Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 116-118)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ } . فيه تنزيه ، نزه به نفسه عما قالوا فيه بما لا يليق ، ورد عليهم . ومعناه - والله أعلم - : أَنَّ اتخاذ الولد ، والتبني - في الشاهد - إنما يكون لأَحد وجوهٍ ثلاثة تحوجه إلى ذلك : إما لشهوات تغلبه ؛ فيقضيها به . وإما لوحشة تأْخذه ؛ فيحتاج إلى من يستأْنس به . أَو لدفع عدو يقهره ؛ فيحتاج إلى من يستنصر به ويستغيث . فإذا كان الله - عز وجل - يتعالى عن أَن تمسه حاجة ، أَو تأْخذه وحشة ، أَو يقهره عدو ، فلأَي شيء يتخذ ولداً ؟ ! . وقوله : { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . رد على ما قالوا : بأن من ملك السماوات وما فيها ، وملك الأَرض وما فيها - لا تمسه حاجة ، ولا يقهره عدو ؛ إذ كل ذلك ملك له ، يجري فيهم تقديره ، ويمضي عليهم أَمره وتدبيره ، وإنما يرغب إلى مثله إذا اعترض له شيء مما ذكرنا ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً . فإن عورض بالخلة ، قيل : إن الخلة تقع على غير جوهرِ مَنْ منه الخلة ، والولدُ لا يكون إلا من جوهره ، وإلى هذا يذهب الحسن . والثاني : أَن الخلة تقع لأَفعال تكتسب ، وتسبق منه ، فيعلو أَمره ، وترتفع مرتبته ؛ فيستوجب بذلك الخلة بمعنى الجزاء ، وأَما الولد فإنه لا يقع عن أَفعال تكتسب ، بل بدو ما به استحقاقه يكون من مولده . وقد نفى عن نفسه ما به يكون بقوله : { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ } [ الأنعام : 101 ] . والثالث : ما قاله الراوندي : أَنه لا بد من أَن يدعي إلى التسمي ، أَو إلى التحقيق ؛ إذ في الخلة تحقيق ما به يسمى . ثم لم يحتمل في هذا تحقيق ما به يسمى ، والاسم لم يرد به الإذن ، وبالله التوفيق . ويحتمل قوله : { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } وجهاً آخر ، وهو أَن يقال : إن ما في السماوات وما في الأَرض ، كلهم عبيده وإِماؤه ، فأَنتم مع شدة حاجتكم إلى الأَولاد لا تستحسنون أَن تتخذوا عبيدكم وإِماءكم أولاداً ، فكيف تستحسنون ذلك لله - عز وجل - وتنسبون إليه مع غناه عنه ؟ وبالله التوفيق . وقوله : { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } . قيل فيه بوجوه : قيل : إن كل من في السماوات والأرض من الملائكة ، وعيسى ، وعُزير ، وغيرهم - من الذين قلتم : إنه اتخذهم ولداً - قانتون له ، مُقِرُّون بالربوبية له ، والعبودية لأَنفسهم له . وقيل : { قَانِتُونَ } : مطيعون ؛ أي : كلهم مطيعون متواضعون . وقيل : القانت : هو القائم ، لكن القائم على وجهين : يكون القائم المنتصب على الأَقدام ، ويكون القائم بالأَمر والحفظ . ثم لا يحتمل أَن يراد بالقانت هاهنا : المنتصب بالقدم ؛ فرجع إلى الطاعة له وحفظ ما عليه ، وهو كقوله : { هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] من الحفظ والرزق . ويحتمل : تنزيه الخلقة ؛ لأَن خلقة كل أحد تنزه ربه عن جميع ما يقولون فيه . أَو أَن يقال : { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } في الجملة ؛ كقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزخرف : 87 ] . وقوله : { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . ابتدعهما ولم يكونا شيئاً . والبديع والمبدع واحد ؛ وهو الذي لم يسبقه أَحدٌ في إنشاءِ مثله ؛ ولذلك سمي صاحب الهوى : مبتدعاً ؛ لمَّا لم يسبقه في مثل فعله أَحد . ثم فيه الحجةُ على هؤلاء الذين قالوا : اتخذ الله ولداً ، يقول : إن من قدر على خلق السماوات والأَرض من غير شيء ، ولا سبب ، كيف لا يقدر على خلق عيسى من غير أَب ؟ ! والثاني : أَن يقال : إِن من له القدرةُ على خلق ما يصعب ، ويعظم في أَعينكم ، بأَقل الأَحرف عندكم - كيف لا يقدر على خلق عيسى من غير أَب ؟ ! وقوله : { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ } . قيل : وإذا حكم حكماً : فإنما يقول له : كن فيكون . وقيل : { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً } ؛ يعني قضى بإهلاك قوم واستئصالهم { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } . ثم قوله : { كُنْ فَيَكُونُ } . ليس هو قول من الله : أَن كُنْ - بالكاف والنون - ولكنه عبارة بأَوجز كلام ، يؤدي المعنى التام المفهوم ؛ إذ ليس في لغة العرب كلام التحقيق بحرفين يؤدي المعنى المفهوم أَوجز من هذا ، وما سوى هذا فهو من الصِّلات ، والأَدوات ، فلا يفهم معناها ، والله أعلم . ثم الآية تردُّ على من يقول : بأَن خلق الشيء هو ذلك الشيء نفسه ؛ لأَنه قال : { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً } ذكر " قَضى " وذكر " أَمْراً " ، وذكر " كُنْ فَيَكُونُ " . ولو كان التكوين والمكون واحداً لم يحتج إلى ذكر كن في موضع العبارة عن التكوين فالـ " كن " تكوينه ، فيكون المكون ؛ فيدل أنه غيره . ثم لا يخلو التكوين : إما أَن لم يكن فحدث ، أَو كان في الأَزل . فإن لم يكن فحدث ، فإِما أَن يحدث بنفسه - ولو جاز ذلك فى شيء لجاز في كل شيء - أَو بإِحداث آخَر ، فيكون إحداث بإحداث ، إِلى ما لا نهاية له . وذلك فاسد ، ثبت أَن الإِحداث والتكوين ليس بحادث ، وأَن الله تعالى موصوف في الأَزل أَنه محدث ، مكون ؛ ليكون كل شيء في الوقت الذي أراد كونه فيه ، وبالله التوفيق . وقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ } . قيل فيه بوجوه : قيل : الَّذِينَ لا يعلمون ، يعلمون في الحقيقة ، ولكن سماهم بذلك ؛ لما لم ينتفعوا بعلمهم . وقيل : لا يعلمون توحيدَ ربهم ؛ وهم مشركو العرب . قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : هلا يكلمنا الله ، أَو تأْتينا آية فتُخبرنا بأَنك رسوله . وقيل : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ } ، أَي : لا يعلمون أَنهم لم يبلغوا المبلغ الذي يتمنون تكليم الله إياهم . وقيل : { لاَ يَعْلَمُونَ } أَنه قد كلمهم وأَخبرهم بالوحي ، وإيتاء رسوله صلى الله عليه وسلم آياتٍ على رسالته ، لكنهم يعاندون . وقوله : { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ } . قيل : الذين من قبلهم : بنو إسرائيل ؛ قالوا لموسى مثل ما قال مشركو العرب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] . وقيل : اليهود سأَلوا مثل سؤال النصارى . وقيل : النصارى سأَلوا مثل سؤال اليهود ، والله أعلم . وقوله : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } . بالكفر والسفه . وقيل : تشابهت قلوبهم في المقالة ؛ يشبه بعضُها بعضاً في السؤال ؛ لأَنهم سأَلوا سؤال تعنت ، لا سؤال مسترشد . وقوله : { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . يحتمل وجهين : أَحدهما : هذا القول . والثاني : أَن يسأَلوا سؤال التعنت والعتو ، لا سؤال مسترشد ؛ إذ الله - تعالى - قد أَثبت آيات الإرشاد لمن يبتغي الرشد ، ولا قوة إلا بالله . وقوله : { قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } . قيل : بينا أَمر محمد صلى الله عليه وسلم بالآيات ، والحجج التي أقامها : أَنه رسول لمن آمن به ، وصدقه ، ولم يعانده .