Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 45-50)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } . إن كان أهل الكبائر في قوله : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } فيكون قوله : إن المتقين الذين اتقوا الكبائر ؛ وإن كان أصحاب الكبائر لم يدخلوا في قوله : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } ، فيكون قوله : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } للذين اتقوا الشرك . وقوله - عز وجل - : { فِي جَنَّاتٍ } . أي : في : بساتين ، والبساتين : هي التي التفّت بالأشجار والنخيل . والعيون قد تكون جارية في الدنيا ، وقد تكون غير جارية ، فأخبر في آية أخرى بأن عيون الآخرة تكون جارية ؛ بقوله : { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } [ الرحمن : 50 ] . { وَعُيُونٍ } : قال بعضهم : ذكر العيون ؛ ليعلم أن مياه الجنة - ليست تكون من الثلوج والأنهار العظام - على ما تكون في الدنيا - ولكن تنبع فيها . وقال بعضهم : ذكر العيون ؛ لأنه ينبع في بستان كل أحد عين على حدة ، لا يأتي بستانه من ملك آخر ، ومن بستان آخر ، على ما يكون في الدنيا ؛ ولكن تنبع في جنة كل أحد عين على حدة ، على ما أراد الله ، ليس أنها تتصل بالأرض ؛ كما ذكر في قصّة بني إسرائيل : { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } [ البقرة : 60 ] أنشأ الله في ذلك الحجر ما يخرج لهم على غير اتصاله بالأرض ، ولكن بلطفه ينشئ فيه ماء ، فعلى ذلك في الجنان التي وعد . ويشبه أن يكون ذكر هذا لما يختلف رغائب الناس في الدنيا : منهم من يرغب في العين ؛ ويتلذذ بالنظر إليها ، ومنهم من يرغب في النهر الجاري ، فذكر مرة العيون ، ومرة الأنهار ؛ كقوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ النحل : 31 ] على ما ذكر مرة الخيام ، والقباب ، والغرف ، وأنواع الفرش والبسط ، والكيزان والأكواب ، والجواري والغلمان ، وغير ذلك على ما يرغب الناس في الدنيا : منهم من يرغب [ في نوع لا يرغب ] في نوع آخر ؛ فذكر فيها كل ما يرغبون في الدنيا ؛ ليبعثهم ذلك على العمل الذي به يوصل إلى ذلك . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } . قال بعضهم : قوله : { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } : أي : اجعلوا دخولكم فيها بسلام ؛ على ما أمرهم في الدنيا أن يجعلوا الدخول في المنازل بالسلام ؛ كقوله : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ … } الآية [ النور : 61 ] ، وعلى ما أخبر أن الملائكة يسلمون عليهم ؛ كقوله : { سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ } [ الزمر : 73 ] وكقوله : { وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً } [ الحجر : 51 - 52 ] وقال بعضهم : قوله : { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } : أي : ادخلوها بسلام لا يصيبكم مكروه ؛ آمنين لا ينغِّصهم خوف ولا حزن ، على ما أخبر { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] . وقال بعضهم : [ … ] وقوله - عز وجل - : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } . قال بعضهم : هو صلة قوله : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } أي : نزعنا ما في صدورهم من غل ؛ الذي كان في الدنيا بالكفر ؛ فصاروا إخواناً بالإسلام الذي هداهم إليه ؛ فكانوا إخواناً ، ثم قيل لهم : ادخلوا الجنة بلا غلّ ، وهو ما قال : { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } [ آل عمران : 103 ] قد نزع من قلوبهم الغل في الدنيا ، فصاروا إخواناً فدخلوا الجنة . وقال بعضهم : قوله : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } في الآخرة إذا دخلوا الجنة وتقابلوا واتكئوا على سرر ، فعند ذلك ينزع الغل من قلوبهم ، والمظالم التي كانت بينهم ، فإذا كان هذا فهو بين أهل الإسلام . وعلى ذلك يحتمل أن يكون [ كل من ] جفا آخر في الدنيا أن ينسى الله ذلك منهم في الجنة ؛ لأن ذكر الجفاء ينغص النعم التي فيها ، وكذلك ما يكون بين الرجل وولده من الجفاء والعقوق - يجوز أن ينسى ذلك عليهم . وعلى ذلك ما روي عن عليّ رضي الله عنه ؛ قال : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } . وقوله - عز وجل - : { مُّتَقَـٰبِلِينَ } : قال بعضهم : يجعل الله منازلهم بعضها مقابل بعض ؛ فينظر بعضهم إلى بعض ، ويزور بعضهم بعضاً . وقال بعضهم : يأمر الله السرر التي هم عليها جلوس ؛ ليكون بعضها مقابل بعض ، إذا اشتهى بعضهم زيارة بعض ، ولا يكونون مدبرين ؛ ولا معرضين ، بل مقبلين ، يخبر عن اجتماعهم في الآخرة في الشراب ، وأنواع المطاعم على ما يستحسن في الدنيا الإخوان بينهم الاجتماع على الشراب والطعام ، والتلذذ ، والنظر بعضهم إلى بعض ، فعلى ذلك أخبر أن لهم في الآخرة كذلك اجتماع في الشراب ، والنظر ، وأنواع التلذذ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ } . أي : عناء ومشقة ، أخبر أنه لا عناء يمسهم كما يكون في الدنيا ؛ لأن في الدنيا : من أطال المقام في موضع يملّ عن ذلك ويسأم ، وكذلك إذا أكثر من نوع من الطعام ؛ أو الشراب ، أو الفاكهة - يملّ عن ذلك ويسأم ، ويؤذيه ، ولا يوافقه ، فأخبر أن أهل الجنة لا يملون ولا يؤذيهم طعامها ؛ وإن أكثروا . وقوله - عز وجل - : { وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } . أخبر أنهم لا يخرجون منها ، ولا هم يطلبون الخروج منها ؛ كقوله : { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [ الكهف : 108 ] ؛ لأن خوف زوال النعم ينغص على صاحبها تلك النعمة ، وطعمها ؛ فأخبر أنهم فيها أبداً ، وتلك النعمة لهم دائمة غير زائلة عنهم والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } . قال بعضهم : { نَبِّىءْ عِبَادِي } أي : أخبرهم { أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } لمن استغفرني وتاب عما ارتكب من معاصيه ، { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } لمن عصاني ، ولم يستغفر ، ولم يتب إليه . ويحتمل غير هذا ؛ وهو أن يقول : { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } لئلا ييئسوا من رحمتي ، ولا يقنطوا مني ، ولكن يرجون رحمته وعفوه ، ويخافون عذابه ونقمته ، ونبئهم أيضاً أن عذابي هو العذاب الأليم لئلا يكونوا آمنين أبداً ؛ فيكون فيه أمر بأن يبشر ، وأن ينذر ؛ كأنه قال بشر أوليائي أني أنا الغفور الرحيم لأوليائي ، وأن عذابي شديد أليم لأعدائي . وفي قوله : { نَبِّىءْ عِبَادِي } فيه بشارة ونذارة : أما البشارة : فهو قوله : { أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ، و [ أما ] النذارة : فهو قوله : { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } .