء ، فهذا مما لا يحل في العقل . والثاني : قوله : { لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ } : لا أعيَّركم ؛ على ما قال ابن عباس - رضي الله عنه - أي : لا أذكر ما كان منكم إلينا ؛ أمنهم عن أن يذكر شيئاً مما كان منهم إليه ؛ ولذلك قال : { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } [ يوسف : 100 ] . ذكر أن الشيطان هو الذي فعل ما كان بينه وبين إخوته ؛ وكذلك فعل ؛ حيث قال : { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } [ يوسف : 100 ] أضاف ذلك إلى الشيطان ، ولم يضف إلى إخوته . وقوله - عز جل - : { يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ } . قطع فيه القول بالمغفرة لهم ؛ حين أقروا بالخطايا وتابوا عما فعلوا ، وهكذا كل من تاب عن ذنب ارتكبه ونزع عنه ؛ أن يقطع القول فيه بالمغفرة والرحمة . وقوله : { يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ } يخرج على الدعاء لهم بالمغفرة ، أو على الإخبار بالوحي أنه يغفر لهم ، أو قد غفر لهم ، أو يقول : استغفروا الله ؛ الذي كان بين الله وبينكم يغفر لكم . { وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } لأن كل من يرحم من الخلائق ؛ إنما يرحم برحمة منه إليه ؛ فهو أرحم الراحمين ؛ بما قلنا ؛ على ما قلنا في قوله : { خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } [ يوسف : 80 ] و { أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } [ هود : 45 ] لأن من يحكم من الخلائق بحكم يجوز إنما يحكم بحكم ناله منه . وقوله - عز وجل - : { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً } . دل هذا من يوسف ؛ حيث قطع القول فيه أنه يصير بصيراً ؛ إنه عن وحي قال هذا لا عن رأي منه واجتهاد ؛ إذ قطع القول فيه أنه إذا ألقى على وجهه يصير بصيراً . وقوله : { يَأْتِ بَصِيراً } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : يصير بصيراً على ما ذكرنا . والثاني : يأتيني بصيراً . وقوله - عز وجل - : { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } . أراد - والله أعلم - حيث أمرهم أن يأتوا بأهلهم أجمع - أن يبرّهم ويكرمهم ؛ حين تابوا عما فعلوا به ؛ وأقروا له بالخطأ في أمره .