Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 119-123)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً } . قيل : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } يا محمد ؛ لتدعوَهم إلى الحق ، وهو التوحيد . وقيل : بالحق : بالقرآن . وقيل : بالحق : بالحجج والآيات . { بَشِيراً } لمن أَطاعه بالجنة ، { وَنَذِيراً } لمن عصاه وخالف أمره بالنار . وقيل : بالحق الذي لله على الخلق ، والحق الذي لبعضٍ على بعض ؛ لتدعوهم إليه وتدلهم عليه . وقوله : " ولا تَسْأَل عن أصحاب الجحيم " . وجائز أن يكون بمعنى : لا تَسْأَل بعد هذا عنهم . ولم يُذكر أَنه سئل عنهم بعده ؛ فيكون ذلك آية له بما هو خبر عن علم الغيب . قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : " ليت شعري ! ما فعل أَبواي ؟ " فأَنزل الله - تعالى - هذه الآية . وفيها لغتان : " لا تَسأل " بنصب التاءِ وهو ما ذكرنا . ويحتمل وجهاً آخر : أَي لا تشتغل بأَصحاب الجحيم ؛ فإن ذلك تكلفٌ منك وشُغل . وفيها لغةٌ أُخرى برفع التاءِ : { وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } ، أَي : لا تُسأَل أنت يا محمد عن ذنوب أَصحاب الجحيم ؛ وهو كقوله : { وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ البقرة : 134 ، 141 ] ، وكقوله : { عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [ النور : 54 ] ، وكقوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الأنعام : 164 ، الإسراء : 15 ، فاطر : 18 ، الزمر : 7 ] ونحوه . وقوله : { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } . اختلف في الملة : قيل الملة : السنة ؛ كقوله " بسم الله ، وعلى ملة رسول الله " ، وكقوله : { ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } [ النحل : 123 ] . وقيل : الملة : الدين ، كقوله عليه السلام : " لا يتوارث أهل الملتين " . وقيل : الملة هاهنا : القبلة ، وهو كقوله : { وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } [ البقرة : 145 ] . آيس - عز وجل - رسوله صلى الله عليه وسلم عن اتباع أُولئك دينه وقبلته ؛ لأَنهم يختارون الدين ، والقبلة ؛ بهوى أَنفسهم ، لا بطلب الحق ، وظهوره ، ولزوم الحجة . وذلك : أَن النصارى إنما اختاروا قبلتهم المشرق ؛ لأَن مكان الجبل الذي كان فيه عيسى في ناحية المشرق بقوله : { إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } [ مريم : 16 ] . واليهود اختاروا قبلتهم ناحية المغرب ؛ لأَن موسى عليه السلام كان بناحية المغرب لما أعطى الرسالة وكلمه ربه ؛ كقوله : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ } [ القصص : 44 ] . وأما أهل الإسلام فإنما اختاروا الكعبة - شرفها الله - قبلة بالأَمر ، لا اتباعاً لهواهم . والعقل يوجب أن تكون الكعبة قبلة ؛ إذ هي مقصد الخلق من آفاق الدنيا ، فلما احتيج في الصلاة إلى التوجه إلى وجه كان أَحَق ذلك الموضع الذي جعل للخلق مقاصد أخرى . ثم قوله تعالى : { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } . أخبر - عز وجل - رسوله : أن ليس في وسعك إرضاءُ هؤلاء ؛ لاختلافهم في الدعاوى في الملل . فإن قيل : كيف نهى رسوله عن اتباع ملتهم على علم منه : أنه لا يتبع ؟ قيل : لأن العصمة لا تزيل المحنة ، ولا تدفعها ، بل المحنة إنما تقع في العصمة لوجهين : أحدهما : أن عصمته لِمَا مضى لا توجب عصمته في الحادث . والثاني : أَن أَحق مَنْ يُنهى عن الأَشياء مَنْ أُكرم بالعصمة ؛ إذ على زَوال النهي يرتفع عنه جهة العصمة ؛ لأَنه يصير برفع النهي مباحاً . فلهذا دل القول على النهي عما فيه إرضاؤهم - وإن كان في الأصل معصوماً عنه - وبالله التوفيق . وفي إزالة الأمر والنهي إِزالةُ فائدة العصمة ؛ لأَن العصمة : هي أَن يعصم في الأمر حتى يؤديَه ، وفي النهي ، حتى ينتهيَ عنه ، وبالله التوفيق . وقوله : { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } . قيل : إن دين الله - الذي اختاره أَهلُ الإِسلام ؛ بالأمر ، واتباع الآيات ، والحجج - هو الدين ، لا كما اختار أُولئك بهوى أنفسهم ، واستقبال الآيات والحجج بالرد ، والإنكار ، والمعاندة . ويحتمل : أن يكون الخطابُ في قوله : { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } والبيانُ لأَصحابهِ ، ومن دخل في دينه وصدقه ، لا هو . وذلك كثير في القرآن ؛ يخاطَبُ هو والمراد غيره . وقوله : { مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } . ظاهره : من ولي يتولى الدفاع عنك ، ولا نصير يمنعك من العذاب . ويحتمل : ينصرك فتغلب به سلطان الله فيما يريد تعذيبك . وقوله : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } . قيل : الكتابُ : أَراد به التوراةَ أَو الإنجيلَ . وقيل : أَراد به القرآن . ومن حمله على التوراةِ والإِنجيل قال : فيه إِضمار واوِ كأَنه قال : الذين آتيناهم الكتاب ، ويتلونه حق تلاوته ، أُولئك يؤمنون به ، أَي : إذا تَلَوْا حق التلاوة ؛ فحينئذ يؤمنون به . وقيل : يتلونه حق تلاوته ، يعني يعملون به حق عمله ، ولا يكتمون نعته صلى الله عليه وسلم ، ولا يحرفونه . { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } . وهم الذين أَسلموا منهم . وقيل : يتبعونه حق اتباعه . وهو واحد . ومن حمله على القرآن ، فالذين يتلونه حق تلاوته أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .