Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 28-30)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً } . اختلف في نزوله : قال بعضهم : هذه [ السورة ] كلها نزلت بمكة إلا هذه الآية فإنها نزلت بالمدينة . وقال بعضهم : نزلت بمكة كلها . فمن يقول : نزلت بالمدينة - يقول : قوله : { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ * جَهَنَّمَ } هو بَدْر ؛ أي : حملوهم إلى بدر حتى قتلوا ؛ لأنه لم يكن بمكة بدر ؛ إنما كان بالمدينة . ومن يقول : نزلت بمكة - يقول : { دَارَ ٱلْبَوَارِ } : هي جهنم ؛ على ما فسّره ظاهر الكتاب ، وهو الأشبه بظاهر الآية ؛ لأنه بيّن تلك الدار ؛ فقال : { جَهَنَّمَ } . وفي الآية دلالة أن الآية [ كانت ] في عظمائهم وكبرائهم ؛ حيث قال : { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ … } الآية . ثم اختُلف في النعمة ؛ التي ذكر أنهم بدلوها كفراً ؛ فهي تحتمل وجوهاً : أحدها : أن الله - عز وجل - قد أنعم عليهم في هذه الدنيا ؛ ووسعها عليهم ؛ فحرموا تلك النعم على أنفسهم ؛ فجعلوها للأصنام التي عبدوها وسيبوها ؛ ولم ينتفعوا بها ، من نحو البَحِيرة التي ذكر ، والسائبة ، والوَصِيلة ، والحامي ، وما جعلوا للأصنام هو ما ذكر { وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] ، فذلك تبديل النعمة كفراً ؛ حيث حرموا ما أنعم الله عليهم وأحل لهم . والثاني : تلك النعمة محمد أو القرآن أو الإسلام وهو نعمة ، كذبوهم [ وكفروهم ] . أو أن يكونوا بدلوا الشكر الذي عليهم - بما أنعم عليهم كفراً ، جعلوها سبباً للكفر ؛ فلم يشكروه بما أنعم عليهم . وقوله - عز وجل - : { بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً } حقيقته يخرج على وجهين : أحدهما : بدلوا وصرفوا ما أنعم الله عليهم ؛ وهو محمد صلى الله عليه وسلم عن أنفسهم ؛ حتى أخذ منهم ؛ بدلوا به كفراً . والثاني : بدلوا به كفراً بعدما سألوا ربهم { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ … } الآية [ النحل : 38 ] ؛ فلم يشكروا ما أنعم عليهم ، وبدلوا الشكر كفراً . وقوله - عز وجل - : { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } . أي : أنزلوا ، دل هذا أن الآية نزلت في الرؤساء من الكفرة ، والأئمة منهم ؛ حيث أخبر أنهم أحلوا قومهم دار البوار . ذكر { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ } على الماضي ؛ لأنه قد وجد منهم الجناية بالإحلال في دار البوار ، وذكر في دخولهم جهنم على الاستئناف ؛ بقوله : { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } لما لم يوجد بعد سيوجد ، ويجوز أن يستدل بهذا لأصحابنا لمسألة : وهي أن العبد إذا حفر بئراً ثم أعتق ؛ فوقع في البئر إنسان : ينظر إلى قيمة العبد يوم حفر ؛ لأن الحفر منه جناية ، وإلى الواقع فيه يوم الوقوع لا يوم الحفر ؛ لأنه لم يوجد بعد يوم الحفر جناية . أو أن يقال : أحلوا أرواحهم دار البوار ؛ فتدخل أجسادهم يومئذ ، لم تدخل بعد . وقوله - عز وجل - : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً } ثم فسرّ أنهم لم أحلوا قومهم دار البوار ؟ فقال : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً } : أعدالا وأمثالا ، { لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ } . يحتمل قوله : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً } في العبادة ؛ يعبدون كما يعبد الله ، أو في التسمية ؛ يسمونها آلهة ؛ كما يسمى الله ، جعلوا له أنداداً في هذين الوجهين ، يذكر سفههم ؛ حيث جعلوا ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا ينفع ، ولا يدفع ، ولا يضر [ أمثالا وأعدالا ] لله ؛ على علم منهم أن الله هو الذي خلقهم ، ورزقهم ، وينعم عليهم ، وهو الذي يدفع عنهم كلّ بلاء وشدة . وجائز أن يكون قوله : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ } هو تفسير ما ذكر ؛ من تبديل النعمة كفراً . وقوله - عز وجل - : { تَمَتَّعُواْ } بهذه النعم التي ذكر أنهم بدّلوها كفراً . { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } هذا في قوم ماتوا على الكفر ، أو يقول : قل تمتعوا في الدنيا أو تمتعوا بالكفر فإن مصيركم إلى النار ، هذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون أبداً وفيه دلالة إثبات الرسالة . وقال أبو عوسجة : البوار : الهلاك والفناء ، يقال : بار الرجل يبور بوراً ؛ فهو بائر ، وقوم بور أي : هالكون . ويقال : بارت السوق ، وبارت السلعة : إذا كسدت ويقال : بارت المرأة تبور بواراً ؛ فهي بائرة : إذا كبرت . وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " نعوذ بالله من بوار الأيِّم " ؛ قيل : يعني من كسادها . والله أعلم .