Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 2-8)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ } . يعني : التوراة . { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } . كل كتب الله : هدى لمن استهدى ، ورشد لمن استرشد ، وبيان لمن استوضح ؛ لأنها دعت إلى ثلاث خصال : دعت إلى معالي الأمور ، ومكارم الأخلاق ، وصالح الأعمال . ونهت عن ثلاث : عن مساوي الأعمال ، وعن سفاسف الأمور ، ودناءة الأخلاق ورداءتها . ذكر أنه جعل الكتاب هدى لبني إسرائيل ؛ لأن منفعة الكتاب حصلت لهم : أنهم هم الذين استهدوا به ؛ فعلى ذلك هو هدى لمن استهدى ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } . أي : معتمداً ، أي : قلنا لهم فيه ، أو ذكرنا لهم فيه ، أو أمرناهم فيه : ألا تتخذوا من دوني وكيلاً ، أي : معتمداً موكولاً ، الوكيل : هو موكول الأمر إليه ، معتمد في الأحوال عليه ، قائم في جميع ما وكل إليه بالتبرع والتفضل . وقوله - عزّ وجلّ - : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } . قال بعضهم : يعني بالذرية الأنبياء الذين كانوا من قبل ، أي : كانوا من ذرية نوح ومن حمل معه ، وهم بشر ؛ قال : ذكر [ هذا لإنكارهم ] بعث الرسل من البشر ؛ حيث قالوا : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] . والثاني : يحتمل غيره ، أي : من ذرية من حملنا مع نوح ، أي : هؤلاء من ذرية من حملنا مع نوح ؛ فكيف خالفوا آباءهم الذين كانوا على الهدى ، وتابعوا غيرهم ؟ ! أو يذكر أن هؤلاء الرسل من ذرية من حملنا مع نوح ، [ وهم بشر ، فكيف أنكروا الرسول من بشر ؟ ! ثم قال بعضهم : هو على النداء والدعاء : يا ذرّية من حملنا مع نوح ] في السفينة - في أصلاب الرجال وأرحام النساء زمان الطوفان - لا تتخذوا من دوني وكيلاً ، قيل : ربّاً وإلهاً ، وقيل : شريكاً . وأصله ما ذكرنا أن الوكيل : هو المعتمد . { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } . يعني : نوحاً ، قال بعضهم : سمّاه شكوراً ؛ لأنه كان يذكر ربّه في كل أحواله ، وقال بعضهم : الشكور هو الذي يبتغِي مرضات منعمِهِ ، ويجتنب مساخطه ، وقال بعضهم : الشكور هو المطيع لله . وقد ذكرنا معنى الشكر : أنه اسم المكافأة ، أو يقال : كانت عبادته لله عبادة شكر لا عبادة استغفار ، أي : كان شكوراً في عبادته لا مستغفراً . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } . اختلف في قوله : { وَقَضَيْنَآ } : قال الحسن وغيره : أوحينا إليهم وأخبرناهم وأعلمناهم في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين . وقال بعضهم : قضينا عليهم . وقال بعضهم : كتبنا عليهم فكيفما كان ، ففيه نقض قول المعتزلة ؛ لأنه أخبر : أنه أخبرهم وأعلمهم ؛ على تأويل من زعم أن القضاء - هاهنا - هو الإعلام والإخبار لهم ؛ فيقال لهم : كان أخبرهم وأعلمهم ؛ ليصدق في خبره أوْلا : فإن كان أخبرهم ليصدق في خبره - فذلك منه حكم أنهم : ليفسدن في الأرض مرّتين ؛ فإن كان تأويل القضاء : الكتاب والحكم ، فهو ظاهر ، وهو ما نقول : إن كل فاعلٍ فعلاً طاعة كانت أو معصية - كان بحكمه . [ ثم من ] سأل أخر عن المعصية أنها كانت بقضاء الله ؛ فلا يجب أن يجاب له على الإطلاق : بـ ( نعم ) أو بـ ( لا ) ، إلا أن يبين أنه ما يريد بالقضاء وما يفهم منه ؛ لأن القضاء يتوجه إلى وجوه : يرجع إلى الخلق ؛ كقوله : { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [ فصلت : 12 ] أي : خلقهن . والقضاء : الأمر ؛ كقوله : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 23 ] ، أي : أمر ربك . والقضاء : الحكم ؛ كقوله : { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } [ طه : 72 ] ، أي : احكم ما أنت حاكم . ولم يعرف القضاء : الحمل والدفع ؛ على ما يقوله المعتزلة ، ونحوه ، فلا يجاب على الإطلاق إلا أن يبيّن أنه ما أراد بالقضاء ؟ فإن أراد بالقضاء : الحكم : فعند ذلك يقال : نعم ، كان بقضائه وحكمه ، وليس فيما قضى وحكم دفعه في المعصية . ثم اختلف في قوله : مرتين : قال بعضهم من أهل التأويل : إن بني إسرائيل عصوا ربهم ؛ فسلط الله عليهم جالوت ؛ فقتلهم ، وسبى ذراريهم وأموالهم ، فكانوا كذلك زماناً ، ثم تابوا ورجعوا عن ذلك ، ثم بعث الله داود ؛ فقتل جالوت ، واستنقذهم من يديه ، وردهم إلى مكانهم ، ثم عادوا إلى ما كانوا من قبل ؛ ثم سلط عليهم بختنصر ؛ ففعل بهم ما فعل جالوت ، ثم تابوا ، فبُعِث محمد صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : بعث - أولاً - بختنصر ، ثم فلاناً وفلاناً ، وهو ما قال : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ } إلى قوله : { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [ الإسراء : 8 ] ، أي : عدتم إلى العصيان عدنا إلى العقوبة ، ولكن ليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى ما فيه من وجوه الحكمة والدلالة : أحدهما : فيه دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر عما كان في كتبهم من غير أن علم ما في كتبهم ، ولا اختلف إلى أحد منهم ؛ فكان - على ما أخبر - دل أنه إنما عرف ذلك بالله بما أخبره في كتابه . وفيه أنه لم يُهْلَك قوم بنفس الكفر إهلاك استئصال ، حتى كان منهم مع الكفر السّعي في الأرض بالفساد ، والعناد للآيات . وفيه أن ليس على الله حفظ الأصلح لهم وإعطاؤه في الدين ؛ حيث لم يُمِتهُم على الإيمان ، ولكن تركهم حتى عصوا ربهم ، ثم سلّط عليهم من قتلهم على تلك الحال ، ودعاهم إلى دينه وهو كفر ؛ فلو كان عليه إعطاء الأصلح لأماتهم على الإسلام ؛ فذلك أصلح لهم في الدين . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } . قيل : لتجترئون جراءة عظيمة ، وقيل : لتقهرُنّ ولتعلن غلبة ؛ كقوله : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ القصص : 4 ] ، أي : قهر وغلب ، ألا ترى أنه قال : { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ } [ القصص : 4 ] ثبت أنه على الغلبة والقهر . وقيل : العلو هو العتوّ والجراءة والتكبّر ، وهو ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } . أي : جاء وعد هلاك من عصى منهم أولاً ، وخالف أمر الله وكفر به . { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } . قال الحسن : قوله : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ } ليس على بعث الوحي إليهم ؛ ولكن على التخلية ، أي : خلينا بينهم وبين عباد أولي بأس شديد ، أي : أولي بطش شديد وقوة ؛ كقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ مريم : 83 ] ، أي : [ خلينا بينهم وبين الشياطين . وقال بعضهم : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ } أي : ] سلطنا عليكم . وقوله : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } رد على المعتزلة ؛ لأنه ذكر [ أنه ] بعث عليهم عباداً أولي بأس شديد ، وإنما بعثهم لجزاء إساءتهم ولسوء صنيعهم ، وذلك شر يفعل بهم ؛ دلّ أن لله صنعاً في جميع فعل العباد . وقوله - عز وجل - : { فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ } . قال بعضهم : جاسوا - من التجسّس ، أي : يتجسّسون أخبارهم ويسمعون أحاديثهم ، وهم جنود جاءوا من فارس . وقال بعضهم : { فَجَاسُواْ } ، أي : قتلوا الناس في الأَزِقَّة ، وقيل : في الطرق . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } . أي : الذين قالوا : { لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } وعداً كائناً مفعولاً ، أي : كان وعداً موعوداً مفعولاً كائناً ، وإلا الوعد لا يأتى ، وكذلك قوله : { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } [ مريم : 61 ] ، أي : موعوداً مأتيّاً ، وكذلك ما أشبه هذا . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } . أي : الغلبة والهلاك عليهم . { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } . أي : أكثر رجالاً منكم - قبل ذلك - وعدداً ، ثم إذا عصوا ثانياً ، وكفروا بربهم سلط الله عليهم قوماً آخرين ؛ فدمروا عليهم ، فذلك قوله : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } . الهلاك والتدمير ، أي : موعود الآخرة . { لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ } . ثم وعد لهم الرحمة إن تابوا ورجعوا عن ذلك بقوله : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } . ثم أوعدهم العود إليهم بالعقوبة بقوله : { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } ، أي : وإن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالعقوبة . ثم قول أهل التأويل : إن سلّط عليهم بختنصر وجالوت ثم فلاناً وفلاناً - فذلك لا يعلم إلا بالخبر عن رسول الله ، وليس في الآية سوى أنه بعث عليهم { عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } ؛ فلا يزاد على ذلك إلا بالخبر ، سوى أنه ذكر هذا لنا ، وفيه وجوه من الحكمة : أحدها : ما ذكرنا من إثبات نبوة محمد ومن صدق رسولهم ؛ حيث حذرهم العقوبة بعصيانهم ، فكان كما قال . وفيه تحذيرنا عن مثل صنيعهم ؛ لأنهم ليسوا بذلك أَوْلى من غيرهم . وقال القتبي : { فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ } ، أي : عاثوا بين الديار ، وأفسدوا . ويقال : جاسوا ، وحاسوا . { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ } . أي : الدولة . وقوله - عزّ وجلّ - : { أَكْثَرَ نَفِيراً } . أي : عدداً ، وقال أبو عوسجة : { أَكْثَرَ نَفِيراً } : هو من الخروج والنفر ، ومعناه : أكثر عدداً ، وقال أبو عبيدة : { فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ } : معناه ، أي : فقتلوا في ديارهم . وقال قتادة : النفير : المُقاتِلَة الذين يستنفرون للقتال ، أي : لو استنفرتم أنتم ، واستنفر أولئك كنتم أكثر منهم . ثم جاء قوله : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } إلى قوله : { فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ } ، معلوم أنه لم يكن في كتابهم هذا اللفظ : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ } ؛ { فَجَاسُواْ } - على الابتداء ، ولكن كان - والله أعلم - إذا جاء وعد أولاهما لنبعثن عباداً أولي بأس شديد يتجسسون أو يجوسون ، لكنه خاطب بهذا - [ والله أعلم ] - الذين كانوا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانوا هم لم يفعلوا ما ذكر ؛ لكن لما فعل أوائلهم خاطب هؤلاء ؛ لما كانوا يفتخرون بأوائلهم ويقولون : هم أبناء الله وأحباؤه ، فيذكِّر هؤلاء نعمه التي أنعم على أولئك ، ويحذرهم صنيعهم ، وهو ما خاطبهم بقوله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ … } الآية [ البقرة : 55 ] ، وقوله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } [ البقرة : 61 ] ، ونحوه : خاطب هؤلاء الذين كانوا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاتبهم على صنيع أولئك وفعلهم ؛ وإن كان هؤلاء لم يقولوا ذلك لما رضوا بصنيع أولئك وفعلهم ؛ استئداء منهم الشكر ؛ لما أنعم على أولئك ، وتحذيراً لهم عن مثل صنيعهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } . لا لله ؛ إذ إليكم يرجع منفعة ذلك ، وأنتم تجزون على ذلك : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } . أي : فعليها ؛ كقوله : { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ … } الآية [ فصلت : 46 ] ، أي : عليها ضرر ذلك ، وعلى ذلك جميع ما أمر الله عباده من الأعمال أو نهاهم عنها إنما أمر ونهى ؛ لمنفعة أنفسهم ولحاجتهم ؛ لا لمنفعة له أو لحاجة له . وقال بعضهم : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } ، أي : إليها ، أي : إلى أنفسكم تسيئون . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } . أي : إذا جاء وعد موعود الآخرة ، وهو العقوبة بعصيانهم وتكذيبهم رسل الله ، وقوله : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } ؛ بالتغيير وتبديل الدين . { لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ } . بواوين : على الجماعة ، وبواو واحدة : على الواحد : ( لنسوء وجوهكم ) ، ولم يبين من يسوء وجوههم ؛ فيشبه أن يكون يبعث قوماً يسوءون وجوههم ، كما ذكر في الوعد الأول : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } ؛ فهم يسوءون وجوهكم . ومن قرأ بالنون : ( لنسوء وجوهكم ) : أضاف إلى نفسه ؛ لما بأمره ما كان يفعل وبتسليطه إياهم عليهم . وقال بعضهم : ذكر الوجه - هاهنا - كناية عن الحزن والهمّ والإهانة لهم ؛ ما يقال في السرور : أكرم وجهه ، أي : أدخل فيه سروراً ، أو ذكر الوجه ؛ لما بالوجه يظهر ذلك التغير والقبح ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } . في ظاهر الآية أن يدخل الأولون المسجد في المرة الثانية كما دخلوا في المرة الأولى ؛ لأنه قال : { كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ، لكن يحتمل ليدخل عبادٌ آخرون المسجد في المرة الثانية كما دخل الأوّلون في المرة الأولى . وقال بعضهم : المسجد - هاهنا - الكنيسة أو البِيعة . وقوله : { وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } . أي : ليهلكوا ما علوا به ، أي : ما غلبوا به وقهروا ، أي : الأسباب التي بها عصوا . وقال أبو عوسجة : { مَا عَلَوْاْ } ، أي : ليفسدوا ما أهلكوا ، والتَّبَار : الفساد ، يقال : علوت الشيء ، أي : ملكت : وقوله - عزّ وجلّ - : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } . يحتمل : أن يكون ذلك لأولئك الذين تقدم ذكرهم ، وفيهم نزل ما نزل ، يرحمهم إن تابوا ، ويشبه أن يكون على الابتداء : عسى ربكم أن يرحمكم بمحمد . { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } . أي : وإن عدتم إلى التكذيب والعصيان عدنا إلى العقوبة والقتال إلى يوم القيامة . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } . قيل : سجناً لا يخرجون منها ، وقيل : محبساً ، وحصيراً يحصرون فيها ، والله أعلم .