Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 16-25)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً } قيل : نجوماً ، ويحتمل البروج : المنازل التي ينزل فيها الشمس والقمر والنجوم ، جعل لكل واحد من ذلك منزلا ، ينزل في كل ليلة في منزل على حدة . ويحتمل ما ذكر من البروج : هي مطالع [ ما ذكر ] من الشمس والقمر والنجوم . وقوله - عز وجل - : { وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } [ يعني السماء للناظرين ] . وفي قوله : { وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } دلالة نقض قول من ينهي عن النظر إلى السماء من القراء ؛ لأنه أخبر أنه زينها للناظرين ، ولا يحتمل أن يزينها [ للناظرين ] ثم ينهي عن النظر إليها ، دل أنه لا بأس [ للناظرين ] ، وقال في آية أخرى : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا … } الآية [ الأنعام : 97 ] وقال في موضع آخر : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ } [ الملك : 5 ] وجعل الله في الشمس والقمر والنجوم منافع : يهتدون بها الطرق في ظلمات الليل ، وجعلها مصابيح في الظلمات ، وأخبر أنه زينها للناظرين ؛ لأن ما يقبح في العين من المنظر لا يتفكر الناظر فيه ولا ينظر إليه ؛ فزينها لهم ؛ ليحملهم ذلك على التفكر فيه ، والنظر إليها ؛ ليعلموا أنه تدبير واحد ؛ حيث جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض ؛ مع بعد ما بينهما ، وجعل أشياء هي في الظاهر أشباهاً ؛ وهي في الحقيقة كالأضداد لها ، ومنها ما هي في الظاهر أضداد ، وهي كالأشكال ؛ نحو النور والظلمة : هي في الظاهر أضداد ، صارت كالأشكال ؛ حيث تضيء النجوم في ظلمات الليل ؛ حتى ينتفع بذلك أهل الأرض ، وهما في الظاهر أضداد ، فصارت بما يظهر من منافعها كالأشكال ، وجعل لا ينتفع بضوء النجوم مع نور القمر ، ولا ينتفع بنور القمر مع ضوء الشمس ، وهن أشكال ؛ فصارت بما يذهب كل واحد [ منهما ] بسلطان الآخر ؛ كالأضداد ليعلم أنه تدبير واحد ؛ حيث صارت الأضداد كالأشكال ، والأشكال كالأضداد في حق المنفعة . وقوله - عز وجل - : { وَحَفِظْنَاهَا } يعني : السماء ، { مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } ذكر أن الشياطين كانوا يصعدون السماء فيستمعون من أخبار السماء من الملائكة ، مما يكون في الأرض ؛ من غيث وغيره ، ثم زادوا فيها ما شاءوا فيلقون ذلك إلى الكهنة ؛ فيخبر الكهنة الناس ، فيقولون : ألم نخبركم [ بالمطر ] في يوم كذا وكذا ، وكان حقّا ، ثم منعوا عن ذلك - عن صعودهم - أعني السماء ، وحفظوا عنهم ، فجعلوا يسترقون السمع ، فسلط الله الشهب عليهم ، حتى يقذفون ؛ وهو كقوله : { وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً } [ الصافات : 8 - 9 ] وقوله : { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [ الصافات : 10 ] . ويحتمل { وَحَفِظْنَاهَا } : أي : أهلها من الشيطان الرجيم لما ذكرنا من ذكر أشياء من القرية والمصر والعير ، وغيره ، والمراد منه : أهله ، فعلى ذلك هذا ، إلا أن أهل السماء بأجمعهم أهل ولاية الله ؛ وأهل طاعته ، وأما أهل الأرض : ففيهم من الغاوين الضالين ، فهم أولياء الشيطان ؛ كقوله : { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ … } الآية [ النحل : 100 ] . ويحتمل حفظ السماء نفسها : بالملائكة ، وهو ما ذكر : { وَيُقْذَفُونَ … } الآية . ويحتمل : بالشهب ؛ التي في غير آي من القرآن . وقال بعضهم : { رَّجِيمٍ } : اللعين ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود : ( من كل شيطان لعين ) واللعين : - في اللغة - : فهو المطرود المبعد ، وهو على ما ذكر { دُحُوراً } . وقوله - عز وجل - : { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } [ ق : 7 ] وقال في آية أخرى : { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } [ الأنبياء : 31 ] يعني الجبال ، في ظاهر هذا أن الأرض كأنها تضطرب وتنكفئ بأهلها ، فأثبتها بالجبال ، وإلا من طبعها التسفل والانحدار ، وكذلك الجبال من طبعها التسفل والانحدار ، فكيف كان ثباتها بشيء [ كان ] طبعه التسفل والتسرب ؟ إلا أن يقال : إن طبعها كان الاضطراب والانكفاء فأثبتها بالجبال عن الاضطراب والانكفاء ؛ أو أن يقال : من طبعها ما ذكرنا : التسفل والانحدار ؛ إلا أن الله - بلطفه - أثبت ما هو طبعه التسفل ، بما هو طبعه كذلك ؛ ليعلم لطف الله وقدرته ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } . قال بعضهم : { فِيهَا } : يعني في الجبال ، { مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } : يعني : ما يوزن من نحو : الذهب ، والفضة ، والحديد ، والرصاص ، ونحوه مما يستخرج منها ، وهذا كأنه ليس بصحيح ؛ لأنه لا يقال في الذهب ، والفضة والحديد : إنه أنبت في الأرض ؛ كما يقال ذلك لنبات وما ينبت فيها ، وإنما يقال للذهب ، والفضة ، والحديد : جعلنا فيها ، أو خلقنا فيها . وقال بعضهم : { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا } : يعني : في الأرض ؛ من كل ألوان النبات ، { مَّوْزُونٍ } : أي : معلوم مقدر بقدر ؛ كقوله : { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } . ويحتمل : وأنبتنا فيها ما يصير موزوناً في الآخرة من الزروع وغيرها من الحبوب ، أو ما ذكرنا ؛ أي : معلوم مقدر ، والله أعلم ، ليس على الجزاف ؛ على ما يكون من فعل جاهل على غير تدبير ولا تقدير . ويحتمل قوله : { مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } : ما لو اجتمع الخلائق - لم يعرفوا قدر ما يزداد وينمو من النبات ؛ في لحظة واحدة ؛ وطرفة عين ، في أول ما يخرج ويبدو من الأرض ، وذلك موزون عنده ؛ معلوم قدره ، ليعلم لطفه ، وقدرته ، وتدبيره ، وعلمه ، وأنه تدبير واحد ؛ حيث لم يختلف ذلك ؛ ولم يتفاوت . والله أعلم . قال أبو عوسجة : { فَظَلُّواْ فِيهِ } : أي : صاروا يومهم { يَعْرُجُونَ } : يرتفعون ويصعدون . وقال غيره : ظلوا : أي : ما لوا ، كقوله : { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ } [ الشعراء : 4 ] أي : مالت ، وقال : قوله : { سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } : أي : حيرت ؛ يقال : تسكر بصره : إذا تحير ، وقال : يقال أيضاً تحيرت ، يقال : سكر الله بصره : أي : حيره ، وسكرت الريح تسكر سكراً : إذا سكنت ، ويقال : ليل ساكر ، أي : ساكن ، وسكرت الماء أسكره سكراً : أي : حبسته ، والسكر : السدّ ، والسكور جمع ، والسكر : مصدر سكر يسكر سكراً ؛ فهو سكران ، وقوم سكرى وسكارى ، والسكرة : الغمرة ، والغمرة : الشدة ، وقال - عز وجل - : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } [ سورة ق : 19 ] أي : شدته . وقال القتبي : سكرت : غشيت ، ومنه يقال : سكر النهر : إذا سدّ ، فالسكر اسم ما سكرت ، وسكر الشراب منه ؛ إنما هو الغطاء على العقل والعين . وقال الحسن : سكرت - بالتخفيف - : سحرت . وقوله - عز وجل - : { بُرُوجاً } : قال : إثنا عشر برجاً ، وأصل البرج الحصن والقصر وقوله : { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ } يقول : حفظناها من أن يصل إليها شيطان أو يعلم من أمرها شيئاً إلا استراقاً ، ثم يتبعه شهاب مبين : أي : كوكب مضيء . وقال أبو عوسجة : { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ } : يقال : استرقت السمع : أي : تغفلت قوماً حتى سمعت حديثهم ؛ وهم لا يعلمون ، وهكذا لو علم الملائكة أن الشياطين يسترقون السمع ، ويختطفون - لمنعوا من ذلك ، وامتنعوا عن التكلم به ؛ حتى لا يستمعون كلامهم ، وحديثهم . و { شِهَابٌ } : كوكب ، وقيل : الشهاب : خشبة في طرفها نار ، والشهبان جماعة . وقال بعضهم : { شِهَابٌ مُّبِينٌ } لرسول الله كان له خاصّةً لم يكن قبل والله أعلم . وقوله : { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } أي : في الأرض والجبال . وقوله - عز وجل - : { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } . قال الحسن : أي : جعلنا [ لكم ] في الأرض معايش ما تتعيشون به ، ولمن حولكم أيضاً ، جعل فيها معايش ، لا ترزقونه أنتم ؛ إنما ذلك على الله ، هو يرزقهم وإياكم . وقال بعضهم : { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } : الوحوش والطير ، وأما الأنعام : فإنه قد أشركهم البشر في المعايش ، وكان غير هذا أقرب وأوفق : وهو أن أهل مكة كانوا يمنّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقولون : نحن ربيناه ، وغذيناه ، وأنفقنا عليه ، ورزقناه ؛ ثم فعل بنا كذا ، فخرج هذا جواباً لهم : { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } أي : محمداً . وقوله - عز وجل - : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } . يحتمل هذا - والله أعلم - : وإن من شيء يخزن في الخلق - إلا عندنا خزائنه ؛ [ أي ] : إلا عندنا تلك الخزائن ؛ أي : ما تخزنون من الأشياء ، فتلك عندنا وفي خزائننا . { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } . على هذا { وَمَا نُنَزِّلُهُ } : أي : ما نعطيه { إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } : أي : وإن كان عندكم مخزوناً محبوساً - فإن ذلك كله في خزائنه ، أعطى من شاء ، وحرم من شاء . ويحتمل قوله : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } والخزائن : هي الأمكنة الخفية التي تخزن فيها الأموال ، وبواطن من الأرض ، يقول - والله أعلم - : وإن من شيء كان في بواطن الأرض ، وأمكنة خفية - إلا عندنا تدبير ذلك وعلمه ، يخبر أن تدبيره وعلمه في الخفية من الأمكنة - كهو في الظاهر ؛ لا يخرج شيء عن تدبيره وعلمه ، بل كل ذلك في تدبيره وعلمه . وقال الحسن : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } : أي : الماء الذي جعل به حياة كل شيء ، ولا يخرج شيء عن منافعه ، فهو خزائن الأشياء كلها ، وبه قوام كل شيء ، وقال : ألا ترى أنه قال : { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } ، ذكر الإنزال : وهو الذي ينزل من السماء طاهراً . هذا الذي قاله محتمل ، لكن تمامه أن يقال : إن الماء خزانة ، والخزانة : هي الموضع الذي يخزن فيه ، وفي الماء قوة ومعنى ؛ يكون فيه حياة الخلق ، ومنافعهم ، فيما جعل فيه لا في نفس الماء ، ألا ترى أنه يصيب عروق الشجر ؛ فتظهر منافعه في غصونها ؛ في أعلاها ؛ فثبت أن فيه قوة سرية ، ومعنى يكون المنافع بها لا بنفس الماء ، والله أعلم بذلك . ثم ما ذكر من الخزائن ، والرياح ، والماء ، والمطر ، وغير ذلك من النعم ؛ يذكر على الاحتجاج عليهم ؛ لأنه إنما أنشأ هذه الأشياء ، وخلقها لهؤلاء ، لا أنه أنشأها لنفسها ، فإذا كان أنشأها لهم - فلا يحتمل أن يتركهم سدى ؛ لا يأمرهم ولا ينهاهم ، ولا يمتحنهم ولا يجعل لهم عاقبة يثابون أو يعاقبون ؛ ولذلك قال في آخره : { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } . وقوله : { إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } على التأويل الأول : ما ذكرنا ، أي : ما نعطيه إلا بقدر معلوم ؛ وإن خزنه وحبسه . ويحتمل : { إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } أي : بقدر سابق معلوم ، ذلك إن كان على هذا - فإنه يدل على أن ما يكون ويحدث - إنما يكون لقدر سابق ؛ لا يكون غير ما سبق تقديره . أو { بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } محدود ؛ أي : ليس ينزل جزافاً ؛ ولكن معلوماً محدوداً . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } . قال بعضهم : { لَوَاقِحَ } : حوامل . وقال بعضهم : هذا لا يصح ، لو كان على هذا - لكان ملاقح وملقحات . وقال أبو عوسجة : { لَوَاقِحَ } تلقح الشجر : أي : تنبت ورقها وهي ملقحة ، وقال : يقال : ناقة لاقح : أي : حامل قد حملت ، ونوق لواقح ، ويقال : حرب لاقح : أي : شديدة ، وسحاب لاقح : الذي فيه ماء - أي : مطر - وريح لاقح : أي : ملقح تلقح الشجر ؛ أي : تنبت ورقه وحمله ، ويقال : ملقح ، ويقال : ألقح الرجل إذا لقحت إبله ؛ أي : حملت ، ورجل ملقح ، واللقوح : الناقة التي معها ولد صغير ، والجمع : لقاح ، وجمع الجمع : لقائح ، واللقح : اللواقح ؛ وهي الحوامل من الإبل . قال القتبي : قال أبو عبيدة : { لَوَاقِحَ } : إنما هي ملاقح ؛ جمع ملقحة ، يريد أنها تلقح الشجر ، وتلقح السحاب ؛ كأنها تنتجه ، واللواقح : المنتجة الثمار من الأشجار ، والسحاب ، وغيره . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } . هو ما ذكرنا على التأويل في قوله : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } ، وعلى تأويل الحسن : هو ما ذكر من الماء والمطر . { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } : أي : حابسين لما جرى به الذكر ؛ من المطر والماء ؛ الذي ذكر أنه أنزل من السماء . ويحتمل { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ } أي : لله { بِخَازِنِينَ } : أي : ليست خزائنه في أيديكم ؛ ولا بيد أحد ، ولكن بيد الله ، عز وجل . وعلى تأويل الآخر : { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } : بمدبرين ما خزن في الأرض ودفن . وقوله - عز وجل - : { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } . أي : الباقون ، يفنى الخلقُ كله ؛ فيبقى هو ، ولذلك سمي من خلف الميت وارثاً ؛ لأنه يموت ويبقى الوارث ؛ وهو باقٍ وكذلك يخرج قوله : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } [ مريم : 40 ] والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } . قال بعضهم : ولقد علمنا المستقدمين من المكذبين منكم ؛ ما حل بهم بالتكذيب ، وقد علمنا المستأخرين من المكذبين منكم . وقال بعضهم : ولقد علمنا من كان منهم ومات ، وقد علمنا المستأخرين : من يكون منهم ويولد ؛ ولذلك قال : { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } : من مضى ومن بقي لم يكن بعد ؛ إلى يوم القيامة . وقال الحسن : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } في الخير { ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } في الشّر . وقال بعضهم : في القرن الأول والآخر ، لكنه بعيد . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } . الحكيم : هو الذي يضع الأشياء مواضعها . والثاني : هو الذي يجعل الأشياء مواضعها ، فالأول قد يعرف الخلق وضع الأشياء مواضعها ، وأما الثاني : فلا يكون ذلك إلا بالله . وقوله : { عَلِيمٌ } : عليم بمصالح الخلق ، ومالهم وما عليهم . أو عليم بوضع الأشياء مواضعها .