Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 130-134)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } . ثم اختلف في الملة ؛ قيل : الملة : الدين . وقيل : الملة السنة . وقيل : الإسلام . وكله واحد . وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . وقوله : { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } . بما يعمل من عمل السفه . ويحتمل : { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } أي بنفسه ؛ فكان انتصابه لانتزاع حرف الخافض . وقيل : جهل نفسه فيضعها في غير موضعها . وقوله : { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا } . بالنبوة والرسالة والعصمة . ويحتمل : ما جزاهم في الدنيا بثناء حسن لم ينقص من جزائهم في الآخرة . وقوله : { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . فى المنزلة والثواب . ويحتمل : { لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } : لمن المرسلين . ويحتمل : أَن يكون بشِّره في الدنيا ؛ أَنه كان من الصالحين في الآخرة ؛ فيكون - في ذلك - وعدٌ له بصلاح الخاتمة ، كما وعد محمداً صلى الله عليه وسلم مغفرة ما تقدم من الذنب وما تأَخر . وفي ذلك أيضاً : وعد بصلاح الخاتمة - والله أعلم - فأَخبر بما كان بشَّره . ويجوز : تفاضُلهم في الآخرة ، على ما كانوا عليه . وقوله : { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . قيل : أَخْلِصْ . ويحتمل : أَن يكون أَمراً بابتداءِ إِسلام ، على ما ذكرنا من تجدده في كل وقت يهمد . ثم يحتمل : أَن يكون وحياً أوحى إليه ، أَن قل كذا ، فقال به . فإِن كان وحياً فهو على أَن يُسلم نفسه لله . ويحتمل : أَن يكون إِسلام القلب - بتغاضي الخلقة بالإسلام - فإن كان على هذا ؛ فهو على الإسلام دون توحيده . ويحتمل : أَن يكون إٍسلام خِلقة ؛ كقوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] ، بالخلْقة . وعلى ذلك يخرج قوله لإبراهيم : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } [ الحج : 27 ] ؛ فدعاهم ، فأَجابوه في أَصلاب آبائهم إِجابة الخِلقة وقت كونهم . وقيل : يحتمل : أَن يكون أَمر بابتداءِ الإسلام ، كقوله : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً … } [ الأنعام : 76 ] إلى آخره . ثم قال : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً } [ الأنعام : 79 ] يكون جواب قوله : { أَسْلِمْ } والله أعلم . وقوله : { وَوَصَّىٰ بِهَآ } . يعني بالملة . والملةُ تحتمل ما ذكرنا . وقوله { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } . وهو الإسلام ؛ ردّاً على قول أولئك الكفرة : إِن إبراهيم كان على دينهم ؛ لأَن اليهود زعمت أَنه كان على دينهم يهوديّاً . وقالت النصارى : بل كان على النصرانية . وعلى ذلك قالوا لغيرهم : { كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } [ البقرة : 135 ] . فلما ادَّعى كلُّ واحد من الفريقين : أَنه كان على دينهم ، أَكذبهم الله - عز وجل - في قولهم ، ورد عليهم في ذلك فقال : قل يا محمد : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً } [ آل عمران : 67 ] ؛ فعلى ذلك قوله : { ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } . أَخبر - عز وجل - أَن دينه كان دينَ الإسلام ، وهو الذي اصطفاه له ، لا الدين الذي اختاروا هم من اليهودية والنصرانية ؛ لقوله تعالى : { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ * فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } [ النجم : 24 - 25 ] أي ليس له . وقوله : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } . يقول أَكنتم شهداءَ إِذ حضر يعقوب الموت ؟ ! أَي : ما كنتم شهداءَ حين حضر يعقوب الموت . قيل : ويحتمل : أَن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أَلست تعلم أَن يعقوب يوم مات أوصى بَنِيه بدين اليهودية ؟ فأَنزل الله تعالى : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ } أَي : أَكنتم شهداءَ وصية يعقوب بنيه ؟ ! أَي : لم تشهدوا وصيته ، فكيف قلتم ذلك ؟ ! ثم أَخبر - عز وجل - عن وصية يعقوبَ بنيه فقال : { مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ … } الآية . وقوله : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . يعني : مخلصين بالتوحيد ، وبجميع الكتب والرسل ، ليس كاليهود والنصارى يؤمنون ببعضٍ ويكفرون ببعضٍ ، ثم يدعون : أَن ذلك دين إبراهيم ، ودين بنيه . ثم في الآية دلالة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأَنه أخبر عن الأَخبار التي قالوا ، من غير نظر منه في كتبهم ، ولا سماع منهم ، ولا تعلم ، دل : أَنه بالله علم ، وعنه أَخْبر . وقوله : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . كان - والله أعلم - لما ادعَوْا أَن إِبراهيم ومن ذكر من الأَنبياءِ كانوا على دينهم ؛ فقال عند ذلك : لا تُسْأَلون أَنتم عن دينهم وأَعمالهم ، ولا هم يُسْأَلون عن دينكم وأَعمالكم ، بل كلٌّ يُسْأَل عن دينه وما يعمل به .