Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 61-77)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } . أي : إنكم قوم منكرون ؛ لا تعرفون بأهل هذه البلدة ، وإنما قال لهم هذا ؛ لأن قومه إنما يعملون ما يعملون بالغرباء ؛ لا يعملون بأهل البلد ؛ ألا ترى أنهم قالوا له : { أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } [ الحجر : 70 ] أن تضيف أحداً منهم . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } . هذا ليس بجواب لما سبق من قوله : { إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } ، ولكن قالوا [ ذلك له ] والله أعلم بعدما كان بين [ لوط وقومه ] مجادلات ومخاصمات من ذلك قوله : { إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ } [ الحجر : 68 ] { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ } [ الحجر : 69 ] وغير ذلك من المخاصمات . وقد كان لوط يعدهم العذاب بصنيعهم الذي كانوا يصنعون ؛ ولذلك قالوا له : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الأحقاف : 22 ] ؛ فعند ذلك قالوا : { بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } . [ قال بعضهم : بما كانوا فيه يشكّون ؛ بما كان يعدهم من العذاب . وقال بعضهم : { بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } ] [ أي : بما كانوا ] يجادلون وينازعون ، أو يقول : بل جئناك بجزاء ما كانوا يتمرون . ثم امتراؤهم ، يحتمل مجادلتهم إياه ، ويحتمل ما كانوا عليه من الريبة . وقوله - عز وجل - : { وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } . قال بعضهم : { وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } : أي : بنجاتك ؛ ونجاة أهلك وإهلاك قومك . وقال بعضهم : { وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } : أي : بالعذاب الذي كنت تعدهم . { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } فيما نقول ، يحتمل هذا : أن لم يكن هذا منهم قولا قالوه ؛ لأن لوطاً يعلم أنهم صادقون فيما يقولون ؛ حيث علم أنهم ملائكة الله ، لكن أخبر عنهم على ما كانوا عليه ، على غير قول كان منهم . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ } . أي : ببعض من الليل . وقال بعضهم بسحر ؛ على ما قال : { نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } [ القمر : 34 ] وهو بعضٌ سحراً كان أو غيره . { وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ } : أي : سر من ورائهم ، وهكذا الواجب على كل مولى أمر جيش أن يتبع أثرهم ، أو يأمر من يتبع أثرهم ؛ ليلحق بهم من تخلف منهم ، ويحمل المنقطع منهم ؛ وليكون ذلك أحفظ لهم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } قال بعضهم { وَلاَ يَلْتَفِتْ } أي : لا يتخلف منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون . وقال في آية أخرى : { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } [ هود : 81 ] . فإنها [ تتخلف عنكم ؛ فيصيبها ] ما أصاب أولئك ، هذا يدلّ أن ليس في تقديم الكلام وتأخيره منع ، ولا في تغيير اللسان ولفظه بعد أن يؤدي المعنى خطر ؛ لأن قصة لوط وغيرها من القصص ذكرت وكررت على الزيادة والنقصان ، وعلى اختلاف الألفاظ واللسان ، فدلّ أن اختلاف ذلك لا يوجب تغييراً في المعنى ، ولا بأس بذلك . وقال بعضهم : في قوله : { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } : أي : لا ينظر أحد وراءه ، فهو - والله أعلم - لما لعلهم إذا نظروا وراءهم فرأوا ما حلّ بهم : من تقليب الأرض وإرسالها عليهم - لا تحتمل بنيتهم وقلوبهم ؛ فيهلكون أو يصعقون ، ألا ترى أن موسى مع قوته لم يحتمل اندكاك الجبل ، ولكن صعق ؛ فصار مدهوشاً في ذلك الوقت ؛ فهؤلاء أضعف ، وما حلّ بقومهم أشد فَبِنْيَتُهُم أحرى ألا تتحمل ذلك . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } قوله : { وَقَضَيْنَآ } قيل : أوحينا إليه ، كقوله : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ } [ الإسراء : 4 ] : أي : أوحينا إليهم ، وقال بعضهم : [ قوله ] : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ } أي : أنهينا إليه وأعلمناه ، وهو قول الكسائي والقتبي . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } . يحتمل قوله : ذلك الأمر هو ما ذكر : أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ، هذا الذي أوحى إليه وأعلمه . ويحتمل قوله : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } أي : أوحينا إلى محمد صلى الله عليه وسلم : أن ذلك الأمر الذي بلغك مقطوع مصبحين . ويحتمل الوحي إلى لوط على البشارة : أن دابر قومه مقطوع مصبحين . أي : مقطوع نسلهم ، فيه إخبار عن قطع نسلهم ، وفي الخبر عن قطع نسلهم إخبار عن هلاكهم . وقوله - عز وجل - : { أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ } : قال بعضهم : أصل هؤلاء . وقال بعضهم : دابر هؤلاء مقطوع : أي : مستأصلون ، { مُّصْبِحِينَ } : ليس يريد به حين أصبحوا ، وحين بدا طلوع الفجر ، ولكن أراد طلوع الشمس ؛ ألا ترى أنه قال : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } ، وإشراق الشمس : هو ارتفاعها وبسطها في الأرض ، دلّ أنه ما ذكرنا . والله أعلم . والصيحة : تحتمل وجوهاً : أحدها : ذكر الصيحة ؛ لسرعة هلاكهم أي : قدر صيحة . والثاني : أهلكوا بالصيحة ، أو صاح أولئك لما أهلكوا ، والصيحة اسم كل عذاب . وقوله - عز وجل - : { وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } . يحتمل : يُسَرّون بنزول أضيافه ، أو يبشر بعضهم بعضاً ؛ لما رأوا بهم من حسن الهيئة والمنظر ، ورفعة اللباس . وقوله - عز وجل - : { قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ } . يحتمل هذا وجهين : فلا تفضحوني في ضيفي ؛ فإنهم إنما نزلوا بنا على أمن منا ؛ فلا تفضحوني عندهم ، وهو ما قال في آية أخرى : { وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } [ هود : 78 ] ويحتمل : لا تفضحوني في الخلق ، يقولون : إن في أهل بيت لوط يُفعل بالأضياف كذا ، وإنما عرف أهل بيتي عند الخلق بالصلاح والأمن فلا تفضحوني في الخلق ؛ واتقوا الله في صنيعكم بالرجال ، ولا تخزون عند الخلق ؛ قيل : هو من الهوان . ويشبه أن يكون قوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ } أن يكون الإخزاء : هو الفضيحة ، دليله ما ذكر : أن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ؛ فيكون هذا تفسير ذلك . ويحتمل الهوان ، وكذلك قيل في قوله : { إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ } [ النحل : 27 ] أي : الهوان اليوم . وقوله - عز وجل - : { أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } . هذا يدل على أنه قد كان سبق النهي عن إنزال الأضياف ؛ كأنهم قد نهوه عن إنزال الأضياف ؛ لذلك قالوا : { أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } . قال أبو بكر الأصم : يخرج قولهم : { أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } مخرج الاعتذار له ؛ لأنهم كانوا يعظمون الرسل [ - أعني : أقوام الرسل جميعاً - إذ لم يكن من الرسل ] إليهم ، سوى الخلاف في الدين والدعاء إلى دين الله ، فهم وإن كذبوا الحجج التي أتت بها الرسل فقد كانوا يعظمونهم ؛ ألا ترى أنه قال لرسولنا صلوات الله عليه : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ … } الآية [ الأنعام : 33 ] والأول أشبه . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } ، وفي موضع آخر : { هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } [ هود : 78 ] وقد ذكرنا في السورة التي فيها ذكر هود . قال بعضهم : إنما عرض عليهم نساء قومهم ؛ لأنه كالأب لهم على ما ذكر أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهاتهم . وقال بعضهم : في ذكر البنات إخبار منه لهم بنهاية فحش صنيعهم ؛ لأنه يجوز ورود الشرع على بناته لهم ، ولا يجوز حل ذلك بحال . وقوله - عز وجل - : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } . قال الحسن : يقسم الله بما شاء من خلقه ، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله ، وإنما أقسم بحياة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ولم يقسم بحياة غيره وبغيره . وقال بعضهم : قوله : { لَعَمْرُكَ } كلمة تستعملها العرب في أقسامهم ؛ على غير إرادة القسم بحياة أحد . ومنهم من قال : إنما ذلك على التعريض ؛ وأصله : أن الله قد أقسم بأشياء : أقسم بالشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار ، وأقسم بالجبال ، والسماء ، وغيرها من الأشياء التي تعظم عند الخلق ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد أخبره أنه أرسله رحمة للخلق وهدى - أولى أن يعظم بالقسم به ؛ ألا ترى أنه قال : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] فمن كان رحمة للعالم كله أولى أن يعظم من غيره ؛ إذ منافعه أعمّ وأكثر . وقال بعضهم : { لَعَمْرُكَ } : القسم ليس بحياة الرسول ؛ ولكن بدينه ، وهو قول الضحّاك . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } . قال بعضهم : السكرة : الشدة التي تحلّ بهم عند الموت ، شبههم بحيرتهم التي فيهم بسكرة الموت ، يعمهون أي : يترددون . وقال بعضهم : في ضلالتهم وكفرهم ، يعمهون : يتحيرون . وقوله - عز وجل - : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } . قد ذكرنا في غير موضع اختلافهم في الصيحة : قال بعضهم : الصيحة هي العذاب نفسه ؛ أي : أخذهم العذاب . وقال بعضهم : سمي { ٱلصَّيْحَةُ } لسرعة نزوله بهم ، وأخذه إياهم . وقوله - عز وجل - : { مُشْرِقِينَ } . قال بعضهم : أشرقت الشمس : إذا ارتفعت وأنارت ، وشرقت : إذا بزغت ، وهو قول الكسائي . وقال أبو عوسجة : { مُشْرِقِينَ } : أي : إذا أشرقوا ، أي : إذا طلعت الشمس عليهم ، وقد ذكرنا هذا . وقوله - عز وجل - : { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } قد ذكرناه في السورة التي فيها ذكر هود . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } . قال بعضهم : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } : للمتفرسين ؛ من الفراسة ، وروي في ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يرويه أبو سعيد الخدري ؛ قال : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " قال ثم قرأ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } " . فإن ثبت الخبر ، وثبت تلاوة هذه الآية على إثر ما ذكر فهو هو . وقال بعضهم : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } : المعتبرين . وقيل : المتفكرين . وقيل : الناظرين . ذكروا أنه آية للمعتبرين ، ولكن لم يبينوا من أي وجه يكون آية لمن ذكر ؛ فيحتمل وجوهاً : أحدها : آية للمتوسمين : للمعتبرين لرسالته ؛ لأنه ذكر قصة إبراهيم ولوط - على ما كان - وهو لم يشهدها ؛ فذلك يدل على صدقه وآية لرسالته . والثاني : آية لصدق خبر إبراهيم ، وصدق لوط ؛ لأنهم كانوا يخبرون قومهم أن العذاب ينزل بهم ، وغير ذلك من الوعيد ، فيدل ذلك على صدق خبر الأنبياء عليهم السلام في كل ما يخبرون . والثالث : في هلاك من أهلك منهم ؛ ونجاة من أنجى منهم - آية لمن ذكر ، من هلك منهم هلك بالتكذيب ، ومن نجا منهم نجا بالتصديق ؛ فيكون لهم آية . والرابع : قد بقي من آثار من هلك منهم آية ؛ فيكون هلاكهم آية لمن ذكر . وأصل هذا أن الله ذكر : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } : أي : المؤمنين المتقين ، والاعتبار والتفكر للمؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون . قال : والمتوسم : هو الذي يعمل بعلامة ، وكذلك المتفرس : هو الذي يعمل بعلامة في غيره ، [ ينظر في غيره ] : بأن هلاكه بم كان ؟ فينزجر عن صنيعه ويتعظ به ، وهو كالمتفقه الذي يعمل بالمعنى . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } . أي : طريق دائم لا يزول ، يعلم أن في ذلك لآية للمؤمنين ؛ وهو ما ذكرنا أن الآية تكون للمؤمن . والله أعلم . ذكر في الآية الأولى : { ٱلآيَاتُ } لأنه أنبأ إبراهيم وقصته ، وقصة قوم لوط ؛ ففي ذلك آيات لمن ذكر . وذكر في هذه الآية : { لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } ؛ لأنه ذكر شيئاً واحداً ؛ وهو السبيل .