Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 33-35)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } . قال أبو بكر الأصم : يقول : من الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت الله أم شركاؤكم فالقائم هو المدبر الحافظ بكل ما فيه الخلق ويشبه أن يكون تأويله : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ } أي : حافظ وعالم على كل نفس بما كسبت ؛ أو بالرزق لهم والدفع عنهم ، كمن هو أعمى عن ذلك ، ليسا بسواء كقوله : { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ … } الآية [ الرعد : 19 ] . أو يقول : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ؛ كمن هو غير قائم عليه ؟ ليسا بسواء . وقال مقاتل : أفمن هو قائم على رزقهم وطعامهم . ثم قال : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ } . أي : وصفوا لله شركاء وعبدوها ؛ والله أحق أن يعبد من غيره . يقول الله : أنا القائم على كل نفس ؛ أرزقهم وأطعمهم ؛ أفأكون أنا وشركائي الذين لا يفعلون ذلك سواء ؟ والوجه فيه ما وصفنا : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ؛ أي : يرزق ويبصر و [ يعلم ما تعمل وتكسب ويحفظ ] عن أنواع البلايا ؛ كمن هو أعمى جاهل عاجز عن ذلك كله ؟ أي : ليس هذا كذلك . ويسفههم في إشراكهم الأصنام التي عبدوها في الألوهية والعبادة ، وهي بالوصف الذي ذكر ؛ كمن هو أعمى عاجز عن ذلك ؟ أي : ليسا بسواء . وقوله : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } يحتمل قائم على كل نفس بما كسبت ؛ فيما قدر لها وقواها أو في الجزاء يجزي على ما تكسب . { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ } في العبادة ؛ أو في تسميتهم آلهة ، لا يعلمون ما كسب لها ، ولا يملكون جزاء ما كسبوا لها أيضاً . يبين سفههم في جعلهم هذه الأصنام والأوثان شركاء لله في العبادة ؛ وتسميتهم آلهة ؛ مع علمهم أنهم لا يقدرون ولا يملكون شيئاً من ذلك . وقوله - عز وجل - : { قُلْ سَمُّوهُمْ } . قال بعض أهل التأويل : قوله : { قُلْ سَمُّوهُمْ } بذلك الاسم ؛ ولو سموهم ، [ سموهم ] بكذب وباطل وزور . وعندنا قوله : { قُلْ سَمُّوهُمْ } أي : لو سميتموها آلهة واتخذتموها معبوداً ؛ فسموهم أيضاً بأسماء سميتم الله ؛ من نحو : الخالق والرازق والرحمن والرحيم ؛ ونحوه . يقول - والله أعلم - إذ سميتم هذه الأصنام آلهة ومعبوداً ، سموهم أيضاً : خالقاً ورازقاً ورحماناً ورحيماً ، وهم يعلمون أنها ليست كذلك . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ } . أي : أم تنبئون الله ؛ وهو عالم بما في السماوات وما في الأرض ؛ وعالم بكل شيء ، وهو لا يعلم في الأرض ما تقولون من الآلهة وما تصفونه بالشركاء ؟ ! وكذلك يخرج قوله : { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 18 ] أم تنبئونه بما ليس في الأرض شيء مما تقولون وتصفون شيء ؛ أي : يقول : أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات والأرض ، وهم عالم بكل شيء ؟ أي : تقرون بأنه عالم بكل شيء ؛ وهو لا يعلم ما تقولون وتسمونه من الشركاء وغيره . والثاني : أم تنبئونه بما لا يعلم ؛ أي : ليس في الأرض . وقوله - عز وجل - : { أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } . قال أهل التأويل : { بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } أي : بل بباطل من القول وزور . ويشبه أن يكون بظاهر من القول ؛ أي : بضعيف من القول وخفيف ، يسمون الشيء الذي لا حقيقة له ولا ثبات ظاهراً بادياً ؛ كقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } [ هود : 27 ] أي : ضعيف الرأي : وخفيفه ؛ لا حقيقة له ولا قرار . ويحتمل قوله : { أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } في الخلق والأسلاف ؛ أي : لم يظهر ما يقولون ؛ ويصفون ؛ إشراك هذه الأصنام ؛ وتسميتها آلهة ومعبوداً ؛ فيكون ( أم ) في موضع حقيقة ويقين ؛ على هذا التأويل والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ } . قال بعض أهل التأويل : { مَكْرُهُمْ } : قولهم الذي قالوه من الكذب والزور ؛ أنها آلهة وأنها شركاء الله . لكن يشبه أن يكون قوله : { مَكْرُهُمْ } أي : مكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث احتالوا حيلا ؛ ليقتلوه لئلا يظهر هذا الدين في الأرض ، ويطفئون هذا النور ؛ ليدوم عزهم وشرفهم في هذه الدنيا ؛ وهو كقوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنفال : 30 ] والمكر : هو الاحتيال ؛ والأخذ من حيث الأمن . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } . صدوا ؛ لما علموا من مكرهم واختيارهم ما اختاروا والسبيل ، المطلق هو سبيل الله ؛ وإلا كان جميع الأديان والمذاهب يسمى سبيلا ؛ كقوله : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } [ الأنعام : 153 ] لكن ما ذكرنا أن السبيل المطلق [ هو ] سبيل الله ، والكتاب المطلق كتاب الله ، والدين المطلق دين الله . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } . من أضله الله فلا يملك أحدٌ هدايته ، ومن هداه فلا يملك أحد إضلاله . وقوله - عز وجل - : { لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } . العذاب لهم في الحياة الدنيا يحتمل : القتل والقتال ؛ والخوف والجواع ؛ وأنواع البلايا ؛ كقوله : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ … } الآية [ النحل : 112 ] . وقوله - عز وجل - : { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَقُّ } أي : أشد . { وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } أي : مالهم من عذاب الله من واقٍ يقيهم من عذابه . وقوله - عز وجل - : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } . يحتمل : وصف الجنة التي وعد المتقون ؛ أو صفة الجنة التي وعد المتقون . ويحتمل : [ أي : شبه ] الجنة التي وعد المتقون . كشبه النار التي وعد الكافرون ؛ أي : ليسا بشبيهين ولا مثلين ، لا تكون هذه مثل هذه ولا تشبهها ؛ كقوله : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ … } الآية [ محمد : 15 ] ، يقول - والله أعلم - يقول : الذي وصفه كذا من النعم الدائمة - كالذي يكون عذابه ووصفه كذا ؛ أي : لا يكون ؛ فعلى ذلك الأوّل . وقوله - عز وجل - : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ } . أي : ثمار الجنة دائمة لا تزول ولا تنقطع ؛ ليس كثمار الدنيا ، ونعيمها ليس من ثمرة من ثمار الدنيا إلا وهي تزول وتنقطع في وقت ؛ فأخبر أن ثمار الآخرة - وما فيها من النعيم - غير زائلة ولا منقطعة ، وكذلك عذابها [ دائم ] لا يزول . { وِظِلُّهَا } أيضاً . أخبر أن ظل الجنة لا يزول ولا ينقطع ، لا يكون فيها شمس يزول ظلها بزوالها . وصف جميع ما فيها بالدوام والمنفعة : الظل شيء لا أذى فيه ؛ وفيه منافع ، والشمس فيها أذى ومنافع ، وكذلك جميع ما يكون من الأشياء في الدنيا ؛ يكون فيها منافع ومضار ؛ وأنها تزول وتنقطع ؛ فأخبر أن ظل الآخرة وما فيها من النعم دائمة باقية ؛ غير زائلة ولا منقطعة ، ولا مضرة فيها ؛ ليس كنعيم الدنيا وظلها . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ } . [ أي : جزاء الكافرين النار ] ، ظاهر هذا أن يكون : الذين اتقوا تقى الشرك ؛ لأنه ذكر عقبى الكافرين النار ؛ أي : جزاء وعقبى ما ذكرنا ؛ أي : تلك الجنة جزاء الذين اتقوا الشرك ، وعقبى الكافرين النار ؛ أي : جزاء [ الكافرين ] النار . أو عقبى هذه للذين اتقوا الجنة ، وعقبى أولئك النار . وقال بعضهم : { تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي : عاقبة أعمالهم وحسناتهم الجنة ؛ وعاقبة أعمال الذين كفروا بتوحيد الله النار .