Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 55-59)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } . أي : لم يمنع الناس أن يؤمنوا إلا التعنت والعناد ؛ لأنه قد أكثر عليهم من الحجج والآيات ما لم يعاندوا ولا كابروا ؛ لالتزامهم الإيمان بها والتصديق ، لكن الذي منعهم عن الإيمان ما ذكرنا من عنادهم وتعنتهم . { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } . وسنة الأولين : الاستئصال والإهلاك ؛ فيقول : لا يؤمنون إلا في ذلك ، والإيمان لا ينفعهم في ذلك الوقت ؛ كقوله : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] . وقوله : { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } . أي : عياناً وجهراً . قال أبو عبيدة : { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } ، أي : مقابلة ، وقبلا : استئنافا . وقال مجاهد : { قُبُلاً } : فجأة ، وقال : قبيلا . قال أبو عوسجة : { قُبُلاً } ، أي : مواجهة ، وكذلك قبيلا . وقال القتبي : { قُبُلاً } ، أي : مقابلة وعيانا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } . أي : لم نرسلهم إلا بما يوجب لهم البشارة والنذارة إنما أرسلوا للأمر والنهي ليأمروا الناس بالطاعة - طاعة الله - وينهوهم عن معاصيه ؛ لهذا أرسلوا ، فالبشارة لمن اتبع أمرهم وانتهى ما نهوا عنه ، والنذارة لمن ارتكب ما نهوا عنه ؛ فيكون البشارة للمتبعين لهم في أمرهم والنذارة للمرتكبين المنهي ، والله أعلم . وقوله : { وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ } . ويحتمل قوله : { وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ } : ما نسبوه إلى السحر والكهانة والإفك وغيره ، به يجادلونه ؛ وهو باطل . أو أن يكونوا عرفوا أن ما يجادلونهم به ويحاجونهم باطل ، وأن ما يدعوهم [ إليه ] الرسول حق وصدق ونور ، لكن يعاندونه ويجادلونه ، وعندهم [ أنهم ] على باطل ، كقوله : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ … } [ الصف : 8 ] الآية : عرفوا أنه نور لكنهم عاندوه في المجادلة والمحاجة بالباطل ، والله أعلم . وقوله : { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } . أي : ليبطلوا به الحق . وقوله : { وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } . قال بعضهم : آياته : الشمس والقمر وغيره ، { وَمَآ أُنْذِرُواْ } : ما أنذر به الرسل ، هو القرآن . وقال بعضهم : قوله : { وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } : القرآن والحجج التي أقامها وما أمروا به غير القرآن ، هي المواعيد - هزوا . وقال [ أصحاب ] هذا التأويل : تأويل الأول باطل لا يصح ؛ لأنه قال على أثره : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } ، يقول : هذا يدل أنه أراد بالآيات ما ذكرنا من الحجج والبراهين ، لا ما ذكر . وجائز أنهم إذا لم يعملوا بآياته ولم يستعملوها نسبهم إلى الهزء بها والسخرية ، وإن لم يهزءوا بها ، وهو ما سماهم : عميا وبكما وصما ؛ لما لم ينتفعوا بهذه الحواس ، ولم يستعملوها فيما جعلت له ، وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك ؛ فإذا كان فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . ثم يحتمل مجادلتهم إياهم : ما قالوا : هذا سحر ، وكهانة ، وإنه إفك ، وشعر ، ونحوه . أو أن يكون مجادلتهم قولهم : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] ، وقولهم : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ إبراهيم : 10 ] ، وأشباه ذلك من المجادلات التي كانت بينهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } . يحتمل قوله : { ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ } ، أي : وعظ بالآيات التي نزلت بمكة بمكذبي الرسل من الأمم الماضية ؛ فيكون تأويله ، أي : لا أحد أظلم على نفسه ممن وعظ بآيات ربّه فأعرض عنها ما لو اتعظ بما وعظ كان به نجاته . أو أن يكون تذكيره بآيات ربه ، وهو ما أقام من حججه وبراهينه على توحيده ورسالة الرسول ، فلم يقبلها ولم يصدقها ، أي : لا أحد أظلم على نفسه ممن لم يتعظ بما ذكر من الآيات والحجج ولم يقبلها ، والله أعلم . وقوله : { فَأَعْرَضَ عَنْهَا } : يحتمل الإعراض في الآية ، أي : لم يقبلها ، ولم يكترث إليها ، ولم ينظر فيها ، أو أعرض عنها بعد ما عرفها أنها آيات وحجج ؛ تعنتاً وعناداً . وقوله : { وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } . يحتمل ؛ أي : نسي من الخيانة والشرك . أو أن يكون قوله : { وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } موصولا بالأول ، أي : لا أحد أظلم على نفسه ممّن وعظ ، وجعل له سبيل للتخلص والنجاة مما قدمت يداه ، فلم يتعظ به ؛ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } . إن الكفر مظلم إذا أتى به إنسان يستر على نور القلب وعلى نور كل جارحة منه ، والإيمان منير ينير القلب ، وينير كل جارحة منه وعضو ، وهو ما ذكرنا في غير موضع : أن الإنسان إنما يبصر بنورين ظاهرين : بنور نفسه ، وبنور ذلك الشيء ، فإذا ذهب أحدهما ، ذهب الانتفاع بالآخر ، والإيمان ما ذكرنا : أنه منير ، وفي القلب نور ، فإذا اجتمع النوران معاً - فعند ذلك انتفع به ، فجعل يفقه ويعقل الشيء بنور القلب وبنور الإيمان ، وكذلك كل جارحة منه ، الأذن والبصر واللسان ، جعل يبصر الحق به ، ويعتبر به ، ويستمع الحق والصواب . والكفر مظلم يمنع ويستر على نور الجوارح ؛ فجعل لا يبصر ، ولا يعتبر ، ولا يستمع ، ولا يتكلم بالحق ، وهو ما ذكرنا : أن الإنسان إنما يبصر الشيء بنور العين وبنور الهواء ؛ فإذا ذهب أحدهما صار لا يبصر شيئاً ؛ فعلى ذلك ما ذكرنا . وفي الآية دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنه لا يخلو الكفر من أن يكون مظلماً قبيحاً ذميماً بنفسه أو بالله تعالى . فإن قيل : صار كذلك . قيل : لئن جاز ذا جاز حدوث الأشياء بنفسها ؛ إذ لا فرق بين أن يكون الشيء مظلماً قبيحاً ذميماً بنفسه وبين أن تكون الأشياء بأنفسها على ما كانت ، فإن بطل [ كونه ] بنفسه مظلماً قبيحاً ثبت أن الله هو الذي جعله مظلماً قبيحاً ، وهو ما نقول نحن : إن الله خلق فعل الكفر من الكافر مظلماً قبيحاً ، وخلق فعل الإيمان من المؤمن منيراً حسناً ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } . هذا في قوم مخصوصين علم الله أنهم لا يؤمنون أبداً ، وإلا لا يحتمل في جميع الكفار ؛ إذ من الكفار من قد آمن . وقال الحسن : هو في القوم الذين جعل على قلوبهم الغطاء والطبع ، إذ من قوله : إن للكفر حدا إذا بلغ الكافر ذلك الحد طبع على قلبه ؛ فلا يؤمن أبداً . وقال بعضهم : هو في قوم عادتهم العناد والمكابرة وتكذيب الآيات والحجج ؛ فأخبر أنهم لا يؤمنون أبداً ؛ لعنادهم ، وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } . يحتمل على وجهين : أحدهما : { ٱلْغَفُورُ } حيث ستر عليهم ولم يعاقبهم وقت عصيانهم ، و { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } يقبل توبتهم إذا تابوا . والثاني : { ٱلْغَفُورُ } إذا استغفروا أو تابوا ، و { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } يرحمهم ويتجاوز عنهم ما سبق لهم من الذنوب . وقوله - عز وجل - : { لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ } في الدنيا . { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ } : قال الحسن : جعل الله لكل أمة يهلكون - لهلاكهم - موعداً وأجلا [ كقوله ] : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } [ هود : 81 ] ، وقال في آية أخرى : { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] ، وجعل موعد هذه الأمة الساعة ؛ وهو قوله : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } [ القمر : 46 ] . قال بعض أهل العلم : أهلك الله كل أمة كذبت رسولها ؛ لتتعظ الأمة التي تأتي بعدها ، وجعل هلاك أمة محمد بالساعة ؛ لأنه ليس بعدها أمة تتعظ به . وقوله : { لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } . قيل : ملجأ . وقال القتبي : لا وئلت نفسك ، أي : لا نجت ، ويقال : وأل فلان إلى كذا ، أي : لجأ . وقوله : { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } . فيه دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يجعلون المهلك هالكاً قبل أجله ، وقد أخبر لمهلكهم موعداً لا يتقدم ولا يتأخر طرفة عين . وفي قوله : { قَدَّمَتْ يَدَاهُ } : ذكر تقديم اليد ، وإن لم يكن لليد صنع في ذلك ؛ لما في العرف الظاهر : أنه إنما يقدم ويؤخر باليد ، وكذلك ما ذكر من الكسب : { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] ؛ لأنه في الشاهد إنما يكتسب باليد ونحوه ، فهو يرد على أصحاب الظواهر : أن الخطاب على مخرج الظاهر ؛ حيث لم يفهم من ذكر اليد هاهنا اليد نفسها ؛ ولكن فهم غير اليد .