Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 24-29)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } . أي : قال الأتباع للرؤساء : ماذا أنزل ربكم ؟ قال الرؤساء : أنزل أساطير الأولين ، [ أو يخرج على الإضمار ، كأنهم قالوا لهم : ماذا يقول إنه أنزل ربكم عليه ؟ فقالوا عند ذلك : أساطير الأولين ، وإلا لا يحتمل أن يكون ذكروا أساطير الأولين ] جواب سؤالهم : ماذا أنزل ربكم ؟ مفرداً ؛ لأنهم كانوا يقرون بالله بقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ؛ فلا يحتمل أن يكونوا إذا سئلوا ماذا أنزل ربكم ؛ فيقولون : أساطير الأولين إلا أن يكون في السؤال زيادة قول ، أو في الجواب إضمار ؛ فيكون - والله أعلم - كأنه قال : وإذا قيل لهم : ماذا يزعم هذا أنه أنزل عليه ربكم ؟ قالوا عند ذلك : إنه يقول : أساطير الأولين ؛ كقوله : { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } [ الحجر : 6 ] أي : قالوا : يا أيها الذي يزعم أنه نزل عليه الذكر . أو يكون قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ } فقالوا : لم ينزل الله شيئاً إنما يقول أساطير الأولين ، ومثل هذا يحتمل أن يكون . وقوله : { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } قال أبو عوسجة : أحاديث الأولين والواحد أسطور ، وهي الأحاديث المختلقة ؛ كقوله : { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } [ ص : 7 ] ؛ أي : لا أصل له ؛ وأصله الكذب . وهكذا عادة أولئك الكفرة يقولون للأنباء : أساطير الأولين ، وكانوا ينسبون ما يقرأ عليهم إلى السحر ، ولو كان في الحقيقة سحراً أو أحاديث الأولين كان دليلا له . أو قالوا ذلك على الاستهزاء [ له ] ، وذلك جائز أن يخرج قولهم ذلك على الاستهزاء . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : [ أنه يحتمل : ] أنهم يحملون أوزارهم كاملة ؛ يعني الذين قالوا للرسل : أساطير الأولين ، ومن أوزار الذين يقلدون رسلهم ، ووفدهم الذين بعثوا عن السؤال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فحملوا أوزار أنفسهم ؛ وأوزار [ الرسل وأوزار ] الذين يقلدون الرسل ويقتدون بهم بغير علم ؛ لأنهم لم يعلموا أن أولئك يقتدون بالرسل فيضلون ، وهم وإن لم يعلموا فذلك عليهم ؛ لأنهم هم الذين سنوا ذلك ؛ وهو كما روي : " من سَنَّ سنّة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " ويحتمل : ليحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين طمعوا الإسلام ؛ إذا أسلموا سقط تلك الأوزار عنهم . وقوله : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ } : هم لم يفعلوا ما فعلوا ليحملوا أوزارهم ، ولكن معناه - والله أعلم - أي : ليصيروا حاملين لأوزارهم والذين أضلّوهم . وقوله - عز وجل - : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } يحتمل { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : بسفه . { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } أي : ساء ما يحملون . وقوله : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : لم يعلموا أن تصير أوزارهم عليهم ، أو لم يعلموا ما يلحق بهم . وقوله - عز وجل - : { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } . لم يزل كانت عادة الكفرة بالمكر برسل الله ؛ والكيد لهم ، وكذلك مكر كفار مكة برسول الله ، يذكر هذا - والله أعلم - لرسول الله ليصبره على أذاهم إياه ؛ كما صبر أولئك على مكر قومهم وترك مكافأتهم إياهم ؛ كقوله : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] . ثم مكرهم الذي ذكر كان يخرج على وجهين : أحدهما : فيما جاءت به الرسل ؛ كانوا يتكلفون تلبيس ما جاءت به الرسل على قومهم . والثاني : يرجع مكرهم إلى أنفس الرسل ؛ من الهم بقتلهم وإخراجهم من بين أظهرهم ؛ ونحوه ، فخوف بذلك أهل مكة بصنيعهم لرسول الله ؛ أن ينزل بهم كما نزل بأولئك الذين مكروا برسلهم ؛ لئلا يعاملوه بمثل معاملة أولئك رسلهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } . قال الحسن : هذا على التمثيل بالبناء الذي بني على غير أساس ؛ ينهدم ولا يعلم من أي : سبب انهدم ، فعلى ذلك مكرهم يبطل ويتلاشى ؛ كالبناء الذي بني على غير أساس ويشبه أن يكون على التمثيل من غير هذا الوجه ؛ وهو أنهم قد مكروا وأحكموا مكرهم بهم ؛ فيتحصنون بذلك ؛ كالبناء الذي يتحصن به ؛ فأبطل الله مكرههم ؛ كقوله : { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً … } الآية [ النمل : 50 ] ، وقوله : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ … } الآية [ آل عمران : 54 ] . وقوله - عز وجل - : { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } . هو ما ذكرنا من إبطال مكرهم الذي به كانوا يتحصنون ؛ كوقوع السقف الذي به يتحصن من أنواع الأذى والشرور . ويحتمل على التحقيق ؛ وهو ما نزل بقوم لوط ؛ من الخسف ، وتقليب البنيان ، وإمطار الحجر عليها . وأما ما ذكر بعض أهل التأويل : من الصرح [ الذي ] بنى نمرود وبنيانه ، ووقوعه عليهم ؛ فإنا لا نعلم ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } . كذلك كان يأتي العذاب الظلمة الكذبة ؛ من حيث لا علم لهم بذلك ؛ كقوله : { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً … } الآية [ الأعراف : 95 ] وقوله : { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ } [ النحل : 26 ] هو من الإتيان ، ومعلوم أنه لا يفهم من إتيانه الانتقال من مكان إلى مكان ، ولكن إتيان عذابه ، أضيف إليه الإتيان ؛ لما بأمره يأتيهم ، ومنه [ … ] ، فعلى ذلك لا يفهم من قوله : { وَجَآءَ رَبُّكَ } [ الفجر : 22 ] ، وقوله : { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ … } الآية [ البقرة : 210 ] إتيانُ الانتقال ومجيئه من مكان إلى مكان ، وقد ذكرنا هذا وأمثاله في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ } . أخبر أنه يخزيهم يوم القيامة بعد ما عذبهم في الدنيا ؛ بقوله : { وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } . وقوله : { يُخْزِيهِمْ } : قال أهل التأويل : يعذبهم ، وكأن الإخزاء هو الإذلال ، والإهانة ، والفضح ، يذلهم ، ويهينهم ، ويفضحهم في الآخرة ؛ مكان ما كان منهم من الاستكبار ، والتجبر على النبي وأصحابه ، وكذلك قوله : { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ التحريم : 8 ] أي : لا يذلهم ، ولا يهينهم ؛ لتواضعه للمؤمنين ، وخفض جناحه لهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } أي : تعادون أوليائي فيهم ، أو تعادونني فيهم . وقوله : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } ليس له بشركاء ؛ ولكن أضاف إلى نفسه : شركائي ؛ على زعمهم في الدنيا أنها شركاؤه ، وكذلك قوله : { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } [ الصافات : 91 ] أي : إلى ما في زعمهم ؛ وتسميتهم إياها آلهة . وقوله - عز وجل - : { كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } أي : كنتم تخالفون فيهم وتعادون ؛ أي : تخالفون المؤمنين في عبادتهم إياها ؛ لأنهم يقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، وهم شفعاؤنا عند الله ، ونحوه ، كانوا يخالفون المؤمنين ، وكانوا يشاقّون في ذلك ؛ إلا أنه أضاف ذلك إلى نفسه لأنهم أولياؤه ، وأنصار دين الله ، وأضاف إليه المخالفة والمشاقّة لأنهم خالفوا أمر الله . وقوله : { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } . قال أهل التأويل : الذي أوتوا العلم الملائكة الكرام الكاتبون ، [ لكن ] هم وغيرهم من المؤمنين محتمل . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } أي : الذل والهوان والافتضاح وكل سوء على الكافرين هكذا يقابل كل معاند ومكابر في حجج الله وبراهينه مكان استكبارهم وتجبرهم في الدنيا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ } . قال الحسن : تتوفاهم الملائكة من بين يدي الله يوم الحساب إلى النار . وقال بعضهم : تتوفاهم الملائكة - وقت قبض أرواحهم - ظالمي أنفسهم بالشرك والكفر بالله . وعلى تأويل الحسن : يكون قوله : { ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } في الدنيا ، ويجوز أن يوصفوا بالظلم في الآخرة أيضاً ؛ بكذبهم فيها في قولهم : { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } وقولهم : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] وأمثاله من الكذب ؛ حيث ينكرون الإشراك في ألوهية الله وعبادته ، كأن هذا الإنكار والكذب منهم في أول حالهم ، ظنّاً منهم أن ذلك ينفعهم ، فإذا لم ينفعهم إنكارهم طلبوا الرد إلى الدنيا ، أو إلى حال الأمن ؛ ليعملوا غير الذي عملوا ؛ كقولهم : { أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } [ الأعراف : 53 ] فإذا لم يردّوا وأيسوا عن ذلك ؛ فعند ذلك أنطق الله جوارحهم ؛ حتى تشهد عليهم بما كان منهم فعند ذلك يقرون ، ويعترفون بذنوبهم ؛ كقوله : { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } [ الملك : 11 ] . وقوله - عز وجل - : { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } قال بعضهم : يسلمون ويستسلمون لأمر الله ، ولكن لو كان ما ذكروا لم يكونوا ينكرون عمل السوء ، كقولهم : ما كنا نعمل من سوء . وقال بعضهم : { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } : هو الاستخزاء ، والخضوع والتضرع . ويشبه أن يكون قوله : { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } عند الموت يؤمنون عند معاينة ذلك ، أو سلموا عليهم في الآخرة على ما رأوا في الدنيا المؤمنين يسلم بعضهم على بعض . وقوله - عز وجل - : { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } في الآخرة ، والله أعلم بذلك ، فأكذبهم الله في قولهم : { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } ؛ فقال : { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } هذا وعيد يخبر ألا يجوز كذبهم في الآخرة ، ولا يحتمل كما جاز في الدنيا ؛ ولم يظهر . وقوله - عز وجل - : { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } وقوله : { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } أي : بئس مقام المتكبرين الذين تكبروا على دين الله ، أو تكبروا على ما جاء به الرسل من الله ، وما أنزل الله عليهم .