Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 51-60)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } . أي : نبئ قومك عن ضيف إبراهيم ؛ أي : نبئهم بتمام ما فيه من الزجر والموعظة ؛ لأن في ذلك أخبار ما نزل بالمكذبين ؛ بتكذيبهم الرسل ، وهو الإهلاك ، ونجاة من صدق الرسل ، ففيه تمام ما يزجرهم ، ويعظهم ، من الترهيب والترغيب ، فإن فيهم آية لرسالتك ونبوتك ؛ لأنه يخبرهم على ما في كتبهم لم يشهدها هو ، فيدلهم أنه إنما عرف ذلك بالله . أو نبئهم ؛ فإن ذلك ما يزجرهم عن مثل صنيعهم ، وفيه ذكر نعم الله ؛ لأنهم جاءوا بالبشارة ؛ بشارة الولد ، وجاءوا بإهلاك قوم مجرمين ، فذلك بالذي يزجرهم عن مثله ، والبشارة ترغبهم في مثل صنيع إبراهيم ، فنبئهم فإن فيه ما ذكرنا . ودل قوله : { ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } أن الضيف اسم لكل نازل على آخر ، طعم عنده أو لم يطعم ، وكان نزله للطعام أو لا . وقوله - عز وجل - : { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً } . أي : سلموا على إبراهيم ، فرد إبراهيم عليهم السلام . وقال أبو بكر الأصم : السلام جعله الله أماناً بين الخلق ، وعطفاً فيما بينهم ، وسبباً لإخراج الضغائن من قلوبهم . وقال بعضهم : جعل الله السلام تحية على كل داخل على آخر ، وهو ما ذكرناه . وقال بعضهم : السلام : هو اسم كل خير وبرّ وبركة ؛ كقوله : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً } [ مريم : 62 ] والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } أي : خائفون . قال بعض أهل التأويل : إنما خاف ؛ لأنه ظن أنهم لصوص وأهل ريبة ، لكن هذا لا يحتمل أن يخاف منهم ؛ ويظن أنهم لصوص وأهل ريبة ، وقد سلمّوا عليه وقت ما دخلوا عليه ، واللصوص وأهل الريبة إذا دخلوا بيت آخر لا يسلمون عليه ، لكنه إنما خافهم إذ رأى أيديهم لا تصل إليه ؛ كما قال : { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } [ هود : 70 ] عند ذلك خافهم ؛ فلما رأى ذلك ظن إبراهيم أنهم ملائكة ؛ إنما جاءوا لأمر عظيم ؛ حيث لم يتناولوا مما قرب إليهم ؛ وبين إبراهيم وبين المكان الذي يرتحل منه - مكان يقع لهم الحاجة إلى الطعام . وقوله - عز وجل - : { لاَ تَوْجَلْ } أي : لا تخف : { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } . وقال في آية أخرى : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } [ الصافات : 101 ] والحلم : هو الذي ينفي عن صاحبه كل أخلاق دنية ، والعلم : هو الذي يدعو صاحبه إلى كل خلق رفيع ؛ ليعلم أنه اجتمع فيه [ جميع ] الخصال الرفيعة ، ونفى عنه كل خلق دنيء . وقوله - عز وجل - : { أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ } . أي : أبشرتموني أن يولد لي ، وأنا على الحال التي أنا عليها ، أو يردّ إليَّ شبابي وشباب امرأتي . { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } على الحال التي أنا عليها وامرأتي ، أو يرد الشباب إلينا ، وإلا لا يحتمل أن يخفى عليه قدرة الله هبة الولد في حال الكبر ، لكنه لم ير الولد يولد في تلك الحال ، فاستخبرهم أنه يولد في تلك الحال ، أو يرد إلى حالة أخرى حالة الشباب . والله سبحانه أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } . أي : بما هو كائن لا محالة ، أي : وعد كائن لا محالة ، والواجب على كل من أنعم عليه بنعمة أن يشتغل بالشكر للمنعم ، لا يستكشف عن الوجوه التي أنعم ، والأحوال التي يكون عليها . ثم في بشارة الولد بشارتان : إحداهما : بشارة بالغلام . والثانية : بالبقاء والبلوغ إلى وقت العلم ؛ حيث قالوا : { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } ، وهو ما قال في آية أخرى : { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } [ آل عمران : 46 ] ، ففي قوله " كهلا " دلالة وبشارة : إلى أنه يبقى إلى أن يصير كهلا ، وإلا الكهل يضعف . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ } . قد ذكرنا فيما تقدم أن الأنبياء قد نهوا عن أشياء [ قد ] عصموا عنها ما لا يحتمل أن يكون منهم ما نهوا عنه ؛ [ نحو قوله ] : { فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } [ آل عمران : 60 ] { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] و { مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } [ البقرة : 35 ] ، { ٱلْكَٰفِرِينَ } [ البقرة : 34 ] وأمثاله ، وذلك مما لا يتوهم كونه منهم ؛ وذلك لما ذكرنا أن العصمة لا ترفع المحنة ؛ لأنها لو رفعت لذهبت فائدة العصمة ؛ لأنها إنما يحتاج إليها عند المحنة ، وأمّا إذا لم يكن محنة فلا حاجة تقع إليها ، فعلى ذلك إبراهيم لم يكن قنط من رحمة ربه ؛ أنه لا يهب له الولد في حال كبره ؛ ولكن ما ذكرنا ، ثم بين أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون : أخبر أن القنوط من رحمة الله هو ضلال ، والإياس من رحمته كفر ، فعندهم تضيق رحمته حتى لا يسع فيها الكبائر ، والمعتزلة يقنطون من رحمة ربهم ؛ لقولهم في أصحاب الكبائر ما يقولون . وقوله - عز وجل - : { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } [ الذاريات : 31 ] . قيل : فما خبركم ، وما قصتكم ، وما شأنكم ؟ والخطب : الشأن ؛ أي : على أي أمر وشأن أرسلتم . { قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } [ الذاريات : 32 ] . لم يحتمل أن يكون أول ما أخبروا إبراهيم وقالوه هذا ، ولكن كان فيه ما ذكر في آية أخرى : { قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } [ العنكبوت : 31 ] { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [ العنكبوت : 34 ] فقال إبراهيم { إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا } [ العنكبوت : 32 ] يذكر هاهنا على الاختصار ؛ فذلك يدل أن الخبر إذا أدّى معناه يجوز ، وإن لم يؤت بلفظه على ما كان . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * إِلاَّ آلَ لُوطٍ } كأن الثنيا هاهنا تكون عن الأشخاص ، وأنفس أهل القرية ؛ عن قوله : { مُّجْرِمِينَ } ؛ لأن آل لوط لم يكونوا مجرمين ؛ فلا يحتمل الاستثناء من ذلك . أو لا يكون على حقيقة الثنيا ، وإن كان في الخبر استثناء . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } . أخبر أنهم يهلكون قومه ، ثم استثنى آله منهم ، ثم امرأته من آله ؛ ففيه دلالة أن الثنيا ليس برجوع ؛ لأنه لو كان رجوعاً لكان يوجب الكذب في الخبر ، ولكن في الثنيا بيان تحصيل المراد مما أجمل في اللفظ . وفيه دلالة أيضاً أنه يجوز أن يستثنى من الاستثناء ؛ لأنه استثنى امرأته من آله ؛ بقوله : { إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } فحصلت المرأة من قومه ؛ حيث استثناها من آله . وفيه أنه قد يجوز أن يستثنى من خلاف نوعه ؛ لأنه استثنى آل لوط من قومه ، والمجرم ليس من نوع الصالح ، ثم استثنى امرأته من آله ؛ وهي ليست منهم . وفيه أيضاً أن آل الرجل يكون أتباعه ؛ حيث استثنى آله منهم ، يدخل فيه من تبعه ؛ ألا ترى أنه قال : آل فرعون ، وإنما هم أتباعه ، وآل موسى ؛ وآل هارون ، وآل عمران : كل يرجع إلى أتباعهم ، فيدخل في قولهم : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد - كلّ من تبعه . والله أعلم . وقوله : { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ } . قال أبو بكر الأصم : { قَدَّرْنَآ إِنَّهَا } : أي : أخبرنا ، لكن هذا منه احتيال على تقوية مذهب الاعتزال ؛ لأنهم ينكرون أن يكون أفعال العبيد مقدرة لله مخلوقة ، ففي ذلك دلالة أن أفعالهم مخلوقة لله ، مقدرة له ، وأصله : أي : قدرنا بقاءها من الأصل . وقوله - عز وجل - : { لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ } : أي : الباقين . قال أبو عوسجة : الغابرون : الباقون ، والغابرون : الماضون أيضاً ؛ يقال : غبر يغبر غبراً : إذا بقى ، وإذا مضى أيضاً .