Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 79-83)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ } . أي : من قدر على إمساك الطير ، وهي أجسام كغيرها من الأجسام في الهواء بلا إعانة في الأسفل ولا تعلق بشيء من الأعلى ، لقادر على إنشاء الخلق وإعادتهم بعد الفناء . أو يقول : أو لم يروا إلى اللطف الذي جعل في الطير ، والحكمة التي أنشأ فيها حتى قدرت على الاستمساك في الهواء ، والطيران في الجو : ما لو اجتمع الخلائق جميعاً أن يدركوا ذلك اللطف أو تلك الحكمة - ما قدروا على إدراكه . وفي ذلك نقض قول المعتزلة ؛ لأن الطيران فعل الطير ، ثم أضاف ذلك إلى الله حيث قال : { مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ } : دلّ ذلك أن لله في ذلك صنعاً وفعلاً . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأََيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . جميع ما ذكر يكون آية لمن آمن ؛ لأنه هو المنتفع . قال أبو عوسجة : لمح البصر : سرعة النظر ، وجوّ السماء : هواؤها ، ويقال : بطن السماء ، ويقال : جوف السماء ، ويقال : الجوّ : ما اطمأن من الأرض . والأوّل أشبه . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } . ظاهر هذا أنه قد جعل لنا من البيوت - أيضاً - ما ليس بسكن ؛ لأنه قال : { جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } ، وهو ما ذكر في قوله : { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } [ النور : 29 ] : وهو كالمساجد والرباطات وغيرها . ويشبه أن يكون ذكر هذا ؛ ليعرفوا عظيم مننه ونعمه ، حيث جعل الأرض بمحل يقرّون عليها ويمكن لهم المقام بها ؛ بالرواسي التي ذكر أنه أثبت فيها بعدما كانت تميد بهم ولا تقر بها ، أخبر أنه [ جعل ] فيها رواسي أو أن يكون حرف ( من ) صلة ، أي : جعل لكم بيوتاً تسكنون فيها . ثم قوله : { جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } يحتمل وجهين : أحدهما : أي : سخر لكم الأرض حتى قدرتْم على اتخاذ المساكن فيها تسكنون . أو جعل لكم بيوتاً ، أي : علمكم تسكنون فيها . ثم قوله : { جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } : أي [ علمكم ] ما تبنون فيها من البيوت ما لولا تعليمه إياكم ما تقدرون على بناء البيوت فيها ؛ يذكر مننه عليهم ، والله أعلم . وفي هذه الآيات في قوله : { جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } . ونحوه : دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنه ذكر أنه جعل بيوتاً سكناً ، والسكن فعل العباد ؛ دلّ أنّ لله في فعلهم صنعاً . { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } ، قال أهل التأويل : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } ، أي : من صوفها ، لكنه أضافها إلى الجلود ؛ لما من الجلود يخرج ، ومنها يجزّ ويؤخذ ، وهو ما ذكر . { وَمِنْ أَصْوَافِهَا } : وهو صوف الغنم . { وَأَوْبَارِهَا } : وهو صوف الإبل . { وَأَشْعَارِهَآ } : ما يخرج من المعز . { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } : قيل : ليوم سفركم وسيركم . { وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } : قال بعضهم : في المصر . وقال بعضهم : في السفر حين النزول . والجعل في هذا يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا في قوله : { جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } : أحدهما : على التسخير لهم ، والثاني : على التعليم . ذكر - عز وجل - في البيوت المتخذة من المدر السكني ؛ حيث قال : { مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } ، ولم يذكر في البيوت المتخذة من الجلود والأوبار والأشعار ؛ فكأنه ترك ذكره في هذه ، الذكر في الأول ذكر تصريح ، وذكر في الثاني ذكر دلالة . وقوله - عز وجل - : { أَثَاثاً } قيل : الأثاث والرياش : واحد ، وهو المال . وقيل : ما يتخذ من الثياب والأمتعة . وقوله - عز وجل - : { وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } . [ يحتمل إلى حين ] إلى وقت بِلَى ذلك الأثاث ، أو إلى حين وقت فنائهم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً } . يحتمل قوله : { ظِلاَلاً } البيوت التي ذكر وهي تظلهم ، ويحتمل الأشجار . { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } . وهي الغِيرَان والبيوت التي تتخذ في الجبال ؛ تقيهم من الحرّ والبرد . { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } . قيل : القميص والدروع ، ثم ذكر أن ما ذكر من البيوت والأكنان والسرابيل تقيكم الحرّ ، وتقيكم أيضاً بأس العدو . { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } . [ على ] ما ذكر من أنواع النعم . وقوله - عز وجل - : { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } . ذكر أنها تقي من الحر ، وهي تقي الحرّ والبرد جميعاً ؛ فكان في ذكر أحدهما ذكر الآخر ذكر كفاية . وقوله : { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } . أي : كذلك يتم [ ذكر ] نعمته عليكم ؛ ليلزمهم الإسلام أو حجته ، ثم يحتمل النعمة على ما تقدم ذكره ، ويحتمل : الرسول . وقوله - عز وجل - : { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } . جميع ما ذكر من النعم والآيات في هذه السّورة من أوّلها إلى آخرها ؛ إنما ذكر لهذا الحرف ، وهو قوله : { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } . وما ذكر { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } و { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } : يحتمل أن يكون هذه الأحرف كلها واحداً ، ويحتمل أن يكون لكل حرف من ذلك معنى غير الآخر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } . عن الإجابة لك وعما تدعوهم إليه . { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } . أي : ليس عليك إجابتهم ، إنما عليك التبليغ إليهم والبيان لهم . وقوله - عز وجل - : { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } . يحتمل النعمة - هاهنا - محمداً صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفونه [ لكنهم أنكروه ؛ كقوله ] : { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } [ البقرة : 146 ] ، وما ذكر : { يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [ الأعراف : 157 ] . ويحتمل : { نِعْمَتَ ٱللَّهِ } : يعرفون نعمة الله ، وهو ما ذكر عرفوها أنها من الله { ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } ؛ بعبادتهم الأصنام ، وصرفهم شكرها إلى غيره ، كقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزخرف : 87 ] ، مع ما يعرفون : أن الله هو خالقهم ، وأن ما لهم كله من عند الله يعبدون الأصنام ؛ فتكون عبادتهم دون الله كفران نعمة الله . وقال أبو عوسجة : { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } : يوم سيركم ؛ ظعن يظعن : سار ، والسراويل : القميص . يقول : { تَقِيكُمُ } ، أي : تستركم . وقال القتبي : { ظِلاَلاً } ، أي : ظلال الشجر والجبال . وقوله : { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } . هذا - والله أعلم - في قوم علم الله أنهم يؤمنون بما ذكر لهم من أنواع النعم والأفضال ؛ ليعلم أن الإسلام من أعظم نعم الله ، لا يناله أحد إلا بنعمته . وقال بعض أهل التأويل : سميت سورة ( النحل ) سورة النعم ؛ لما فيها من ذكر النعم وأنواع منافع الخلق من أولها إلى آخرها .