Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 78-84)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } . أي : وقد كان أصحاب الأيكة لظالمين . والأيكة : ذكر أنها الغيضة من الشجر ؛ وهي ذات آجام وشجر ، كانوا فيها فبعث إليهم شعيب وهم في الغيضة . وذكر [ بعض ] أهل التأويل : أن شعيباً بعث إلى قومين : إلى أهل غيضة مرة ، وإلى أهل مدين مرة ؛ على ما ذكر : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } [ العنكبوت : 36 ] وقال في آية [ أخرى ] : { كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } [ الشعراء : 176 - 177 ] . وقوله : { وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } سمى الله تعالى الكفرة بأسماء مختلفة : سماهم مرة ظالمين ، ومرة [ فاسقين ، ومرة مشركين ] ، واسم الظلم قد يقع فيما دون الكفر والشرك ، وكذلك اسم الفسق يقع فيما دون الكفر والشرك ، ثم الكفر لم يقبح لاسم الكفر ، وكذلك الإيمان لم يحسن لاسم الإيمان ؛ إذ ما من مؤمن إلا وهو يكفر بأشياء ويؤمن بأشياء ؛ قال الله تعالى : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ } [ البقرة : 256 ] المؤمن يكفر بالطاغوت وبالأصنام ؛ التي كان أهل الكفر عبدوها ، وكذلك الكافر يؤمن بأشياء ويكفر بأشياء : يؤمن بالأصنام ويكفر بالله ؛ فثبت أن الكفر لاسم الكفر - ليس بقبيح ، وكذلك الإيمان لاسم الإيمان - ليس بحسن ، ولكن إنما حسن ؛ لأنه إيمان بالله ، والكفر إنما قبح ؛ لأنه كفر بالله . وأما الظلم : فهو لاسم الظلم قبيح ، وكذلك الفسق لاسم الفسق قبيح ؛ فسماهم بأسماء هي لاسمها قبيحة ، لكن الإيمان المطلق هو الإيمان بالله ، والكفر المطلق هو الكفر بالله ، وإن كان يسمى بدون الله كفراً وإيماناً ؛ كما قلنا : الكتاب المطلق كتاب الله ، والدين المطلق دين الله ؛ وإن كان اسم الكتاب والدين يقع على ما دونه . وقوله - عز وجل - : { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } . ذكر الانتقام منهم ؛ ولم يذكر هاهنا بِمَ كان الانتقام ، وقال في آية أخرى : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } [ الأعراف : 78 ] وقال في آية أخرى : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } [ الحجر : 73 ] وقال في آية أخرى : { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } [ الشعراء : 189 ] فيحتمل أن يكون الرجفة لقوم ؛ والصيحة لقوم ؛ وعذاب يوم الظلة لقوم منهم ، أو كان كله واحداً ؛ فسماها بأسماء مختلفة ، وليس لنا إلى معرفة ذلك العذاب حاجة - سوى ما عرف أنهم إنما أهلكوا أو عذبوا بالتكذيب ؛ ليكون ذلك آية لمن بعدهم ؛ ليحذروا مثل صنيعهم . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } للرسل ؛ كما انتقمنا من قوم لوط للوط ؛ بسوء صنيعهم ، وسوء معاملتهم إياه ، فعلى ذلك ننتقم من أهل مكة لمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ بسوء صنيعهم ، ومعاملتهم إياه ، وقد كان ما نزل بأصحاب الأيكة كفاية مزجر لهم ، وعظة لا يحتاج إلى ذكر ما نزل بقوم لوط . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُمَا } قال بعضهم : يعني قوم لوط ، وقوم شعيب . وقوله : { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } : أي : طريق مستبين ؛ أي : بين هلاكهم . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } ، { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } - واحد ؛ أي : بيّن واضح آثارهم من سلك ذلك الطريق ؛ أو دخل قراهم ومكانهم - لاستبان له آثار هلاكهم ؛ وما حل بهم . وقوله : { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } : أي : طريق يُؤمّ ، ويقصد ؛ بيّن واضح . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } . قال أهل التأويل : أصحاب الحجر : هم قومُ صالحٍ ثمودُ ، وقالوا : الحجر : هو اسم واد . وقيل : هو اسم القرية على شط الوادي ؛ نسبوا إليه . وقوله : { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } قال أهل التأويل : يعني بالمرسلين [ ولم يذكر ] ؛ صالحاً وحده ، لكن ذكر المرسلين ؛ لأن صالحاً كان يدعوهم إلى ما كان دعا سائر الرسل ، فإذا كذبوه فكأن قد كذبوا الرسل جميعاً ؛ إذ كل رسول كان يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعاً ، فإذا كذب واحد منهم - فقد كذب الكل . والله أعلم . وقوله : { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } . تحتمل الآيات : آيات وحدانية الله وحججه ، ويحتمل : جميع الآيات : آيات الوحدانية ، وحججه ، وآيات رسالتهم . { مُعْرِضِينَ } : أي : لم يقبلوها ؛ فإذا لم يقبلوها - فقد أعرضوا عنها ؛ [ أو أعرضوا عنها ] ، أي : كذبوها . وقوله - عز وجل - : { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } . يحتمل آمنين عما وعدهم صالح من عذاب الله ؛ حيث قالوا : { يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف : 77 ] كانوا آمنين عن ذلك . وقال بعضهم : كانوا آمنين عن أن يقع عليهم ما نحتوا لحذاقتهم ، وهو ما قال : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } [ الشعراء : 149 ] على تأويل بعضهم : حاذقين . وقوله - عز وجل - : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } يحتمل : أخذتهم ظاهرة بالنهار . وقوله - عز وجل - : { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } . يحتمل قوله : { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } : أي : ما كانوا ينحتون ، لا يغنيهم من عذاب الله من شيء . ويحتمل : فما أغنى عنهم ما عملوا من عبادة الأصنام والأوثان ؛ حيث قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ولقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] أي : لم يغنهم ما عبدوا من عذاب الله . أو يقول : ما أغنى عنهم ما متعوا وأنعموا في هذه الدنيا ؛ في دفع عذاب الله عن أنفسهم ؛ كقوله : { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ … } الآية [ الأحقاف : 26 ] أي : وإن أعطوا ما ذكر ؛ من السمع ، والبصر ، والأفئدة ، إذا لم ينظروا ولم يتفكروا في آيات الله فجحدوها .