Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 24-27)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ } . قد ذكرنا أن كلمة { أَلَمْ تَرَ } حرف تنبيه عن عجيب كان بلغهُ ؛ فغفل عنه ، أو تنبيه عن عجيب لم يبلغه . وقال أبو بكر الأصم : هي كلمة يفتتح بها العرب عند الحاجة ؛ يقول الرجل لآخر : ألم تر إلى ما فعل فلان ؛ ونحوه . هذا يحتمل في غيره من المواضع وأما في هذا فإنه غير محتمل . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } قيل : بين الله مثلا وأظهر . { كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } . قال أبو بكر الكيساني : { كَلِمَةً طَيِّبَةً } : هو هذا القرآن ، { كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } : هي الكتب التي أحدثها الناس ، شبه القرآن بالشجرة الطيبة ؛ وهي النخلة ؛ على ما ذكر ؛ إن ثبت ، أو كل شجرة مثمرة . وشبه الكتب التي أحدثها الناس بالشجرة الخبيثة ؛ وهي التي لا تثمر . وقال : إنما شبه القرآن بالشجرة الطيبة ؛ لأن الشجرة الطيبة هي باقية إلى آخر الدهر ؛ ينتفع بها الناس بجميع أنواع المنافع ، لا يقطعونها ؛ فهي تدوم وتبقى دهراً ، فعلى ذلك القرآن ينتفع به الناس وهو دائم أبداً . وقوله - عز وجل - : { أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } . أصلها ثابت لها قرار ، فعلى ذلك : القرآن هو ثابت بالحجج والبراهين ؛ والكتب التي أحدثها أولئك هي باطلة فاسدة ؛ لا حجة معها ولا برهان ؛ كالشجرة الخبيثة التي هي غير مثمرة ؛ لا بقاء لها ولا قرار ولا ثبات . وقال بعضهم : الكلمة الطيبة : هي الإيمان والتوحيد ؛ شبهها بالشجرة الطيبة ؛ وهي التي تثمر وتنمو وتزكو هي على ما وصفها - عز وجل - في قوله : { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } ، فعلى [ ذلك ] الإيمان والتوحيد لا يزال يثمر لأهله الخيرات والأعمال الصالحات ؛ كالشجرة التي وصفها أنها تؤتي أهلها أكلها في كل حين وكل وقت ، أصلها ثابت بالحجج والبراهين ، وفرعها في السماء ، في كل وقت يرتفع ويصعد به العمل إلى السماء . و [ الكلمة ] الخبيثة : هي الكفر ؛ لأنه لا منفعة لأهلها فيها ، إذ لا عاقبة له ولا حجة معها ولا برهان ، إنما شيء أخذوه عن شهوة وأمانيَّ ، فكان كالشجرة الخبيثة التي لا ثمرة لها ، ولا منفعة لأحد فيها ، فهي لا تبقى ولا تدوم . فذلك قوله : { ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } . ويشبه أن يكون ضرب المثل لغير هذا المعنى ؛ وهو أنه ذكر جواهر طيبة وجواهر خبيثة : مما يقع عليها الحواس ويقع عليها البصر ؛ ليكون كل جوهر من هذه الجواهر التي يقع عليها الحواس ؛ ويقع عليها البصر - من خبيث أو طيب - دليلا وشاهداً على ما غاب عن الخلق ؛ ولا يقع عليها الحواس . وهكذا جعل الله تعالى هذه المحسوسات والأشياء الظاهرة - دليلا وشاهداً لما غاب عنهم ؛ ولا يقع عليه الحسّ ، تدرك بالعقول التي تركب فيهم ؛ ليرغب الطيب ؛ مما يقع عليه الحسّ والبصر ؛ على الموعود الغائب ، ويحذر الخبيث المحسوس عما غاب وأوعد ، وكذلك هذه الآلام والأمراض والشدائد التي جعل في هذه الدنيا ؛ لتزجرهم عن الأفعال التي بها يستوجبون مثلها في الآخرة ، وكذلك النعم التي في الدنيا واللذات ، جعلها لتدلهم على النعم الدائمة . على هذا يجوز أن يخرج لا أنه أراد بالشجرة الطيبة الشجرة نفسها أو بالشجرة [ الخبيثة الشجرة ] نفسها ولكن ما وصفنا . والله أعلم بذلك . وقال قائلون : ضرب الله مثل الشجرة الطيبة مثلا للمؤمن ؛ هو في الأرض وعمله يصعد إلى السماء كل يوم ؛ فكما تؤتي الشجرة أكلها كل حين كذلك المؤمن يعمل لله في ساعات الليل والنهار . وقوله - عز وجل - : { كُلَّ حِينٍ } . قال قائلون : كلّ عام ؛ لأنها تثمر في كل عام مرة . وقال قائلون : ستة أشهر من وقت طلوعها إلى وقت إدراكها . وقال قائلون : كل عشية وغدوة ؛ كقوله : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم : 17 ] . وقال قائلون : شهرين ؛ وأمثاله . ويشبه أن يكون ما ذكرنا : أنه ليس في وقت دون وقت ، ولكن الأوقات كلها في كل وقت وكل ساعة . فإن قال لنا ملحد : إن الكلمة التي ضرب الله مثلها بالشجرة الطيبة - [ هي ] كلمتنا ، ونحن المراد بذلك . والكلمة الخبيثة التي ضرب الله مثلها بالشجرة الخبيثة - هي كلمتكم ؛ وأنتم المراد بها لا نحن . قيل : قد سبق لهذا المثل أمثال ودلائل على أن الكلمة الطيبة هي التي لها عاقبة وآخرة ، وكل أمر له عاقبة والنظر في آخره - فهو الحق ، والذي أنتم عليه لا عاقبة له ولا آخرة ، وفي الحكمة : إن كل أمر لا عاقبة له - فهو باطل ؛ والكفر لا عاقبة [ له ] . والثاني : أن الإيمان والتوحيد له الحجج والدلائل ، والكفر مما لا حجة له ولا دلائل ؛ إنما هو مأخوذ بالأماني والشهوة : من تسويل الشيطان وتزيينه ؛ لذلك كان ما ذكرنا . وتحتمل الكلمة الطيبة - أيضاً - : أن تكون الوحي الذي أوحى الله إلى رسوله ، والكلمة الخبيثة : ما أوحى الشيطان إليهم ؛ كقوله : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ … } الآية [ الأنعام : 121 ] فوحي الله : هو ثابت دائم ينتفع به أهله في الدنيا والعاقبة ، ووحي الشيطان : هو باطل مضمحلّ لا عاقبة له ؛ ولا ينتفع به أهله . والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ } . قال بعضهم : استؤصلت ، وقيل : انتزعت . وقال أبو عوسجة : اقتلعت من أصلها ؛ يقال : جثثت الشجرة أجثها جثّاً : إذا قلعتها من أصلها . وقوله - عز وجل - : { مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } . هو ما ذكرنا . وقال بعض أهل التأويل : شبه كلمة الشرك بحنظلةٍ قطعت ؛ فلا أصل لها في الأرض ولا فرع في السماء ؛ أي : لا يصعد له عمل ، وشبه كلمة الإيمان ؛ في نفعها وفضلها وثباتها وقرارها في الأرض ؛ بما ذكر من الشجرة . والله أعلم . ثم من الناس من احتج بهذا المثل في خلق الإيمان والكفر ؛ فقال : لأنه ضرب مثله بما هو خلق ؛ وهو الشجرة ؛ فعلى ذلك الإيمان . ولكن عندنا لا بهذا يجب أن يستدل على خلقه ، ولكن لما ثبت أن منشئهما واحد لأنه لو كان منشئهما مختلفاً لكان لا يضرب مثل هذا بهذا ولا هذا بهذا ؛ فإذا ضرب دل أن منشئهما واحد ؛ فإذا ثبت ذلك دل على ما وصفنا . ومن الناس من استدل بهذا أنه يزداد وينقص ؛ حيث شبهه بالشجرة ؛ وهي تزداد وتنقص ، ونحن نقول : ليس فيه دلالة ما ذكروا ؛ لأن الشجرة في نفسها ليست بذي حدّ ، والإيمان ذو حدّ ؛ فما يزداد [ إنما ] هو في حق التزيين والتحسين . وأمّا الإيمان نفسه : فإنه لا يزداد ؛ كالشجرة إذا تورقت وخرجت ثمارها توصف بالزينة والحسن ، فأمّا نفس الشجرة : فلا توصف بالزيادة ؛ فعلى ذلك الإيمان . وقوله - عز وجل - : { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ } . يحتمل : يبين الله الأمثال التي يقع عليها الحس ، ويقع عليها البصر ، والأشياء الظاهرة ؛ لتدلهم على ما استتر وغاب عنهم ، يدركون بالعقول ما استتر وخفي بالظاهر والمحسوس . { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } لعلهم يتعظون . وقوله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً } الكلمة الطيبة : تحتمل التوحيد وفروعها : هي الخوف ، والخشوع ، والخضوع ، والرغبة [ والرهبة ] . وأكلها : هو الأعمال الصالحة والخيرات تكون منه . والكلمة الخبيثة : هي الشرك . وفروعها : ما يكون منه في الشرك ؛ من القساوة ، والتمرد ، والعناد . وأكلها : هو الأعمال التي تكون منه في الشرك . أو أن يكون الكلمة الطيبة : هي الأعمال . وفروعها : هي الشرائع والأحكام التي تعمل . وأكلها : هو ما يثاب عليه في الدنيا والآخرة أبداً . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } . ذكر مرة بالتثبيت ومرة بذكر الزيادة ؛ بقوله : { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ } [ الفتح : 4 ] ومرة بذكر الابتداء والتجديد ؛ بقوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ } [ النساء : 136 ] . وقوله : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الفاتحة : 6 ] فالتجديد والابتداء في حادث الوقت ؛ لأن تلك الأفعال تنقضي وتذهب ولا تبقى ، وأما الزيادة على ما كان يضم شيئاً إلى ما كان ، والثبات على ما كان فكله واحد في الحقيقة . وقوله - عز وجل - : { وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ } . أضاف الإضلال مرة إلى نفسه ؛ ومرة إلى الشيطان ، ولا شك أن ما أضيف إلى الشيطان إنما أضيف على الذم ، فإذا كان ما ذكر ؛ فتكون الجهة التي أضيف إلى الله - غير الجهة التي أضيف إلى الشيطان ، الجهة التي أضيف إلى الله : هو أن خلق [ فعل ] الضلال من الكافر ، وما أضيف إلى الشيطان : هو على التزيين والتسويل ؛ لتصح الإضافتان . ولو كان على التسمية - على ما يقوله المعتزلة : إذ سماه ضالا - لكان كل من سمى آخر ضالا كافراً جاز أن يسمى مضلا ، فإذا لم يسم - بتسميته ضالا أو كافراً - مضلا دل أنه إنما سمى الله نفسه مضلا ؛ لتحقيق الفعل له فيه ؛ وهو ما ذكرنا : أن خلق فعل الضلال منه . والمعتزلة يقولون : إن الله هدى الخلق جميعاً ؛ لكنهم لم يهتدوا وضلوا من غير أن يكون الله أضلهم . فهذا صرْف ظاهر الآية إلى غيره بلا دليل . وقوله - عز وجل - { وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } . وعلى قول المعتزلة : لا يقدر أن يفعل ما يشاء ؛ لأنهم يقولون : شاء إيمان جميع البشر ؛ ولكنهم لم يؤمنوا ؛ وكذلك قال : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] وهم يقولون : أراد إيمانهم ؛ لكنه لم يفعل ما أراد ؛ ولا يملك ، وقد أخبر أنه : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] و { مَا يَشَآءُ } وهم يقولون : لم يملك [ أن يفعل ] ما شاء وأراد ، بل العباد يقولون ما شاءوا غير ما شاء هو ، فتأويلهم خلاف لظاهر القرآن . والله أعلم . وقوله : { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } يشبه أن يكون هذا صلة قوله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً } على تأويل من يقول : إن الكلمة الطيبة هي القرآن ، يكون القول الثابت هو القرآن . يقول - والله أعلم - يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا ؛ حيث تلقوه بالإجابة والقبول والعمل به ، وفي الآخرة ؛ أي : بالآخرة والبعث ؛ يقرون به ، { وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ } ؛ حيث تركوا الإجابة له ، وتلقوه بالرد ، والمكابرة ، والعناد . ومن يقول : الكلمة الطيبة : التوحيد والإيمان - يكون القول الثابت : هو الإيمان ؛ يثبتهم في الحياة الدنيا باختيارهم ؛ وفي الآخرة ، قيل : في قبورهم ؛ يثبتهم لإجابة منكر ونكير ، ويمكن لهم ذلك ، ويضل الله الظالمين الذين تركوا الإجابة له في الحياة الدنيا وفي القبور ؛ حيث تركوا الإجابة في الدنيا . ويحتمل أن يكون قوله : { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ؛ هو ما ذكر ، { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ يونس : 25 ] ثبت من أجاب الله إلى ما دعا في الدنيا ، وفي الآخرة يهديه الطريق الذي به يوصل إلى دار السلام ، والكافر حيث ترك إجابته إلى ما دعاه ، ويضله في الآخرة طريق دار السلام ؛ بترك إجابته في الدنيا . والله أعلم بذلك . وقوله : { وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } في هداية من اختار الإجابة والاهتداء ، وإضلال من اختار ترك الإجابة والغواية .