Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 111-113)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } . يحتمل هذا وجهين : يحتمل : أَن قالوا ذلك جميعاً ؛ لما أَرادوا أَن يُروا الناس الموافقة فيما بينهم ؛ ليرغبوا في دينهم ، وينفروا عن دين الإِسلام ، وإن كانوا هم - في الباطن - على الخلاف والعداوة . ويحتمل : أَن يكون ذلك القولُ من كل فريق في نفسه ، لا عن كل الفريقين جميعاً على الموافقة . دليله : قوله : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ } دلت الآية أن ذلك القولَ لم يكن من الفريقين جميعاً على الموافقة ، ولكن كان من كلٍّ في نفسه على غير موافقة منهم ولا مساعدة ، والله أعلم . ثم في الآية دليلٌ ، لزم الدليل على النَّافي ؛ لأَنهم نفوا دخول غيرهم الجنَّة بقولهم : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } فطلبوا بالبرهان بقوله : { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أنه لا يدخل فيها سواكم . فإن قيل : إنهم إذا نفوا دخول غيرهم فيها ادعوا لأنفسهم الدخول ، فإنما طولبوا بالبرهان على ما ادعوا ، وليس على ما نَفَوا . قيل : لا يحتمل ذا ؛ لأَنهم لم يذكروا دخول أنفسهم تصريحاً ، إنما نفوا دخول غيرهم وهو كمن يقول : لا يدخل هذه الدار إلا فلانٌ وفلان ، ليس فيه أن فلاناً وفلاناً يدخلان ولكن فيه نفيُ دخول غيرهما . أَو نقول : نَفَوْا دخول غيرهم تصريحاً ، وادعوا لأَنفسهم الدخول مستدلا ، وإنما يطلب الحجة على مُصَرَّح قولهم ، لا على مستدلَّهم . أَلا ترى أَن الجواب من الله - عز وجل - بالإكذاب والرد عليهم خرج على ما نفوا دخول غيرهم ، وهو قوله : { بَلَىٰ } - يدخل الجنة - { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } . ألا ترى إلى ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قال : " لا نكاح إلا بشهود " ليس فيه إثبات النكاح إذا كان ثَّم شهود ؛ ولكن فيه نفي النكاح بغير شهود تصريحاً . ألا ترى أَن من قال : لا نكاح إلا بشهود ، لا يسأَل أَنْ : لِم قلت : إن النكاح يجوز بالشهود ؟ ولكن يسأَل أَنْ : لِمَ قلت : إنه لا يجوز بغير شهود ؟ فعلى ذلك قوله : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } ليس فيه إثبات الدخول لهم تصريحاً ، وفيه نفي دخول غيرهم تصريحاً ، والله أعلم . وقوله : { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } . قد قلنا : إنه خرج مخرج الرد عليهم ، والإنكار لحكمهم على الله ؛ فقال : بل يدخلها من أَسلم وجهه لله وهو محسن . ثم اختلف في قوله : { أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ } . قيل : أخلص دينه لله وعمله . وقيل : أَسلم نفسه لله . وقد يجوز أن يذكر الوجه على إرادة الذات ، كقوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] أي : إلا هو . وقيل : أَسلم ، أَي : وجه أَمره إلى دينه فأَخلص . وبعضُه قريب من بعض . أَسلم نفسه لله أَي بالعبودية ؛ كقوله : { وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ } [ الزمر : 29 ] . وذلك معنى الإِسلام : أَن تُخْلص نفسك لله ، لا تجعل لأَحد شركاً من عبودة ، ولا من عبادة . وقوله : { فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . قد ذكرنا متضمنها فيما تقدم . وقوله : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } . فإن قيل : كيف عاتبهم بهذا القول ، وقد أَمر نبيه - عليه السلام - في آية أُخرى أَن يقول لهم ذلك { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } [ المائدة : 68 ] . قيل : إنما أَمر نبيه : أَن يقول لهم : إنهم ليسوا على شيء إذا لم يقيموا التوراة ، فأَما إذا أَقاموا التوراة - وفيها أَمر لهم بالإسلام ، واتباع الرسول محمد - فهُم على شيء . ومعنى هذا الكلام - والله أعلم - أن قال لهم : كيف قلتم ذلك ، وعندكم من الكتاب ما يبين لكم ، ويميز الحق من الباطل ، ويرفع من بينكم الاختلاف ، لو تأَملتم فيه وتدبرتم ؟ ! ويحتمل : أَن كل فريق منهم لما قال لفريق آخر ذلك : أنهم ليسوا على شيء ، أكذبهم الله - تعالى - وردّ عليهم : بلى من أَسلم منهم فهم على شيء ؛ لأَنه كان أَسلم من أَوائلهم . ويحتمل : أَنهم ليسوا على شيء ، على نفس دعاويهم ، وقولِهم في الله بما لا يليق ، وهم على شيء ، في تكذيب بعضهم بعضاً بما قالوا . وقيل : لما قالت اليهود : ليست النصارى على شيء من الدين ؛ فما لك يا محمد اتبع ديننا ؛ فإنهم ليسوا على شيء ؛ وكذلك قول الفريق الآخر لأُولئك . ثم اختلف في " الإسلام " : قيل : الإسلام هو الخضوع . وقيل : الإسلام هو الإخلاص بالأفعال ، وهو أَن يُسْلم نفسه لله ، أَو يسلم دينه ، لا يشركه فيه . وقوله : { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } . قيل : الذين لا يعلمون : الذين لا كتاب لهم ، وهم مشركو العرب . وقيل : الذين لا يعلمون : هم الذين لا يقدرون على تلاوة [ القرآن و ] الكتاب ، وتمييز ما فيه ، وهم جهالهم . سوَّى - عز وجل - بينهم في القول - مَنْ علم منهم ومَن لم يعلم - لأن من علم منهم لم ينتفع بعلمه ؛ فكان كالذي لم يعلم شيئاً ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم في قوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : 18 ، 171 ] أَنه سماهم بذلك ؛ لما لم ينتفعوا بالآيات ، والأَسباب التي أَعطاهم الله - عز وجل - والله أعلم . وقوله : { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } . بالعذاب ؛ لاختلافهم فيما بينهم ، وبقولهم في الله بما لا يليق ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً .