Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 114-115)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ } . يقول : لا أَحد أَظلم لنفسه ، ولا أوضع لها . وقوله : { مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } . اختلف فيه : قيل : مساجد الله : الأَرض كلها ؛ لأَن الأَرض كلها مساجد الله ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم : " جُعِلَت لي الأَرض مسجداً وطَهوراً " منع أَهلُ الكفر أَهلَ الإسلام أَن يذكروا فيها اسم الله ، وأَن يُظهروا فيها دينه . وقوله : { وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ } . وهو كقوله : { وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } [ المائدة : 33 ] . ويخرج قوله : { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } . أي : لا يدخلون البلدان والأَمصار إلا بالخوف ، أَو بالعهد ؛ كقوله : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ آل عمران : 112 ] وهو العهد . ويحتمل قوله : { مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } : ما كان ينبغي لهم - بما عليهم من حق الله ، وتعظيمه - أَن يدخلوا المساجد إلا خائفين وجلين ؛ لما كانت هي بقاع اتخذت لعبادة الله ، ونسبت إليه تعظيماً لها ؛ فدخلوا مخرِّبين لها ، مانعين أَهلها من عبادة الله فيها . وقيل : مساجد الله : المسجد الحرام . وذلك أَنهم حالوا بينها وبين دخول محمد صلى الله عليه وسلم وأَصحابه فيها ، حتى رجعوا من عامهم ذلك . ثم فتح الله - عز وجل - مكة لهم ، فصار لا يدخلها مشرك إلا خائفاً ؛ كقوله - عز وجل : { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } [ التوبة : 28 ] . وقيل : أراد بمساجد الله : بيت المقدس ؛ قيل : إن النصارى استعانوا ببُختنصَّر وهو رئيس المجوس ، حتى خربوا المساجد ، وقتلوا من فيها من أَهل الإسلام ، ثم بنى أَهل الإسلام - بعد ذلك بزمان - مساجد ، فكان لا يدخل نصراني فيها إلا خائفاً ، مستخفياً . والله أعلم . وقوله : { لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } . قيل : الخزي : الجزية . ويحتمل القتال ، { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . وقوله : { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } . قيل : إن رهطاً من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا سَفْراً ، وذلك قبل أن تُصرف القبلة إلى الكعبة ، فحضر وقت الصلاة ، فاشتبه عليهم ، فتحرَّوْا : فمنهم من صلى إلى المشرق ، ومنهم من صلى إلى المغرب ؛ صلوا إلى جهات مختلفة ، فلما بان لهم ذلك قدموا على رسول الله صلى الله وسلم ، فسأَلوا عن ذلك ؛ فنزلت الآية فيهم { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } . وهذا يردُّ على الشافعي قولَه : لأَنه يقول : إنْ صلى إلى جهة القبلة يجوز ، وإلا فلا . وليس في الآية ذكر جهةٍ دون جهةٍ ، بل فيها ذكر المشرق والمغرب ، وكذلك في الخبر ذكر المشرق والمغرب ؛ فخرج قوله على ظاهر الآية ، وهذا عندنا في الاشتباه والتحري ، وأَما عند القصد فهو قوله : { فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } . ورُوِي عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن قوله : { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ . … } الآية ، نزلت في النوافل في الأسفار . ولكن عندنا على ما ذكرنا في الكل ، والله أعلم . وقوله : { فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } . اختلف فيه : قيل : ثم وجه الله ، يعني : ثَمَّ ما قصدتم وجه الله . وقيل : ثَمَّ قِبْلَةُ الله . وقيل : ثَمَّ وجهُ الله : ثم الله . على ما ذكرنا من جواز التكلم بالوجه على إرادة الذات ، أي : ليس هو عنهم بغائب . وقيل : ثَمَّ رضاء الله . وقيل : ثم ما ابتغيتم به وجه الله . وقيل فيه : ثم وجه الذي وجهكم إليه إذا لم يجيء منكم التقصير ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكل الناسي : " إنما أَطعمك الله وسقاك " . وقيل فيه : ثم بلوغكم ما قصدتم بفعل الصلاة من وجه الله ورضائه ، أي : ظفرتم به . ثم الغرض في القبلة ليس إصابة عينها ، ولكن أَغلب الظن ، وأَكبر الرأْي ؛ لأَنه ليس لنا إلى إصابة عينها سبيلٌ ؛ إذ سبيل معرفتها بالاجتهاد ، لا باليقين والإحاطة ، ليس كالمياه والأَثواب وغيرها من الأَشياء ؛ لأَن هذه الأَشياء في الأَصل طاهرة ، والنجاسة عارضة فيظفر بأَعينها على ما هي في الأَصل . وأَما أَمر القبلة فإنما بني على الاجتهاد والقصد ، دون إصابة عينها . والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . قيل : الواسع : الغنيُّ . وقيل : الواسع : الجواد ، حيث جاد عليهم بقبول ما ابتغوا به وجه الله ، وحيث وسع عليهم أَمر القبلة . { عَلِيمٌ } بما قصدوا ونَوَرْوا .