Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 21-23)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } . قال مقاتل : خرجوا إلى الله من قبورهم جميعاً ، وقال : { جَمِيعاً } لأنه لا يغادر أحد إلا بعث . ويحتمل وجوهاً أخر سوى ذلك : وهو أن قوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ } : أي : لأمر الله ؛ أو لوعده الذي وعد أنهم يبعثون . أو يريد الحكم ، الله يحكم في بعثهم . { وَبَرَزُواْ } : أي : ظهروا به ووجدوا ؛ فيكونون [ به ] موجودين ظاهرين بعد أن كانوا فائتين ذاهبين غائبين ؛ أي : عندهم في الدنيا أنهم [ كانوا ] فائتين غائبين عن الله ؛ فيومئذ يعلمون أنه كان لا يخفى عليه شيء من أفعالهم وأحوالهم ؛ وهو ما ذكرنا في قوله : { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } [ المائدة : 94 ] وقوله { حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ } [ محمد : 31 ] وأمثاله ، أي : يعلمهم مجاهدين صابرين كما علمهم غير مجاهدين وغير صابرين ؛ وكقوله : { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } [ الحشر : 22 ] يعلمهم شهوداً كما علمهم غيباً . فعلى ذلك قوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي : يكونون له موجودين ظاهرين والله أعلم . وإضافة البروز إليه في الآخرة وإن كان بروزهم له في الدارين جميعاً ، [ وكذلك المصير ] إليه والمرجع إليه والمآب ونحوه ؛ فهو - والله أعلم - لما لا ينازع أحد في البروز في ذلك اليوم ؛ وقد ينازعونه في الدنيا . أو خُصّ ذلك البروز بالإضافة [ إليه ] ؛ لما هو المقصود من إنشائه إياهم وخلقهم ؛ ليس المقصود في خلقهم وإنشائهم الأول ؛ ولكن الآخر ؛ فخص ذلك بالإضافة إليه . والله أعلم . وقوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي : يومئذ يعلمون أنه كان لا يخفى عليه شيء ؛ وكأنهم لم يكونوا يعلمون ؛ قبل ذلك . وقوله - عز وجل - : { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } . قال قائلون : قوله : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } : أي : دافعون عنا من عذاب الله ؛ إذ كنّا لكم أتباعاً وأنتم متبوعين ؛ فادفعوا عنا ذلك . لكن هذا بعيد ؛ أن يطلبوا منهم دفع العذاب عنهم وقد رأوهم في العذاب ؛ فلو قدروا على دفع [ ذلك ] عنهم ؛ لدفعوا أولا عن أنفسهم ؛ إلا أن يكون فيهم حيرة وعمى ؛ كما كان في الدنيا ، فللحيرة ما قالوا ؛ كقوله : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ … } [ الإسراء : 72 ] . والأشبه أنهم يطلبون عنهم رفع بعض العذاب عنهم ، وتحمل بعض لأن مؤنة الأتباع في العرف يتحملها المتبوع ؛ فيطلبون منهم رفع شيء وتحمل بعض ما حل بهم ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى : { فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } [ غافر : 47 ] طلبوا منهم تحمل بعض ما حلَّ بهم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } . قال بعض أهل العلم : إن الكفرة جميعاً - أتباعهم ومتبوعهم - أعلم بهداية الله من المعتزلة ؛ لأنهم قالوا : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } علموا أن الله - عز وجل - لو هداهم لاهتدوا ؛ ويملك هدايتهم ، والمعتزلة يقولون : قد هدى الله جميع الكفرة وجميع الخلائق ؛ فلم يهتدوا ، وأنه لو أراد أن يهدي أحدا لم يملك ، والكفرة - حيث قالوا : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } رأوا وعلموا أن الله لو هداهم لاهتدوا ؛ لأنهم لو لم يهتدوا بهدايته إذا هداهم لم يعتذروا إلى أتباعهم { لَهَدَيْنَاكُمْ } ، [ وكذلك ] قال إبليس : { رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي } [ الحجر : 39 ] أضاف الإغواء إليه ؛ وهم يقولون : لا يُغوي الله أحداً ، فإبليس [ أعلم بهذا ] من المعتزلة . وقولهم : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ } أي : لو رزقنا الله الهدى وأكرمنا به لهديناكم ؛ ولكن لم يرزقنا ذلك ولم يكرمنا . وقال أبو بكر الأصم : تأويل قولهم : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } : لو كان الذي كنا عليه هدى لهديناكم ؛ فهذا صرف ظاهر الآية عن وجهها بلا دليل ؛ فلو جاز له هذا جاز لغيره صرف جميع الآيات عن ظاهرها بلا دليل مع [ أن ] الأتباع ؛ قد علموا أن الذي كانوا عليه لم يكن هدى ؛ فلا معنى لهذا . وقوله - عز وجل - : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } . قال أهل التأويل : إنهم قالوا فيما بينهم : تعالوا حتى نجزع لعل الله يرحمنا ؛ فجزعوا حيناً ؛ فلم يرحموا ، ثم قالوا : تعالوا نصبر لعل الله يرحمنا ؛ فلم يرحموا ؛ فعند ذلك قالوا : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } لكن لا يحتمل أن يقولوا ذلك بعد الامتحان والاختبار ، لكن كأنهم قالوا ذلك بالذي سمعوا ؛ وهو قوله : { فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 16 ] ولما سمعوا ذلك عند ذلك قالوا : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } أي : مَنْجىً ومَخْلَص ، لا يحتمل أن يقولوا : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } في أول أحوالهم وأمورهم ، ولكن يحتمل ما ذكر أهل التأويل أنهم يقولون ذلك عند الإياس . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } . قال بعضهم : { قُضِيَ ٱلأَمْرُ } : أي : أُدخل أهل الجنةِ الجنةَ ؛ وأهل النارِ النار ؛ يقوم إبليس خطيباً في النار ؛ فخطب كما ذكر . وقال قائلون : { قُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي : مُيّز وبُيّن أهل الجنة من أهل النار ؛ قبل أن يدخل أهل النار النار ؛ وأهل الجنة الجنة - قام خطيباً فخطب لأتباعه كما ذكر . ويحتمل قوله : { لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي : لما فرغ من الحساب ومن أمرهم ؛ عند ذلك يخطب ؛ ما ذكر ؛ وهو كقوله : { فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [ الأحقاف : 29 ] أي : لما فرغ من السماع ؛ فعلى ذلك هذا . وقال بعضهم : { لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي : لما نزل بهم العذاب . ويشبه أن يكون قوله : { لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } هو أن الله كان وعد أن يقوم إبليس خطيباً لهم ؛ فقضى الأمر ؛ أي : أنجز ما وعد ؛ أنه يخطب أو أن يكون لأهل الكفر لجاجات ومنازعات فيما بينهم يوم القيامة ؛ كقوله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ؛ وكقوله : { فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ … } الآية [ المجادلة : 18 ] يكذبون في الآخرة ، ويكون لهم لجاجة على ما كان منهم في الدنيا ، أو يحتجون فيقولون : إن إبليس هو كان غلبنا وقهرنا ؛ لأنه كان يرانا ونحن لم نكن نراه ؛ فالمغلوب المقهور غير مأخوذ بما كان منه في حكمك ، يحتجون بمثل هذه الخرافات واللجاجات ، ويقولون : هو الذي أضلنا ، فيقوم عند ذلك إبليس خطيباً بينهم وقال : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } حتى أقهركم وأغلبكم إلا الدعاء ؛ فاستجبتم لي طائعين ؛ غير مقهورين ولا مضطرين والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } . يشبه أن يكون وعده ما وعد على ألسن الرسل : أن البعث ، والجنة ، والنار ، والحساب ، والعذاب - كائن لا محالة . أو جميع ما أوعد من مواعيده - فذلك كله حقّ أي : كائن لا محالة . { وَوَعَدتُّكُمْ } . يحتمل ما ذكر ؛ حيث قال : { لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } [ الأنفال : 48 ] وأمثاله من عِدَاته ؛ كانت كلها أماني وغروراً وكذباً . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } يحتمل السلطان وجهين : أحدهما : أي ما كان لي عليكم من ملك وقهر وغلبة أقهركم وأغلب عليكم إلا الدعاء ؛ فاستجبتم لي طوعاً . ويحتمل قوله : { مِّن سُلْطَانٍ } : من حجة وبرهان ؛ أي : لم يكن لي حجة وبرهان على ما دعوتكم إليه ؛ إنما كان لي دعاء ووساوس ، وكان مع الرسل حجج وبراهين ، فتركتم إجابتهم ؛ واستجبتم لي بلا حجة وبرهان ؛ أي : لم أقهركم ، ولم أغلب عليكم ؛ لكن هذا لا يصح ؛ لأنه لو كان له عليهم سلطان القهر والغلبة لكانوا معذورين غير معذبين ؛ لأن المقهور والمغلوب مضطر ؛ فالمضطر معذور ؛ ولكن السلطان هو الحجة . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } . ليس مراده - لعنه الله - أنه لا يلام ؛ ولكن مراده : أن ارجعوا إلى لائمة أنفسكم واشتغلوا بها ؛ فإن ذلك كان منكم لم يكن مني إلا الدعاء . وقوله - عز وجل - : { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } . قيل : ما أنا بناصركم وما أنتم بناصري ، وقيل : ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثين لي ، وقيل : ما أنا بمانعكم وما أنتم بمانعي ، ما نزل بي هذا كله واحد . وقوله : { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } أي : ما أنا بمالك إغاثتكم وإنقاذكم ، وما أنتم بمالكي إغاثتي ، وإلا لو كان لهم ملك ذلك لفعلوا . وقوله - عز وجل - : { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } . أي : كفرت بما أشركتموني في عبادة الله وطاعته ؛ أي : كنت بذلك كافراً . ويحتمل : [ { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } أي : كفرت بما أشركتموني في عبادة الله وطاعته ، أي : كنت بذلك كافراً ، ويحتمل { إِنِّي كَفَرْتُ } ] أي : تبرّأت اليوم ؛ مما أشركتموني مع الله في الطاعة والعبادة من قبل . أحد التأويلين يرجع إلى أنه يتبرأ في ذلك اليوم ؛ وقتما قام خطيباً . والثاني : إني كنت تبرأت من ذلك في الدنيا ، وقتما أشركوه { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . وقوله - عز وجل - : { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : أذن لهم بالدخول في الجنة . قوله : { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } ، وقوله : { خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } . الإذن هاهنا كأنه الرحمة ؛ أي : خالدين فيها برحمة ربهم . { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } . [ يحتمل السلام الثناء ] أي : يثنون على ربهم ؛ كقوله : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ … } الآية [ فاطر : 34 ] . وقوله - عز وجل - : { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } قال بعضهم : يسلم بعضهم على بعض ، ويحيي بعضهم بعضاً بالسلام . وقال بعضهم : السلام هو اسم كل خير ويمن وبركة ؛ كما قال : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً … } الآية [ مريم : 62 ] والله أعلم .