Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 32-34)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ } إلى آخر ما ذكر . فيه دلالة أن تدبير الله محيط متسق بجميع ما في السماوات والأرض ، وعلمه محيط بجميع الخلائق ؛ حيث ذكر [ أنه : ] { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ } يعني البشر ، جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض ؛ [ مع ] بعد ما بينهما ؛ دل أنه عن تدبير ، فعل هذا وعلم ، وأنه تدبير واحد ؛ عليم ؛ قدير . ثم ما ذكر : من تسخير السماوات والأرض ؛ مع شدة السماء وصلابتها ، وغلظ الأرض وكثافتها ، وتسخير البحر ؛ مع أهواله وأمواجه ؛ وتسخير الأنهار الجارية ؛ وتسخير الشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار لهذا البشر . في ذلك كله وجهان : أحدهما : يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم ؛ من المنافع التي جعل لهم ، في تسخير هذه الأشياء التي ذكر لهم ، على جهل هذه الأشياء أنهن مسخرات لغيرهن ؛ يستأدي بذلك شكرها . والثاني : يذكر سلطانه وقدرته ؛ حيث سخر هذه الأشياء ؛ مع شدتها ، وصلابتها ، وغلظها ، وأهوالها . ومن قدر على تسخير ما ذكر - قادر على البعث والإحياء بعد الموت . ويحتمل ما ذكر ؛ من تسخير الأشياء التي ذكر : أنه أنشأ هذه الأشياء مسخرة مذللة لنا ، والثاني : سخر لنا ؛ أي : علَّمنا من الأسباب والحيل التي يتهيّأ لنا الانتفاع بها والتسخير . وقوله - عز وجل - : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } . فيه لغتان وتأويلان قال بعضهم : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ } ؛ على التنوين ؛ { مَا سَأَلْتُمُوهُ } على الجحد ؛ أي : آتاكم من غير أن سألتم الأشياء التي ذكر أنه سخرها لنا ؛ أي : آتاكم من غير سؤال ولا طلبة . والثاني : وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه ؛ لأنه أعطانا أشياء قبل أن نعلم أنه يجب أن نسأله ؛ حيث خلق هذه الأشياء التي ذكر من قبل أن يخلقنا . وقال الحسن : { مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } ؛ قال : ما لم تسألوه ؛ وهو ما ذكرناه ؛ فإن قيل : إن نسأل أشياء لم نعطها ؛ فما معنى الآية ؟ قيل بوجوه : أحدها : ذكر حرف التبعيض ؛ وهو ما قال : { مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } . والثاني : وآتاكم علم منافع ما سألتموه قبل أن تسألوا ؛ وجهه علم الانتفاع به . والثالث : وآتاكم من كل ما يحق السؤال ويليق به . على هذه الوجوه تخرج الآية . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } . قال بعضهم : لا تحصوها ؛ أي : لا تشكروها ؛ أي : لا تقدروا شكرها . وقال بعضهم : أي لا تقدروا إحصاءها وعدها ، وهكذا إن أقل الناس نعمة لو تكلف إحصاء ما أعطاه ما قدر عليه ؛ من حسن الجوهر والصورة ، واستقامة التركيب والبنية ، وسلامة الجوارح ، وغير ذلك مما لا سبيل له إلى ذكرها وإحصائها ؛ إلا بعد طول التفكر والنظر . وقال بعضهم : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } : لا تحيطوا بكنهها ونهايتها . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } . [ لظلوم ] : أي : ظلم نفسه ؛ حيث صرفها إلى غير الجهة التي جعلت وأمر ، وأدخلها في المهالك ، وألقاها في التهلكة . كفّار لنعمه ؛ حيث صرف شكرها إلى غير الذي جعلها له . والله أعلم . واستدل بعض المعتزلة بقوله : { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } أن صاحب الكبيرة يخلد في النار ؛ لأنه أوعد بترك الصلاة والزكاة التخليد أبداً ، وترك الصلاة والزكاة من غير عذر - من الكبائر ، دل أنه ما ذكرناه . فنقول نحن - وبالله التوفيق - : إن الآية تحتمل الأمر بإقامة الصلاة ؛ وما ذكر من الزكاة والصدقة إقامة الإيمان بها ؛ على ما ذكرنا من تأويل بعض المتأولين ، فإن كان على هذا على إقامة الإيمان بها - فمن ترك ذلك فهو - يخلد أبداً لا شك فيه ، أو يكون من استحل تركها ؛ فهو بالاستحلال يكفر ؛ فهو يخلد ، أو يترك لعذر ؛ فهو لا يخلد على اتفاق القول . فإذا كان ما ذكرنا محتملا دل أن الآية مخصوصة . ثم معرفة تخليد صاحب الكبيرة إنما هي بالدلائل سوى هذا ، إذ ليس في ظاهر الآية دلالة التخليد ؛ لما ذكرنا من احتمال الخصوص ، دل أنه إنما يطلب الدليل من وجه آخر . قال القتبي : { وَلاَ خِلاَلٌ } مصدر خاللت فلاناً خلالا ومخالة ، والاسم الخلة والمخلة ؛ وهي الصداقة . وقال أبو عوسجة : { وَلاَ خِلاَلٌ } : قال : من المخالة ؛ يعني المودة . { دَآئِبَينَ } : قال : يجريان أبداً ، وهو من الدوب ؛ أي : التعب .