Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 71-82)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } . هذا الكلام يخرج على وجهين : يخرج على الإنكار عليه ، أي : خرقتها ؛ لتغرق أهلها ، أو لتعيبها ، أو لماذا هذا الخرق ؟ استفهام لولا قوله : { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } . فإن كان على الأول على الإنكار عليه والردّ - فقوله : { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } : ظاهر ، أي : جئت شيئاً عظيماً شديداً . وإن كان على الاستفهام ، فهو على الإضمار ؛ كأنه قال : أخرقتها لتغرق أهلها ؟ ! فلئن خرقتها لتغرق أهلها ، لقد جئت شيئاً إمرا عظيماً شديداً ؛ وإن كان التأويل على الإنكار - فهو كما يقال لمن يبني بناء ثم يترك الإنفاق عليه في عمارته : بنيت لتخرب أو لتهدم ، وكما يقال لمن زرع زرعاً ، ثم ترك سقيه : زرعت لتفسده ، ونحوه ، وإن كان لم يبن لذلك ، ولم يزرع لما ذكر ، ولكن لما كذلك يصير في العاقبة إذا ترك سقيه أو عمارة ما بنى . فإن قيل : كيف قال له موسى : { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } ، وبعد لم يعلم أن ذلك الخرق مغرق أهلها ، وقد يجوز أن يكون غير مغرق ؟ ! قيل : إنما أخبر عما يئول الأمر في العاقبة ، والظاهر من الخرق أن يغرق في الآخرة ، وهو كما ذكرنا من أمر البناء والزرع : بنيت لتخرب ، وزرعت لتفسد ، وإن لم يكن بناؤه وزراعته لذلك ، فعلى ذلك قول موسى لصاحبه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } . هذه الآية [ ترد ] على المعتزلة ؛ لأنه قال له : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } : دل أنه كان يحتاج إلى استطاعة تقارن الفعل لا تتقدم الفعل فيكون بها الفعل ، وإلا قد كانت له أسباب لو لم يؤثر غيرها لاستطاع الصبر معه ؛ دل أن استطاعة الفعل [ لا تتقدم على الفعل ] ولكن تقارنه . وقال الحسن : إنما يقال هذا ؛ للاستثقال كما يقول الرجل لآخر : لا أستطيع أن أنظر إليك بغضا ، وهو ناظر إليه ، لكن يقال ذلك على الاستثقال والبغض ليس على حقيقة نفي الاستطاعة ؛ فعلى ذلك الأوّل ، فيقال له هو كما يقال : لا أستطيع أن أنظر إليك نظر الرحمة ، فهو وإن كان ناظراً إليه لما ذكر - فهو غير ناظر إليه نظر رحمة وشفقة ؛ فهما سواء وهو ما يقوله ، والله أعلم . وقوله عز وجل : { لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } . يحتمل هذا الكلام وجوهاً : أحدها : على التعريض من الكلام ، أي : لا تؤاخذني بما لو نسيت ؛ كقول إبراهيم حيث قال : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي … } [ الصافات : 88 - 89 ] ، ونحوه ، أي : سأسقم . والثاني : على حقيقة النسيان ؛ نسي قوله : { فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ } بعدها ؛ لما رأى من المناكير في الظاهر ، وهكذا كانت عادة الأنبياء أنهم إذا رأوا منكرا لا يملكون أنفسهم حزناً وغضباً على ما رأوا فلا ينكر أن يكون نسي ما قال له . وقال بعضهم : على التضييع والترك ، فهو يخرج على الأول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } . قال بعضهم : لا تكلفني من أمري ما يعسر عليّ . وقال بعضهم : الإرهاق : هو الشدة والتعب . وقال بعضهم : { وَلاَ تُرْهِقْنِي } ، أي : لا تغشني عسراً . وقوله : { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } . يحتمل هذا الكلام - أيضاً - وجهين : على الإنكار ، والردّ عليه . والثاني : على الاستفهام والسؤال على ما ذكرنا في الأول : أقتلت نفساً زاكية بغير نفس ؟ أو بحق ؟ أو لماذا ؟ أو على الإنكار والردّ على ما رأى في الظاهر قتل نفس ولم يعرف الوجه الذي به يجب القتل . وقوله - عز وجل - : { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } . هو على ما ذكرنا على الإنكار ظاهر ، وعلى الاستفهام والسؤال على الإضمار : أقتلت نفساً زاكية بغير نفس فلئن فعلت لقد جئت شيئاً نكراً ، أي : منكراً : ثم اختلف في قوله : { نُّكْراً } . قال بعضهم : { نُّكْراً } : أكبر من قوله : { إِمْراً } لأن فيه مباشرة القتل وإهلاك النفس بغير نفس ؛ فهو أكبر وليس في نفس الخرق إهلاك ، وإنما هو سبب الإهلاك ، وقد يجوز ألا يهلك . وقال بعضهم : قوله : { إِمْراً } أكبر من قوله : { نُّكْراً } ؛ لأن فيه إهلاك جماعة ، وهاهنا إهلاك واحد ، فهو دون الأول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } . ما ذكرنا في الأوّل . وقوله : { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } . في ترك المصاحبة عذر ؛ لما قلت لي : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } ، ولم أصبر . وقوله : { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ } . سمّى : قرية ، وهي كانت مدينة ؛ ألا ترى أنه قال في آخره : { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ } ؛ دل أنها كانت مدينة ، والعرب قد تسمي المدينة : قرية . وقوله : { ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ } . قال الحسن : كان ذلك الجدار بهيئة عند الناظر أنه يسقط . وقال أبو بكر الأصم : { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } الإرادة : صفة كل فاعل له حقيقة الفعل ، أو ليس له حقيقة الفعل ، بعد أن يضاف إليه الفعل ، ألا ترى أنه يقال للجدار : سقط ، وإن كان في الحقيقة يسقط . وعندنا أنه : إنما يقال ذلك لقرب الحال ، وعند الإشراف على الهلاك والسقوط ؛ ألا ترى أنّ الرجل يقول : إن أردت أن أموت ، وأردت أن أهلك ، وأردت أن أسقط ، وهو لا يريد الموت ولا السقوط ؛ ولكنه يذكر ذلك لإشرافه على الهلاك وقرب الحال إليه ، ليس على حقيقة الإرادة ؛ فعلى ذلك قوله : { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } ، أي : شرف وقرب على حال السقوط ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } . هذا القول من موسى يحتمل وجهين : أحدهما : قال : { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } ؛ لشدة حاجته إلى الطعام ؛ لئلا يقع لهما حاجة إلى أهل تلك البلدة ؛ إذ قد وقع لهما إليهم حاجة ؛ حيث قال : استطعما من أهلها مرة فلم يطعموهما ؛ فأراد أن يأخذ على ذلك أجراً ؛ لئلا يقع لهما حاجة إليهم ثانياً . والثاني : قال له ذلك ، لما لم ير أهل تلك البلدة أهلا ليصنع إليهم المعروف ؛ لما رأى فيهم من البخل والضنة في الطعام ؛ حيث استطعماهم فلم يطعموهما ؛ بخلا منهم وضنة ، والله أعلم . وذكر في بعض القصّة أن الجدار الذي أقامه صاحب موسى كان طوله خمسمائة ذراع ، وقامته مائتي ذراع ، وعرضه أربعين ذراعاً ، أو نحوه تحته طريق القوم ، لكن لا حاجة لنا إلى معرفة ذلك ؛ إنما الحاجة إلى ما فيه من أنواع الحكمة والفوائد . وقوله - عز وجل - : { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } . أي : سأنبئك بيان ما قلت لك : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } ، ثم بين وفسره له ؛ فقال : { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } . أي : أجعلها معيبة . [ و ] قوله : { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } : ذكر في بعض الحروف : ( وكان أمامهم ملك ) . { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } . فعلى ذلك التأويل فيه { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } ، أي : أجعلها معيبة ، لئلا يأخذها ذلك الملك غصبا ؛ إذ كان لا يأخذ إلا سفينة صالحة صحيحة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } . اختلف في سن ذلك الغلام : قال بعضهم : كان ذلك الغلام كبيراً بالغاً ، والعرب قد تسمّي الرجل البالغ الذي لم يلتح بعد - أولم تستو لحيته - غلاماً ؛ لقربه بوقت البلوغ ، ولذلك قال له موسى : { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } ، والصغير مما لا يقتل إذا قتل نفسا بغير حق ؛ فلو كان صغيراً لم يكن لقول موسى : { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } [ معنى ] ، وهو كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " إِنَّ أَيْمَانَكُم تحقنُ دِماءكم " إذا ظهر منهم الدَّم وكقوله : " لولا الأَيْمَانُ لَكَان لِي وَلَهَا شَأْنٌ " إذا ظهر منها الزنا ، فعلى ذلك قوله : { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } : لو كانت محتملة القتل بالنفس ، والله أعلم . ثم اختلف في سبب قتل ذلك الغلام : قال بعضهم : قتله ؛ لكفره ، كان كافرا ، وكذلك في حرف أبيّ بن كعب : ( وأمّا الغلام فكان كافراً ) ؛ ألا ترى أنه قال : { فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } : دل هذا أنّه كان بالغاً كافراً ؛ إذ لو لم يكن كافراً لم يلحق والديه منه الطغيان والكفر . وقال بعضهم : إنما قتله ؛ لأنه كان لصّاً قاطع طريق ؛ يقطع الطريق على الناس ويأخذ أموالهم . وعلى قول من يقول : إنه كان صغيراً ، قتله ؛ لأنه علم أنه لو بلغ كان كافراً ، والله أعلم بذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك السبب الذي قتله - حاجة ، ولا أنه كان صغيرا أو كبيرا ؛ لأنه أخبر أنه إنما قتله بأمر الله لا من تلقاء نفسه ؛ حيث قال : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } ، ولكن إنما فعلته بأمر الله ، ولله أن يأمر عبداً من عباده بقتل الصغير على ما له أن يميته وعلى ما يأمر ملك الموت بقبض أرواح الخلق ؛ فعلى ذلك له أن يميته على يدي آخر ، وأن يقبض روحه ؛ إذ له الخلق والأمر . وقوله - عز وجل - : { فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } . ليس هو الخوف ، ولكن العلم ، أي : علمنا أنه يرهقهما طغياناً وكفرا ، وكذلك ذكر في حرف أبيّ . فإن قيل : كيف احتج على قتله وإهلاكه بما علم أنه يلحق أبويه منه الطغيان والكفر ، وقد ترك ، إبليس وجنوده يعيشون إلى آخر الدهر ، على علم منه أنهم يحملون الناس على الطغيان والكفر ، ويرهقونهم أنواع المعاصي والفواحش ؟ ! وكذلك هؤلاء الظلمة الذين لا يكون منهم إلا كل شر وجور على الناس ثم تركهم على علم منه بما يكون منهم ؟ ! فما معنى الاحتجاج في قتله وإهلاكه بما ذكر من إرهاق الطغيان والكفر بالوالدين ؟ ! قيل : لهذا جوابان : أحدهما : أن الله - تعالى - قد يمتحن البشر بمعان وعلل وأشياء ، تحملهم تلك المعاني والأشياء على الرغبة والحث فيما امتحنهم ، وإن كان له الامتحان لا على تلك المعاني والعلل ، نحو ما امتحنهم بأنواع العبادات والطاعات بثواب وجزاء ذكر لهم فيها لو فعلوا ، وإن كان له الامتحان بذلك على غير ثواب ولا جزاء ، وكذلك العقوبات وغير ذلك من المحن ؛ فعلى ذلك الأول . والثاني : ذكر هذا لتطيب به أنفسهم ؛ إحساناً منه إليهم ، وإنعاماً عليهم ؛ إذ له أن يميتهم صغاراً وكباراً ، وعلى ذلك يخرج قوله : { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ … } الآية [ الشورى : 27 ] ، وقد وسع على كثير من الخلق ، وكذلك قوله : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً … } الآية [ الزخرف : 33 ] ، وقد جعل لكثير من الخلق ذلك ، لكن هذا لما له أن يفعل ذلك للكل ، فمن لم يفعل ذلك له إنما لم يفعل إحساناً منه وإفضالا ؛ فعلى ذلك الأول إنما ذكر ما ذكر إحساناً منه وإفضالا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } . قال بعضهم { خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً } ، أي : صلاحاً ، { وَأَقْرَبَ رُحْماً } : أي : أوصل رحما وأبرّ لوالديه . وقال بعضهم : { خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً } ، أي : عملا ، { وَأَقْرَبَ رُحْماً } ، أي : أحسن منه برّاً لوالديه . قال أبو عوسجة : { رُحْماً } ، من الرحم والقرابة . وقال القتبي : { رُحْماً } ، أي : رحمة وعطفا . وذكر أنهما قد أعطيا خيراً منه ، أي : خيراً من القتيل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } . اختلف في ذلك الكنز : قال بعضهم : كان ذلك الكنز مالا كنزه أبوهما . قال ابن عباس : حفظ ؛ لصلاح أبيهما ، ما ذكر منهما صلاح . وقال بعضهم : كان ذلك الكنز مصحفاً فيها علم . قال أبو بكر الأصم : لا يحتمل على أن يكون علماً ؛ لأن العلم ممّا يعلمه العلماء ويشترك الناس فيه ؛ فلا يحتمل أن يحفظ ذلك لهما دون الناس ؛ فإن ثبت وحفظ ما روي في الخبر فهو مال وعلم . وروي عن ابن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَانَ تَحْتَ الجِدَارِ الَّذِي قال الله فِي كِتَابِه { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ : بِسْمِ الله الرحمن الرحيم ، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالمَوتِ كيفَ يفرح وَعَجِبْتُ لمن أَيْقَنَ بالقدر كيفَ يحزَنُ ؟ ! [ و ] عَجِبتُ لمن أَيْقَنَ بِزَوَالِ الدُّنْيَا وَتَقَلُّبِهَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا ؟ ! لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " فإن حفظ هذا عن رسول الله ففيه مال وعلم ؛ لأن اللوح من الذهب مما يكثر ويعظم قدره ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، والله أعلم . وقوله : { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } . أي : نعمة من ربك وإحساناً عليهما ؛ إذ كان [ له ] ألا يحفظ ذلك لهما ، ولا يوصله إليهما على ما لم يعط لكثير من اليتامى والمساكين شيئاً من ذلك ، لكن ذلك منه إليهما فضل وإنعام ورحمة عليهما ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } . هو ما ذكرنا أنه أخبر عن أمر الله فعل ما فعل ، لا عن أمر نفسه . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } . أي : تأويل ما قلت لك في بدء الأمر : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } ، ثم لا يحتمل أن يكون موسى حيث أمر بالذهاب إلى ذلك الرجل والاتباع له والصحبة معه ؛ ليتعلم منه العلم ، فلم يستفد منه إلا علم ما أنكر عليه ، وسبب حل ذلك له ؛ إذ كان ذلك بإنكار ما أنكر عليه من الأفعال التي هي في الظاهر منكرة ، لكن جائز أن يكون استفاد منه علوماً كثيرة سوى ذلك ، لكنه لم يذكر لنا ذلك ، والله أعلم . وقول أهل التأويل : اسم الغلام الذي قتله صاحب موسى " خشنوذ " ، أو لا أدري ماذا ؟ ووالداه : اسمهما كذا ، لا نعلم ذلك ، وليس لنا إلى معرفة أساميهم حاجة ، وكذا اسم الغلامين اليتيمين صاحبي الجدار : أصرم وصريم ، ولا أدري ماذا ؟ [ و ] لا حاجة بنا إلى ذلك . وقولهم : كان صاحب موسى خضرا ، وأنه إنما سمى : خضراً ؛ لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت ؛ فذلك - أيضاً - مما لا يعلم إلا بالخبر عن الوحي - وحي السماء - فلا نقول فيه إلا قدر ما ذكره الكتاب ؛ فإنه يخرج ذكره مخرج الشهادة على الله من غير حصول النفع لنا في ذلك عمل أو غيره ، وليس في الكتاب إلا ذكر عبد من عبادنا ، وذكر الغلام ، وذكر الفتى ، وذكر غلامين يتيمين في المدينة ، وأمثاله يقال ما فيه ولا يزاد على ذلك ؛ مخافة الشهادة على الله بالكذب ، والله أعلم .