Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 83-98)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } . في الآية دلالة أن الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسأل هو عن خبر ذي القرنين ؛ لأنه قال { وَيَسْأَلُونَكَ } ، ولم يقل : " سألوك " ، والخبر الذي روى عقبة بن عامر الجهني يدل على ذلك ، أيضاً ؛ لأنه روى " أن نفراً من أهل الكتاب جاءوا بالصحف والكتب ، فقالوا لي : استأذن لنا على رسول الله : لندخلن عليه ؛ فانصرفت إليه فأخبرته بمكانهم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَالِي وَلَهُمْ يَسْأَلُونَ عما لا أعلمُ ، إنما أنا عبدٌ لا علم لي إلا ما علّمني ربّي " ، ثم قال : " أَبغني وضوءً أتوضأ به " ، فتوضأ ، ثم قام إلى مسجد في بيته ، فركع فيه ركعتين ، فما انصرف حتى بدا لي السّرور في وجهه ، ثم قال لي : " اذهب فأدخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي " ، فأدخلهم فلما رآهم النبي قال لهم : " إن شئتم أخبرتكم كما تجدونه في كتابكم " ؛ فهذا إن ثبت يدل أنه نزل عليه نبأ ذي القرنين وخبره قبل أن يسأل . وأما أهل التأويل قالوا جميعاً : إنه سئل قبل أن ينزل عليه خبره ، ثم نزل من بعد السؤال ، والله أعلم . ثم اختلف فيه : قال الحسن : كان نبيّاً ، دليله : ما قال : { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } ؛ قال : هذا تحكيم من الله إياه فيما ذكر ، ولا يولي الحكم إلا من كان نبيّاً . وأما علي بن أبي طالب فإنه سئل عن ذلك : كان نبيا أو ملكاً ؟ فقال : لا واحد منهما . وقال غير هؤلاء : إنه كان ملكا ؛ يدل على ذلك الخبر الذي روى عقبة بن عامر الجهني : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن خبره وبنائه ، قال : فقال رسول الله : " كان غلاماً من الروم أعطي ملكا فسار حتى بلغ كذا … " ، على ما ذكر في الخبر ، والأشبه أن يكون أنه كان ملكا ؛ ألا ترى أنه قال : { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ } . أي : ملكنا له الأرض له جملة ، ذكر تمكين الأرض له جملة يصنع فيها ما يشاء ، لم يخص له ناحية منها دون ناحية ، وليس كقوله : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً … } الآية [ القصص : 57 ] ، وكقوله : { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } [ الأحقاف : 26 ] : هاهنا خص مكانا لهم دون مكان ، وأما في ذي القرنين ذكر التمكين له في الأرض ، لم يخص ناحية منها دون ناحية ؛ فهو أن ملكه ومكنه الأرض كلها . وقول الحسن : إنه حكمه وولى له الحكم - فهذا لا يدل أنه كان نبيّاً ؛ لأن الملوك هم الذين كانوا يتولون الجهاد والغزو في ذلك الزمان ؛ ألا ترى إلى قوله : { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 246 ] : أن الملوك هم الذين كانوا يتولون الجهاد والغزو والقتال في ذلك مع العدو فعلى ذلك هنا . وقوله : { أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } ، وأما من آمن كذا : يحتمل هذا منه إلهام من الله - تعالى - أو تعليم الملك الذي كان فيه ، أو كان معه نبي فأخبر له بذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } . اختلف في ذلك : قال بعضهم : علم المنازل : أي : منازل الأرض ومعالمها وآثارها . وقال [ بعضهم ] : العلم والقوة . وقال بعضهم : أعطاه السبب الذي به صلاح ما مكن له ، وملك له مما يقع له الحاجة إليه . وقال بعضهم : ذلك السَّبب كان أنعاماً : كان عليها يحمل الخشب ، فيتخذ منه سفينة إن استقبله بحر ، فيعبر بها ، ثم ينقضها ويحمل الخشب على الأنعام ويعبر البر على الدواب ، فذلك السبب الذي ذكر . وأصله : أنه ذكر أنه أتاه السبب الذي به صلاح ما مكن له وملك عليه ، ولم يبيّن ما ذلك السبب ؛ فلا ندري ما أراد بذلك ؟ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } . كأنه أراد وطلب أن يعرف أنها أين تغرب ؟ حيث قال : { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } ، وفيه لغتان : { حَامِيَةً } و { حَمِئَةٍ } ، قالوا من قرأها : { حَامِيَةً } أراد : في عين حارة ، ومن قرأ { حَمِئَةٍ } - مهموزة بغير ألف - أراد الحمأة : وهي الطينة السوداء ، والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً } . قال بعضهم : كانوا كفارا ومؤمنين الفريقان جميعاً ، فقال في الكفار : { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } ، وهو القتل ، [ و ] قال في المؤمنين : { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } : ليس على التخيير ؛ ولكن على الحكم في كل فريق على حدة . وقال بعضهم : كانوا كلهم كفارا ؛ فيكون تأويل قوله : { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } : إذا لم يجيبوك ، { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } : إذا أجابوك وآمنوا بالله . وقوله - عز وجل - : { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } . هذا أنه حكم بذلك بتعليم نبي أو ملك كان معه ، أو حكم بذلك ؛ لما كان عرف أن سنة الله في الكفار القتل والإهلاك ، وفي المؤمنين الترك والإحسان ، أو ألهم إلهاماً بذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } . قال الحسن : { يُسْراً } ، أي : عارفاً . وقال بعضهم : { يُسْراً } : معروفاً . وقال بعضهم : ( اليسر ) : هو اسم كل خير وبركة ، والله أعلم بذلك . وقوله : { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } ، أي : بلاغا لحاجته . وقال غيره ما ذكرنا من السبب الذي به ملك طريق المغرب والمشرق وبه بلغ ما بلغ ، والله أعلم . ثم اختلفوا فيم سمي ذا القرنين : قال بعضهم : سميّ ذا القرنين ؛ لأنه دعا قومه إلى توحيد الله والإيمان به ؛ فضربوه على قرنه الأيمن ، ثم غاب ما شاء الله ، وفي بعض الأخبار مات ، ثم حضر فدعاهم ثانياً فضربوه على قرنه الأيسر ؛ فبقي عليه لذلك أثر ؛ فسمي لذلك ذا القرنين ، لا أن كان له قرن كقرن الثور . وقال بعضهم : سمي ذا القرنين ؛ لأنه كان له ذؤابتان ، أعني : ضفيرتان . وقال بعضهم : سمي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ قرني الشمس : مغربها ومطلعها . وقال بعضهم سمي : ذا القرنين ؛ لأنه عاش حياة قرنين ، والله أعلم بذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ } بالسبب الذي ذكر أنه أعطاه كما بلغ مغرب الشمس ، { وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } . قال الحسن : إن تلك الأرض تميد وتميع ، لا تقر ولا تسكن ، لا تحتمل البناء والحجر ؛ فإذا طلعت الشمس طلعت عليهم ، لما لم يكن لهم بناء ولا ستر تهوروا في البحار فإذا ارتفعت عنهم خرجوا . وقال ابن عباس : إن الشمس إذا طلعت كانت حرارتها أشد عند طلوعها من غروبها ؛ فتحرق كل شيء حتى لا تبقي لهم ثوباً ولا بناء ولا خشباً ولا غيره إلا أحرقته . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } . اختلف في قوله : { كَذَلِكَ } : قال بعضهم : قوله : { كَذَلِكَ } ، أي : كذلك أخبرنا رسول الله من نبأ ذي القرنين ، وخبره على ما كان . وقال بعضهم : كذلك أعطينا له من السبب حتى بلغ مطلع الشمس كما بلغ مغربها بالسبب الذي ذكر . وقال بعضهم : كذلك قيل له في المطلع من قوله : { إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } ، كما قيل له في المغرب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } . قال بعضهم : [ هو ] صلة قوله : { سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } ، { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } ، أي : عن علم سأتلو عليكم . وقال بعضهم : هو على الابتداء ، ليس على الربط والصّلة على الأول ، أي : قد أحطنا علمنا بما لديه . { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } . ما ذكرنا في بلوغه مغربها ومطلعها ، أي : أعطينا له من السّبب حتى بلغ بين السدّين في بعض القراءات { السَّدَّيْنِ } بالنصب ، فإن كان بين اللغتين فرق ؛ فيشبه أن يكون { السَّدَّيْنِ } بالرفع : الجبلين اللذين كانا هنالك ، و { السَّدَّيْنِ } بالنصب : هو بناء ذي القرنين ، وإن لم يحتمل الفرق - فهو ما بنى هو أو مكان في الخليقة . ثم اختلف في ذلك السدّ . قال بعضهم : هو المنفذ الذي كان بين طرفي الجبل الذي كان محيطا بالأرض ، يدخل فيه يأجوج ومأجوج إلى هذه الأرض ؛ فسد ذو القرنين ذلك المنفذ . وقال بعضهم : لا ؛ ولكن كانا جبلين : أحدهما : ستر بين يأجوج ، والثاني : بين مأجوج ؛ فسدّ ذلك ، والله أعلم كيف كان ؟ وقوله - عز وجل - : { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } . قال الحسن : كانوا يفقهون ما به صلاح معاشهم ، وما به بقاؤهم ، ولكن كانوا لا يفقهون الهدى من الضلال ، والخير من الشرّ ، ونحوه . وقال بعضهم : { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } : من غير كلامهم ولسانهم ؛ ولكن يفقهون بلسانهم وكلامهم ، وذو القرنين كان يعرف الألسن كلها ؛ ففقهوا هم [ منه ] وفقه هو منهم ؛ حيث قالوا { يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } ، أي : جعلا أجرا ، { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } . وقال هو : { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } : فهم ذو القرنين منهم ، وفهموا منه أيضاً ما ذكرنا ؛ فدل ذلك أنهم كانوا يفقهون بلسان غيرهم ، وفي الآية دلالة أنهم لا يفقهون شيئاً قليلا من القول ، وإن كانوا لا يفقهون كثيراً ؛ لأنه يقول : { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ } ؛ فهو يتكلم على العرف لا على النفي رأساً ، والله أعلم . وقوله : { يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } : جعلا وأجرا ؛ { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } . على تأويل الحسن يكون قوله : { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي } من النبوة { خَيْرٌ } ؛ لأنه يقول : إنه كان نبياً ؛ حيث قال له : { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ } . وعلى قول غيره يكون { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي } : من الملك والسبب الذي أعطاني ، وأبلغ به مغرب الشمس ومطلعها { خَيْرٌ } مما تذكرون . وقوله : { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } ، أي بما أتقوى به ، { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } ، أي : سدّاً . وقوله - عز وجل - : { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } ، أي : قطع الحديد . وقال بعضهم : سألهم الحديد ؛ لأن المكان مكان الحديد . وقال بعضهم : إن الحديد كان ألين لهم وأطوع من اللَّبِنِ أو القطر ، ولكن لا يعلم ذلك إلا بالسمع . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } . أي : بلغ ذلك السد رأس الصدفين ، وهما جبلان ، وسوى بهما ، والله أعلم . وقوله : { قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } . أي : أصب عليه قطرا ، قيل : نحاساً ، وقيل : رصاصا ، ذكر أنه كان يبسط الحديد صدرا ، ثم يبسط الحطب فوقه صدراً ، ثم حديدا فوق الحطب ، حتى بلغ رأس الجبلين ، وسوى بهما على هذا السبيل ، ثم أذيب القطر ، فصب فيه ، فجعل القطر يحرق الحطب ، ويذيب الحديد ؛ حتى دخل القطر مكان الحطب ، وصار مكانه ؛ فالتزق القطر بالحديد ، على هذا ذكر أنه بنى ذلك السدّ . وقال الحسن : كأنه القطر له كالملاط لنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ } . أي : يعلوه ، يعني : على ذلك السد وما استطاعوا له نقباً في أسفله ، ولا يزاد على المذكور في الكتاب في هذه الأنباء ، والقصص ، خوفاً للشهادة على الله ، والكذب عليه ، ولكن نذكر مقدار ما ذكر في الكتاب ، لا نزيد على ذلك ، وفي الكتاب القدر الّذي ذكرنا ، والله أعلم . قال القتبي : يقال للجبل : السدّ و { زُبَرَ } : قطع ، والقطر : النحاس ، وقوله : { أَن يَظْهَرُوهُ } أي : يعلوه . يقال : ظهر فلان السطح إذا علاه ، وكذلك قال أبو عوسجة ، وقال : { السَّدَّيْنِ } : ناحيتي الجبل ، والردم : السدّ ، و { ٱلصَّدَفَيْنِ } : هو مثل السدّين ، { أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } ، أي : أصب عليه نحاساً . وقوله - عز وجل - : { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي } يحتمل أنه السدّ الذي بني وحال بينهم وبين يأجوج ومأجوج ، فذلك منه رحمة ، أي : برحمته كانت تلك الحيلولة ، أو كان ذلك نعمة من الله ، والرحمة هي النعمة ، أي : هذا السدّ بينكم وبينهم نعمة من ربي عليكم . ثم فيه وجهان : أحدهما : ذكر أن ذلك كان برحمة من الله إذا فرغ منه ، وقد كان في الابتداء حين سألوه أن يجعل لهم السدّ أضاف الفعل إلى نفسه حيث قال : { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } دلّ ذلك أن ما فعل برحمة منه وفضل ، وأن له في ذلك صنعاً . والثاني : فيه أن له أن يفعل بالخلق ما ليس هو بأصلح لهم في الدين ؛ لأنه لا يخلو إما أن كان الأول لهم أصلح في الدين ، ثم فعل الثاني ، فلا يكون الثاني أصلح لهم في الدين ، وإذا كان الأصلح لهم في الدّين الثاني فالأول لم يكن ، ثم ذكر أن ذلك رحمة منه . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } ، أي : فإذا جاء الذي به كان وعد ربي وهو الموعود ؛ ولأن الوعد لا يجيء فكأنه قال : موعود ربّي ، وهو خروج يأجوج ومأجوج ، أو فتح ذلك السدّ { جَعَلَهُ دَكَّآءَ } أي : كسراً أو هدماً على ما ذكرنا ، و { جَعَلَهُ دَكَّآءَ } أي : هدمه وسواه بالأرض . وقال القتبي : { جَعَلَهُ دَكَّآءَ } ، أي : ألصقه بالأرض . { يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } أي : يجول بعضهم في بعض . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } هذا وعد والأول موعود .