Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 94-98)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ } . قيل خرجت ؛ وفصلت ؛ وانفصلت - واحد . { قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } . قال أهل التأويل : كان بينهما ثمانون فرسخاً ؛ يعني : بين مصر وبين كنعان مكان يعقوب . وقيل : مسيرة ثمانية أيام ؛ ما بين الكوفة والبصرة . ولا حاجة لنا إلى معرفة ذلك أن كم كان بينهما ؛ سوى أنا نعلم أنه كان بينهما مسيرة أيام ؛ ثم وجد يعقوب ريح يوسف من ذلك المكان ؛ ولم يجد غيره ممن كان معه ؛ فذلك آية من آيات الله ؛ حيث وجد ريحه من مكان بعيد لم يجد ذلك غيره ، وذلك من آثار البشارة والسرور الذي يدخل فيه بقدومه . قال بعض أهل التأويل : ذلك القميص هو من كسوة الجنة ؛ كان الله كساه إبراهيم ، وكساه إبراهيم إسحاق ، وكساه إسحاق يعقوب ، وكساه يعقوب يوسف ؛ لذلك وجد ريحه ؛ لأنه كان من ثياب الجنة ، فهو - وإن ثبت ما قالوا - فذلك أيضاً حيث وجد هو ذلك ، ولم يجد غيره . وكان أيضاً هو لا يجد ذلك الريح قبل فصول العير ، وكان مع يوسف . احتمل ما قالوا ، أو احتمل أن يكون قميصاً من قمصه . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } . قيل : تحزنون ، وقيل : تهرمون ، وقيل : تكذبون ، وقيل : تضعفون ، وقيل : تعجزون ، وقيل : تجهلون ، وقيل : تسفهون ، وقيل : تحمقون ، وقيل : لولا أن تقولوا ذهب عقلك . والمفند : معروف عند الناس : هو الذي يبلغ من الكبر غايته ؛ كقوله : { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [ الحج : 5 ] . وقوله : { لَوْلاَ } إذا كان على الابتداء ؛ فهو على النهي ؛ أي لا تفندون ، وإذا كان على الخبر ؛ فهو على النفي ؛ كقوله : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا } [ يونس : 98 ] أي : لم ينفع . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ تَٱللَّهِ } هو ما ذكرنا أنه يمين اعتادوه في كلامهم ؛ على غير إرادة القسم به . { إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } . قيل : في حُبّ يوسف ، وذكره القديم كان عندهم ؛ بأنه هالك ؛ لذلك أنكروا عليه وخطئوه ؛ فيما يجد من ريحه ، وعنده أنه في الأحياء ؛ لذلك كان ما ذكروا . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً } . أي رجع بصيراً على ما كان : قال أهل التأويل : البشير كان يهوذا ، وقيل : البريد ، ولا ندري من كان ؛ وليس بنا إلى معرفة ذلك حاجة - سوى أن المدفوع إليه الثواب كان واحداً ؛ وإن قال في الابتداء : { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي } . وقوله - عز وجل - : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . قال بعض أهل التأويل : وذلك أن يعقوب قال لهم قبل ذلك : { إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ يوسف : 86 ] أنتم ؛ من تصديق رؤيا يوسف ؛ وأنه حي ، وكان يعلم هو من الله أشياء ما لا يعلمون هم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } قال يعقوب : سوف أستغفر لكم ربي . طلبوا من أبيهم الاستغفار ؛ فأخرهم ذلك إلى وقت ، وطلبوا من يوسف العفو وأقروا له بالخطأ والذنب ؛ فعفا عنهم وقت سؤالهم العفو ، فمن الناس من يقول : إنما أخر يعقوب الاستغفار ؛ وعفا عنهم يوسف ؛ لأن قلب الشاب يكون ألين وأرقّ من قلب الشيخ ؛ لذلك كان ما كان ، لكن هذا ليس بشيء ؛ إنما يكون هذا في عوامّ من الناس ؛ فأمّا الأنبياء كلما مضى وقت فتزداد قلوبهم ليناً ورقّة وخشوعاً . ومنهم من يقول : إنما كان كذلك ؛ لأن وَجْد يعقوب كان أكثر مِنْ وَجْد يوسف ؛ لذلك كان أجابهم يوسف وقت سؤالهم العفو ؛ وأخر يعقوب إلى وقت . قال الشيخ أبو منصور - رحمه الله - : والوجه فيه عندنا - والله أعلم - : أنهم إنما سألوا يعقوب ؛ وطلبوا منه الاستغفار من ربهم ؛ ليكون لهم شفيعاً ؛ فأخر ذلك إلى وقت الاستغفار والشفاعة ؛ إذ ليس كل الأوقات يكون وقتاً للاستغفار ، وطلبوا من يوسف العفو منه ؛ فعفا عنهم وقت طلبهم منه العفو ؛ لهذا الوجه ، يحتمل أن يخرج معناه . والله أعلم . أو أن يكون يعقوب أخّر الاستغفار ؛ لأن الذنب في ذلك كان بينهم وبين ربهم ؛ فأخر إلى أن يجيء الإذن من ربه ، وأما الذنب في يوسف ؛ ففيما بينهم وبين يوسف ؛ فعفا عنهم في ساعته . ويحتمل قوله : { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } . إن استغفرتم [ أنتم ] ، أو قال : سوف أستغفر لكم ربي ؛ إذا جاء وقته ؛ وهو ما قال ابن عباس - رضي الله عنه - : إنه [ أخر وقت الاستغفار ] إلى وقت السحر ، أو أن يكون أخره إلى أن يقدم شيئاً بين [ يدي ] الاستغفار والشفاعة ؛ ليكون أسرع إلى الإجابة .