Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 120-124)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عزّ وجلّ - : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً } . قال عبد الله بن مسعود : الأمة : الذي يعلم الناس الخير ، والقانت : المطيع لله . وقال بعضهم : أمة قانتاً ، أي : مؤمناً وحده والناس كلهم كفار . وقال بعضهم : كان أمة ، أي : إماماً يقتدى به [ في كل خير ؛ كقوله : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } [ البقرة : 124 ] . وقال الحسن : كان أمة ، أي سنة يقتدى به ] . ويحتمل أن يكون سماه : أمّة ، لما كان كالأمّة والجماعة من القيام مع الأعداء ؛ لأنه ، وإن كان منفرداً وحده ، فكان قيامه مع الأعداء والأكابر منهم كالجماعة والأمة ، والممتنع عنهم كالمتفرد . وأصل الأمة ؛ قيل : الجماعة والعدد . ويحتمل قوله : { إِكَانَ أُمَّةً } ، أي : مجمع كل خير وكل طاعة ؛ لما عمل هو من الخير عمل الجماعة ، واجتمع فيه كل خير ؛ فسميّ أمّة لهذا الذي ذكرنا ، أو أن يكون تفسير الأمة ما ذكر على أثره : { قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } ، والقانت ، قيل : المطيع ، والقنوت [ هو القيام ] - كما ذكر - " أنه سئل عن أفضل الصلاة ؛ فقال : " طولُ القُنُوتِ " ؛ أي : طول القيام ؛ فعلى هذا : المعنى : هو القائم لله في كل ما يعبده وأمره به . وقيل : { أُمَّةً } ، أي : ديناً ؛ لقوله : { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ الأنبياء : 92 ] ، اي : دينكم ديناً واحداً . وقوله - عز وجل - : { حَنِيفاً } . قيل : الحاج ، وقيل : الحنيف : المسلم ، وقيل : المخلص ، وفيه كل ذلك : كان حاجّاً مسلماً مخلصاً لله ، وأصل الحنف : الميل ، أي : كان مائلاً إلى أمر الله وما يعبده به ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } . لا شك أنه لم يكن من المشركين ، لكنه ذكر هذين الوجهين . أحدهما : لما ادعى كل أهل الأديان أنهم على دينه وانتسب كل فرقة إليه فبرّأه الله من ذلك ، وأخبر أنه ليس على ما هم عليه من الدين ؛ وهو ما قال : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً … } الآية [ آل عمران : 67 ] . والثاني : ذكر هذا : أنه لم يكن من المشركين بقوله : { هَـٰذَا رَبِّي } [ الأنعام : 77 ] ؛ لأنه هو كان ذلك عنه على ظاهر ما نطق : كان ذلك في الظاهر إشراكاً ، ففيه مشبه في ظاهره ؛ فبرأه الله عن ذلك وأخبر أن ذلك منه لم يكن إشراكاً ، ولكن على المحاجة خرج ذلك منه محاجة قومه ؛ لقوله : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } [ الأنعام : 83 ] ، والله أعلم . وقوْله - عز وجل - : { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ } . أي : لم يصرف شكر نعمه إلى غير المنعم ، بل صرف شكرها إلى منعمها ، والشكر في الشاهد هو المكافأة ، ولا يبلغ أحد من الخلائق في المرتبة التي يكافئ الله في أصغر نعمة أنعمها عليه ، ولا يتفرغ أحد عن أداء ما عليه من إحسان الله عليه فضلاً أن يتفرغ لمكافأته ؛ لكن الله - عز وجل - بفضله ومنّه سمىّ ذلك شكراً ، وإن لم يكن في الحقيقة شكراً ؛ كما ذكر الصدقة التي تصدّق بها العبد إقراضاً كما سمى تسليمه لنفسه وبذله الأمر لله - شراء ، وإن كانت أنفسهُم وأموالهم في الحقيقة - له ، ولا يطلب المرء في العرف القرض من عبده ، وكذلك شراء ؛ لكنّه بلطفه [ وفضله ] عامل عباده معاملة من لا ملك له في أنفسهم وأموالهم ؛ فعلى ذلك في تسمية الشكر ؛ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱجْتَبَاهُ } . قال بعضهم : لرسالته ونبوته ، واجتباه من بين ذلك القوم وجعله إماماً يقتدى به . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . وهو دين الإسلام ، وهو ما ذكر : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً … } الآية [ الأنعام : 161 ] . وقوله - عز وجل - : { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } . قال بعضهم : الثناء الحسن ، وقال بعضهم : الحسنة في الدنيا ؛ لأن جميع أهل الأديان يتولّونه ويرضونه . ويحتمل أن يكون قوله : { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } ، أي : ما آتاه الله - لم يؤته إلا حسنة ؛ على ما ذكر في قوله : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } [ البقرة : 201 ] - أي : ما آتيتناه في الدنيا ، آتنا كلها حسنة ؛ لأن قوله : { حَسَنَةً } إنما هي اسم حسنة واحدة أو أن يكون { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } عند قبض روحه ، أي : على الحسنة قبض روحه . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . أي : لم ينقص ما آتاه في الدنيا عما يؤتيه في الآخرة ، وقال بعضهم في قوله : { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } : النبوة والرسالة ، أو أن يقال : إنّه لم يبين الحسنة التي أخبر أنه آتاها إياه ؛ لكنه خصّ به كما هو خص في قوله : اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم . قد كان من إبراهيم معنى ؛ حتى خص الله إبراهيم به من بين غيره ؛ فذلك الأوّل ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - : { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } . أي : دين إبراهيم وسبيله ، وذكر في بعض الأخبار عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال جبريل - عليه السلام - إلى إبراهيم - صلوات الله على نبينا وعليه - يوم التروية ، فراح به إلى منى فعلمه المناسك كلها ، وأراه أباه ، فأوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم : { أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } ؛ فنحن أمرنا أن نتبع ملّته في الحج وفي غيره . وأصل الملّة : الدّين ، والله أعلم ؛ كقوله : " لا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَينِ " ، أي : أهل دينين . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } . قال بعضهم : اختلافهم ؛ وذلك أن موسى - عليه السلام - أمر بني إسرائيل أن يتفرغوا في كل سبعة أيام يوماً للعبادة ، وهو يوم الجمعة ، وينزعوا فيه عمل دنياهم ؛ فقالوا : نتفرغ يوم السبت ؛ فإن الله لم يخلق يوم السبت شيئاً ؛ فقال فريق منهم : انظروا إلى ما يأمركم نبيّكم ؛ فخذوا به ، فذلك اختلافهم ؛ فجعل لهم يوم السبت على ما سألوا ، فاستحلوا فيه المعاصي ؛ فحرم الله عليهم العمل فيه ؛ عقوبة لهم . وقال الحسن وقتادة : { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ } ، أي : إنما لعن في السبت ؛ فمسخوا قردة { ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } ، وكان اختلافهم أنه حرمه بعضهم ، واستحله بعضٌ . وقال أبو بكر : اختلافهم كان في تكذيب الرسل والأنبياء فمنهم من صدق ، ومنهم من كذب ؛ فحرم عليهم يوم السبت ؛ عقوبة [ لهم ] ؛ أو أن يكون اختلافهم ما سألوا موسى من الآيات العجيبة والأسئلة الوحشة ؛ كقولهم : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ البقرة : 55 ] ، وكقوله : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] ، ونحوه بعدما أقام عليهم من الآيات ما كانت لهم فيها كفاية فيشبه أن يكون اختلافهم الذي ذكر ذلك . وقوله : { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } : يخرج على وجهين : أحدهما : ( إنما جعل محنة السبت على الذين اختلفوا فيه ) ، أي : على الذين فسقوا فيه ؛ حيث قال : { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [ البقرة : 59 ] . والثاني : إنما جعل عقوبة السبت على الذين اعتدوا فيه دون الذين اختلفوا فيه ؛ لأن فريقاً منهم قد نهوهم عن ذلك ، وفريقاً قد اعتدوا ؛ فأهلك الذين اعتدوا دون الذين نهوهم . وقوله : { ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } : يحتمل فيه ، أي : في موسى ، أو في يوم السبت الذي اختلفوا فيه وعوقبوا فيه ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } . يحكم بينهم بالجزاء ، ويحكم بما بين لهم المحق من المبطل : [ لكن لو قيل : قد بين في الدنيا : بين المحق من المبطل ؛ حيث أهلك ] فريقاً ؛ وأنجى فريقاً ؛ فكيف قال : يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون ؟ لكن يشبه أن يكون ذلك بالجزاء على ما ذكرنا .