Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 19-23)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : ذكر هذا ليكونوا أيقظ وأحذر ؛ لأن في الشاهد من يعلم أن عليه رقيباً حافظاً بما يفعل ، كان هو أرقب وأحفظ لأعماله ، ويكون أحذر ممن يعلم أنه ليس عليه حافظ ولا رقيب . والثاني : يعلم ما تسرّون من المكر برسول الله ، والكيد له من القتل ، والإخراج ، وغير ذلك [ أي : يعلم ذلك ] كله منكم ، ما أسررتم وأعلنتم ، وهو يخرج على نهاية الوعيد والتعيير ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يحتمل يدعون : أي : يسمونها : آلهة ، وربما كانوا يدعونهم عند الحاجة . ويحتمل { يَدْعُونَ } : يعبدون ؛ أي : الذين يعبدون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ؛ فهذا يرجع إلى الأوّل ؛ أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟ وقوله - عز وجل - : { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ … } [ الآية ] . يحتمل المراد بقوله : { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ } : الذين عبدوا الأصنام والأوثان وجميع من كفر بالله ؛ هم أموات غير أحياء ؛ لأن الله تعالى سمَّى الكافر في غير آي من القرآن ميّتاً ؛ فيشبه أن يكون قوله : { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ } أيضاً . { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } . أي : يشعرون حين يبعثون ، أي : لو شعروا هذا في الدنيا ما شعروا في الآخرة ؛ لم يعلموا ما عملوا . ويحتمل قوله : { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ } : الأصنام التي عبدوها ؛ هن أموات غير أحياء . قال بعضهم : أموات لأنها لا تتكلم ، ولا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تنفع ، ولا تضرّ ؛ كالميت { غَيْرُ أَحْيَآءٍ } : أي : ليس فيها أرواح ينتفع بها كالبهائم والأنعام ، ويكون قوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } راجعاً إلى الذين عبدوا الأصنام ؛ لأنها لا تشعر أيان يبعثون ، وهم يعلمون أنها لا تشعر ذلك ؛ لكن هم يشعرون حين يبعثون . وقال بعضهم : قوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } يبعث الآلهة والذين عبدوها جميعاً ؛ كقوله : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [ يونس : 28 ] وقوله : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ الصافات : 22 - 23 ] قال بعضهم : يحشر أولئك الذين عبدوا الأصنام ، { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } : أي : حين يبعثون ، ولو شعروا ذلك في الدنيا ما فعلوا [ ما فعلوا ] وإن كان قوله : { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } راجعاً إلى الملائكة والملوك الذين عبدوا دون الله يكون تأويل قوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } : أي : لا يشعرون وقت يبعثون ، وإن كان راجعاً إلى الأصنام ، فقوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } : أي : لا يشعرون أنهم يبعثون ، لا يحتمل أن يكون قوله : { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أن يقال [ ذلك ] في الأصنام ؛ لأن أولئك يعلمون أنهم لا يخلقون ، وإنما يقال ذلك في الأصنام : لا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تنفع ، فدل أن ذلك راجع إلى الملائكة والذين عبدوهم . وقوله - عز وجل - : { إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ } . قد ذكرنا فيما تقدم ما يبين إبطال ما كانوا يعبدون ، وما لا يليق بأمثالها العبادة لها ؛ ونصبهم آلهة ثم ذكر ما يبين جعل الألوهية والربوبية أنه لواحد ، وأنه هو المستحق لذلك دون العدد الذي عبدوها ؛ فقال : إلهكم إله واحد لا العدد الذي عبد أولئك . وقوله - عز وجل - : { فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ } . يحتمل قوله : { قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ } : أي : منكرة للإيمان بالآخرة والبعث بعد الموت . أو قلوبهم منكرة لجعل الألوهية والربوبية لواحد وصرف العبادة إليه ؛ كقولهم : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : 5 ] . ويحتمل قوله : { قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ } لما جاء به الرسول ، وهم مستكبرون على ما جاء به من الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } يحتمل مستكبرون على رسول الله ، لم يروه أهلا لخضوع أمثالهم لمثله ، أو مستكبرون إلى ما دعتهم الرسل ؛ لأن الرسل جميعاً دعوا الخلق إلى وحدانية الله وجعل العبادة له . وقوله - عز وجل - : { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } . يحتمل قوله : { مَا يُسِرُّونَ } : من المكر برسول الله ، والكيد له ، { وَمَا يُعْلِنُونَ } من المظاهرة عليه . أو يعلم ما يسرّون من أعمالهم الخبيثة التي أسروها و [ ما ] أعلنوها ، يخبر أنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ؛ أسرّوا أو أعلنوا . وقوله : { لاَ جَرَمَ } قال الأصم : { لاَ جَرَمَ } : كلمة تستعملها العرب في إيجاب تحقيق أو نفي تحقيق ؛ كقولهم : حقّاً ، ولعمري ، وايم الله ، ونحوه . وقال الحسن : هو كلمة وعيد . وقال بعضهم : لا جرم ، وحقّاً ، وبلى ، ولا بدّ ، كلّه في الحاصل : يرجع إلى واحد ، وهو وعيد ؛ لأن قوله : { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } وعيد . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ } . لأنه لا يحبّ الاستكبار ، ولا يليق لأحد من الخلائق أن يتكبر على غيره من الخلق ؛ لأن الخلق كلهم أشكال وأمثال ، ولا يجوز لكل ذي [ مثل وشكل ] أن يتكبر على شكله [ ومثله ] ؛ لأن تكبّر بعضهم على بعض كذب وزور ؛ إذ جعل كلهم أمثالا وأشكالا ، لذلك كان زوراً وكذباً ، و قد حرم الله الكذب والزور ، وجعله قبيحاً في العقول .