Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 31-32)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } إلى آخر ما ذكر . قال بعض أهل التأويل : تأويله : لو أن قرآنا [ ما ] غير قرآنك ؛ سيرت به الجبال ؛ من أماكنها ؛ أو قطعت به الأرض ، أو كلم به الموتى ، لفعلناه بقرآنك أيضاً ، ذلك ولكن لم نفعل بكتاب من الكتب التي أنزلتها على الرسل الذين من قبلك ، ولكن شيء أعطيته أنبيائي ورسلي . { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } . يقول : بل جميع ذلك الأمر كان من الله ؛ وليس من قبل القرآن ؛ أي : لو فعل بالقرآن ذلك كان جميع ذلك من الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } إن شاء فعل ما سألتم ، وإن شاء لم يفعل ويشبه أن يكون غير هذا أقرب ؛ أن يكون صلة ما تقدم من سؤالهم الآيات ؛ وهو قوله : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [ الرعد : 7 ] فيقول : لو أن قرآنك الذي تقرؤه عليهم : لو سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض ، أو كلم به الموتى لما آمنوا بك ؛ ولما صدقوك على رسالتك على ما لا يؤمنون بالرحمن ، وكل الخلائق له آية لوحدانيته وألوهيته ، يخبر عن شدة تعنتهم وتمردهم في تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه سلم ؛ [ ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ] أن سؤالهم الآية سؤال تعنت وتمرد ؛ ليس سؤال استرشاد واستهداء . وقال بعضهم : قوله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } . أي : لو أن قرآنا ما عمل [ ما ] ذكر لكان هذا القرآن ؛ تعظيماً لهذا القرآن . والتأويل الذي ذكرنا قبل هذا كأنه أقرب . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } . قال بعضهم : هو صلة ما تقدم ؛ من قوله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ … } الآية ، يقول - والله أعلم - : أفلم ييئس الذين آمنوا عن إيمان من كان على ما وصف الله ، وتمام هذا كأن المؤمنين سألوا لهم الآيات ، ليؤمنوا ؛ لما سألوا هم آيات من رسول الله ؛ فيقول : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } عن إيمان هؤلاء ؛ وهو كما قال : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } [ الأنعام : 109 ] كأن المؤمنين سألوا لهم الآيات ليؤمنوا ؛ فقال : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ } [ الأنعام : 109 ] يأيها المؤمنون { أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 109 ] أي : يؤمنون على طرح ( لا ) على هذا التأويل . وقال بعضهم : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } : أفلم يتبين للذين آمنوا أنهم لا يؤمنون ؛ لكثرة ما رأوا منهم من العناد والمكابرة . فسروا الإياس بالعلم والأيس ؛ لأن الإياس إذا غلب يعمل عمل العلم ؛ كالخوف والظن ونحوه جعلوه يقيناً ، وعلماً للغلبة ؛ لأنه إذا غلب يعمل عمل اليقين والعلم . وقال بعضهم : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ } : أي : أفلم يعلم الذين آمنوا أن الله يفعل [ ذلك ] ، لو شاء لهدى الناس جميعاً . وقوله : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } قالت عائشة - رضي الله عنها - : قوله : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ } خطأ من الكاتب ، إنما هو ( أفلم يتبين للذين آمنوا أن لو يشاء الله ) فمعناه : أي : قد تبين للذين آمنوا . وقال بعضهم : [ قوله ] : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ } أي : أفلم يعلم الذين آمنوا ، أي : قد علم الذين آمنوا ، لو شاء الله إيمان الناس واهتداءهم لآمنوا واهتدوا . وقال صاحب هذا التأويل : إن [ هذا ] جائز في اللغة : ييئس : يعلم ، وذكر أنها لغة " نخع " وغيرها . والله أعلم . وقال بعضهم قوله : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } مقطوع من قوله { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ … } الآية ، وهو موصول بما تقدم من قوله : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [ الرعد : 7 ] ثم قال جواباً لما قالوا ؛ كأنه قال : لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، أي : علم منه أنه يختار [ الضلال ] ويؤثره ؛ يشاء ذلك له ، ومن علم منه أنه يختار الهدى يشاء ذلك له ، ويكون قوله : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } مقطوع لا جواب له ، كأنه قال : أفلم ييئس الذين آمنوا عن إيمانهم لكثرة ما رأوا منهم من العناد والتعنت بعد رؤيتهم الآيات والحجج ، كأن أهل الإيمان والإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات التي سألوا هم ؛ رغبة في إسلامهم ؛ وإشفاقاً عليهم ؛ فيقول - والله أعلم - : ألم يأن للذين آمنوا الإياس من إيمانهم ؛ أي : قد أنى للذين آمنوا أن ييئسوا من [ إيمانهم ؛ كقوله : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ … } الآية [ الأنعام : 111 ] فعلى ذلك هذا يقول : قد أنى للذين آمنوا أن ييئسوا من إيمانهم ] ، ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً ؛ وقوله : { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } صلته قوله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } كقوله : { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 111 ] . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . قال بعضهم : الذين حاربوا رسول الله . { تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } . القارعة : هي ما يقرع القلوب ويكسرها ، ثم قرعهم يكون بعذاب ، وقتل ، وغيره ؛ من الهزيمة ونحوه وبسبي ذراريهم ويغنم المسلمين أموالهم . { أَوْ تَحُلُّ } أنت { قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } . قال بعضهم : أو تكون القارعة بجيرانهم الذين قرب منكم دارهم . وقال بعضهم : لا تزال سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحل ببعضهم ؛ أو ينزل هو قريباً منهم ؛ حتى يأتي وعد الله ، وعد الله يكون بوجهين : أحدهما : أن يظفره بهم جميعاً ، وأن يورث المؤمنين أرضهم وديارهم وأموالهم . والثاني : يكون وعد الله فتح مكة ؛ كقوله : { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا … } [ الفتح : 21 ] الآية . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } ما وعد رسوله ؛ من الفتح والنصر وغيره . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } . يحتمل ما ذكر ؛ من إصابة القارعة ؛ الجوع والشدائد التي أصابتهم ، ويحتمل القتال والحرب ؛ التي كانت بينهم وبينهم . وقوله : { أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } نزول السرايا بقرب من دارهم . { حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ } يحتمل فتح مكة ، أي : تحل قريباً من دارهم حتى يأتي ما وعد الله ؛ من فتح مكة عليك ، أو أن يكون وعد الله هو البعث والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } . يقول : ولقد استهزأ برسل من قبلك قومهم ؛ كما استهزأ بك قومك ، يُعَزّي نبيهُ صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم . وقال أبو بكر الأصم : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } من تقدم من الرسل سألهم قومهم الآيات والعذاب بالهزء ، ثم بين بهذا أن ما سألوه من الآية أرادوا الهزء ، وهو صلة ما تقدم من قوله : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ } [ الرعد : 7 ] . وقوله - عز وجل - : { فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } يقول : أمهلتهم [ في كفرهم وهزئهم . هذا يدل أن تأخر العذاب عنهم لا يؤمنهم . وقوله : { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } يقول : أحللت ] بهم جزاء ما كانوا يهزءون منه . وقال بعضهم : فكيف كان عقاب الله ؛ أي : شديد عقابه ؛ وهو كقوله : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا … } الآية [ الحج : 48 ] وقيل : كيف رأيت عذابي لهم أي : أليس وجدوه شديداً . والثالث : { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } : أي : أليس ما أوعدهم الرسل من العذاب كان حقاً وصدقاً .