Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-70)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لاۤ أَبْرَحُ … } الآية . قال أهل التأويل : { لاۤ أَبْرَحُ } ، أي : لا أزال حتى أبلغ كذا ، فإن كان على هذا فهو ظاهر ، وإلا : حرف البراح ، يعرف البراح عن المكان ، أي : لا أبرح المكان حتى أبلغ مجمع البحرين ، وهو كأنه على الإضمار ، أي : لا أبرح أسير معك حتى أبلغ كذا ، كأنه سبق من فتاه : أنه يسير إلى ذلك المكان دونه ؛ على ما يقول الخادم لمولاه إذا أراد أن يسير لحاجة : أنا أسير ، وأنا أذهب - فعند ذلك قال له موسى : { لاۤ أَبْرَحُ } ، أي : لا أفارقك ، وأسير معك . { حَتَّىٰ أَبْلُغَ } . ما ذكر ، أي : أمرت بذلك . وقال بعضهم : سماه : فتى ؛ لأنه كان خادمه يخدمه . وقال بعضهم : سمّاه : فتى ؛ لأنه كان يتبعه ويصحبه ؛ ليتعلم منه العلم . وقوله : { مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } . أي : ملتقى البحرين . وقوله : { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } . قيل : زمانا ودهراً ، وقيل : الحقب : ثمانون سنة . وقال بعضهم : هو بلغة قوم : سنة . وقال بعضهم : هو على التمثيل : على ما يبعد . وقيل : سبعون سنة ، ونحوه ، والله أعلم . وقوله : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } . أضاف النسيان إليهما ، وإن كان الذي نسيه هو فتاه . وقال بعضهم : أضاف النسيان إليهما على الترك ؛ لأنهما فارقا ذلك المكان وتركا الحوت فيه ، وإنما أضاف النسيان إليهما ، لما تركاه جميعاً فيه وفارقاه ، وإن كان الفتى هو الذي نسيه دون موسى [ فقد نسي موسى ] أن يستخبره عنه ؛ فقد كان منهما جميعاً النسيان : من الفتى الإخبار والتذكير ، ومن موسى : الاستخبار عن حاله . وقال بعضهم : أضاف ذلك إليهما ؛ لما نسيا مكان الرجل الذي أمر موسى أن يأتيه ويقتبس منه العلم ، فهو على الجهل يخرج على هذا التأويل ، أي : جهلا مكانه ، والله أعلم . وقوله : { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } . قال أبو عوسجة : سرباً ، أي : دخل في البحر كما يدخل في السرب ، والسرب : هو داخل الأرض يقال بالفارسية : سمج . وقال القتبي : سرباً ، أي : مذهباً ومسلكاً . وقول أهل التأويل : إن الحوت كان مشويّاً فأحياه الله . وقال بعضهم : كان طريا . ولكن ليس لنا إلى معرفة الحوت أنه كان مشويّاً أو طريّاً حاجة ، وهو قادر على أن يحييه مشويّاً أو طريّاً في أي حال كان ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَاوَزَا } . يعني : مكانه . { قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } . فيه دلالة : أن لا بأس للرجل إذا أصابته مشقة وجهد أن يذكر أصابني كذا ، وللمريض يقول : بي من المرض كذا ، ولا يخرج ذلك مخرج الشكوى والجزع عن الله ؛ حيث قال موسى : { لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } : تعباً وجهداً . وقوله : { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } . وفي حرف ابن مسعود : ( أن أذكر له ) . قال الحسن : لم يكن نسيه ؛ ولكن تركه متعمداً مضيعاً ، وإنما أضاف إلى الشيطان ؛ يقول : إن الشيطان حملني حتى تركت ذكره لك ، وكذلك يقول في قوله في قصة آدم : { فَنَسِيَ } [ طه : 88 ] ، أي : ضيع أمره وتركه ، ونحوه من المحال ، ولكن لا يحتمل أن يترك أن يذكر له عمداً ، والشيطان مما يسعى بالحيلولة في مثل هذا : في أمر الدّين ، وفي النعم إذا كثرت واتسعت على إنسان ؛ فيسعى بالإنساء في مثله . وقوله - عز وجل - : { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } . قال بعضهم : عجب موسى من الفتى أن كيف نسي أن يذكره ، وقد احتاج إلى أن يتحمل مؤنة عظيمة في حمله ؟ ! وقال بعضهم : عجب موسى منه حين يبس له الماء وأثره فيه ، والله أعلم . ثم ذكر موسى بخبر الحوت ، وما صنع فقال . { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } . أي : نطلب من حاجتنا من الظفر بذلك الرجل ، يقول ذلك لفتاه . ثم في الآية وجوه من الفوائد : أحدها : أن يلزم الإنسان طلب العلم واقتباسه ؛ إذ كان به وبالناس حاجة إليه ، وإن بعدت الشقة ونأى الموضع ؛ حيث قال موسى : { لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } . وفيه : أن لا بأس لاثنين أن يسافرا ولا كل واحد واثنين يكونان شيطانين ، على ما ذكر في بعض الأخبار : " إِنَّ الوَاحِدَ شَيْطَان ، والاثْنَيْنِ شَيْطَانَانِ " ، ولكن واحداً دون واحد ، واثنين دون اثنين . وفي : أنه لا يسافر إلا بالزاد ؛ حيث تزود موسى والفتى الحوت الذي ذكر حين خرجا إلى حيث أمر موسى أن يخرج في مجمع البحرين : فأمَّا أهل التأويل فإنهم قالوا جميعاً : إنه أمر موسى أن يأتي الخضر ؛ ليتعلم منه العلم ، ولكن ليس في القرآن ذكر الخضر ؛ إنما فيه ذكر عبد من عباده ؛ حيث قال : { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ } . وفيه : أن الثنيا إنما تلزم في كل فعل مستقبل مما يشك فيه ويرتاب ، فأما ما كان سبيل معرفته الوحي واليقين - فإنه لا يستثنى فيه حيث قال موسى لفتاه { لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } : قال ذلك من غير ثنيا ؛ لأنه - عز وجل - أمره أن يأتيه ، ولا يحتمل أن يؤمر بالإتيان في مكان ، ثم هو يشك أنه لعله لا يأتيه ؛ لذلك قطع القول فيه ، وكذلك قول ذلك العبد الصالح لموسى : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } : قطع القول فيه من غير ثنيا ؛ لأنه علم بالوحي أنه لا يصبر على ما يرى منه ، وأمَّا موسى فإنه قد استثنى فيما وعد أنه يصبر ؛ لأنه أضاف إلى حادث من الأوقات على الشك منه أنه يصبر أو لا يصبر ، وعلى الارتياب ليس على اليقين ، فقال : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } مما ذكرنا . وفيه : أن الرجل إذا اختلف إلى عالم يقتبس منه العلم ويتعلم منه ، فرأى منه مناكير ومظالم - يلزمه أن يفارقه ، ولا يتعلم منه العلم ؛ كصنيع موسى بصاحبه ؛ لما رأى ؛ من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وغيره مما كان منكرا وظلما في الظاهر ، وإن كان ما فعل هو فعل الأمر كره موسى صحبته ، وندم على ذلك أشدّ الندامة حتى جعله على علم من ذلك كله ، فهكذا الواجب على الرجل إذا رأى مناكير من الذي يأخذ منه العلم ومظالم أن يفارقه ولا يأخذ من علمه ، والله أعلم . وفي قوله : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً } دلالة أن الاختيار والمستحب في الثنيا أن يكون في ابتداء الكلام ؛ لأن موسى ابتدأ به ، وكذلك قوله : { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 70 ] ، فإذا تركه في أول كلامه أو نسي يستثنى في آخره ؛ فيعمل عمله في دفع الخلف في الوعد والكذب ، وعلى هذا تأوّل بعض النّاس قوله : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [ الكهف : 24 ] ، أي : استثن في آخره إذا نسيت في أوّل كلامك ، والله أعلم . ثم هذه القصص والأنباء التي ذكرت لرسول الله على أثر سؤال كان منهم ، على ما ذكرنا في قصة أصحاب الكهف وغيرها من القصص ، أو على غير سؤال ، ولكن كانت في كتبهم ؛ فذكرها له ليعلم أنه إنما عرف بالله تعالى . ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي أمر موسى على طلب العلم من عند ذلك الرجل وبعثه عليه . قال بعضهم : وذلك أن موسى قام خطيباً في قومه ، فخطب خطبة لم يخطب قط مثلها ؛ فأعجبه ذلك ، فوقع عنده أن ليس أحد أعلم منه ؛ فأخبر أن في مجمع البحرين رجلا أعلم منك ؛ فأمر بالمصير إليه والتعلم منه . وقال بعضهم : لا ، ولكن موسى قد أعطي التوراة ، وفيها علوم كثيرة ؛ فظن أنه ليس أحد أعلم منه ؛ فأخبر : أن في مجمع البحرين عبداً من عبادنا أعلم منك ؛ فأمر بالمصير إليه . والتعلم منه ؛ فإن كان على ما ذكر أهل التأويل من السبب فيخرج الأمر له بالمصير إليه والتعلم منه مخرج العقوبة له والعتاب لما خطر بباله ووقع في وهمه ما وقع . وجائز أن يكون الأمر له بالمصير إليه والتعلم منه ابتداء ؛ محنة من الله - تعالى - إياه بتعلم العلم من غير سبب كان [ من ] موسى على ما يؤمر المرء بتعلم العلم ابتداء من غير سبب ؛ محنة من الله يمتحنه بها ؛ نحو ما أمر موسى بالمصير إلى طور سيناء ، وأعطي هنالك التوراة في الألواح على غير سبب كان منه ، ولكن ابتداء محنة يمتحنه بها ؛ فعلى ذلك يحتمل أمره له بالمصير إلى ما أمر والتعلم منه ابتداء محنة يمتحنه بها . وقول أهل التأويل : إن صاحب موسى الذي أمر موسى بالمصير إليه والتعلم منه - الخضر ، وفتاه الذي كان يصحبه ويتبعه يوشع بن نون ، فذلك لا يعلم إلا بالسمع والخبر عمن يوحى إليه ؛ فيعلمه بالوحي ، وأمَّا من أخبر بذلك وقاله لا عن وحي - فلا يعلم ذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ؛ إنما الحاجة إلى معرفة ما أودع فيه من أنواع الحكمة والعلوم ، وأما ما ذكروا أنه فلان ، وأنه كان في موضع كذا في البحر ، وأن موسى قال له كذا ، وهو قال لموسى كذا - فإن سبيل معرفة ذلك السمع ، فإن ثبت السمع فيه ، وإلا : لم يجب أن يذكر فيه أكثر مما ذكر في الكتاب ؛ لأن هذه الأنباء والقصص التي ذكرت في القرآن إنما ذكرت ؛ لتكون آية لرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلو قيل فيها ما لم يذكر في كتبهم من الزيادة والنقصان - لكان ذلك سبباً لإكذابه لا تصديقه على ما يدعي من الرسالة . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } . أي : فقد الحوت هو ما كنا نبغي أنه كان ذلك علما لوجود مكان ذلك الرَّجل . وقوله : { فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } . قال بعضهم ، أي : رجعا عودهما على بدئهما . [ و ] قال بعضهم : أي : رجعا يقصان طريقهما وآثارهما الذي مشيا فيه يطلبان المكان الذي فقد الحوت فيه ؛ إذ ذلك المكان هو مكان علم وجود ذلك الرجل الذي أمر موسى بالمصير إليه . وقال بعضهم : اقتفيا أثر الحوت في الماء ، لكن الأول أشبه ؛ لأن في الآية ذكر آثارهما لا ذكر أثر الحوت . وقوله : { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } . يحتمل قوله : { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } النبوة ؛ حيث قال لموسى : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } : لا يحتمل أن يقول له هذا إلا على علم وحي ، وحيث قال : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } : أخبر أنه لم يفعل ما فعل عن أمر نفسه ، ولكن أمر الله ، والله أعلم . ويحتمل قوله : { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } كل خير وبركة أعطاها الله إياه . أو أن يكون رحمة القلب والشفقة التي كانت منه على أهل السفينة ؛ بخرقها ، وقتل ذلك الغلام الذي قتله ؛ إشفاقاً منه على والديه أو على الناس ، وإقامة الجدار الذي كاد أن ينقض فأقامه ، وأمثاله . وقوله : { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } : هو ظاهر . وقوله : { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ } . في قوله : { هَلْ أَتَّبِعُكَ } دلالة أنه كان على سفر ، ولم يكن مقيماً في ذلك المكان ، ومن يتعلم من آخر علماً فإنه يتبعه حث يذهب هو في حوائجه لا يؤمر بالمقام حيث يقيم المتعلم ؛ لأنه قال : { هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ } . وقوله : { مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } . يحتمل : أي : أرشدني إلى ما علمت ، أو تعلمني مما علمت من الرشد والصواب . وقوله - تعالى - : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } . بما ترى مني من الأمور ما يخرج في الظاهر مخرج المناكير . أو يقول : إنك نبي ورسول ، والرسول إذا رأى منكرا في الظاهر لا يسع له ترك الإنكار عليه والتغيير ، وأنت لا تصبر على ما ترى مني ؛ لما لم تعرف سببه ؛ ألا ترى أنه وسع له الإنكار عليه والتغيير ؛ حيث قال له : { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } . أي : ما لم تعلم علماً ، والله أعلم . وقوله : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } . يحتمل أن الثنيا منه على الأمرين جميعاً على الصبر الذي وعد ، وعلى قوله : { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } ، ويشبه أن يكون على وعد الصبر خاصة دون قوله : { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } ؛ لأن قوله : { وَلاَ أَعْصِي لَكَ } عهد منه ، والثنيا لا يستعمل في العهود ، وأما قوله : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً } إنما هو فعل أضافه إلى نفسه ، فلا بد من أن يستثني فيه . وقوله - عز وجل - : { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ } ، ما تنكره نفسك وتكرهه ، { حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } أني لماذا فعلت ما فعلت ؟ .