Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 204-207)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ } . قيل : إن رجلاً من الكفار كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره أنه يحبه وكان يعد له الإيمان والمتابعة له في دينه ، ويحلف على ذلك ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه ذلك ويدنيه في المجلس ، وفي قلبه خلاف ذلك ، فأنزل الله عز وجل : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ … } الآية . وقيل : إنها نزلت في المنافقين ؛ لأنهم كانوا يرون من أنفسهم الموافقة له في الدين ، ويظهرون أنهم على دينه ومذهبه ، ويضمرون الخلاف له في السر والعداوة ، ويحلفون على ذلك ، فأنزل الله عز وجل : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ … } الآية . والله أعلم . وقوله : { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } . قيل : أشد الخصام . وقيل : أجدل بالباطل . وقيل : أظلم في الخصومة ، لا يستقيم أبداً . وقوله : { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } . قيل فيه بوجوه : قيل : { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ } ، أي يقتل النساء ، وهن حرث ، كقوله تعالى : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 223 ] ، وفي أهلاك النساء إهلاك [ النسل ] . وقيل : أراد بالحرث : الحرث نفسه - وهو الزرع ، والنسل والدواب - يحرق الحرث ، ويعقر الدواب وكل حيوان . وقيل : إنهم كانوا يسعون بالفساد ويعملون بالمعاصي ، فيمسك الله تعالى عنهم المطر ، فيهلك كل شيء من الناس وغيرهم . ويحتمل : { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ } ، قتل ولد آدم ، وفي أهلاكهم إهلاك كل حرث ؛ لأنهم هم الذين يحرثون ويتناسلون . والله أعلم . وقوله : { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } ، ظاهر . وقوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } . { قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } . عن صنيعك ، وهو السعي في الأرض بالفساد ، حملته الحمية على الإثم تكبراً منه . قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } ، يقول - والله أعلم - : أعرض عنه ، واتركه وصنيعه ، فإن جهنم مصيره ومأواه . وروي عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله تعالى عنه ، أنه قال : " إن أبغض الناس من يقال له : اتق الله ، فيقول : عليك نفسك " . وقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } . يحتمل : { يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ } ، أي يهلك نفسه ، أي يبيع نفسه في عبادة الله تعالى وطاعته . فذلك شراؤه إياها . ويحتمل : { يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ } ، أي يبذل نفسه للجهاد في سبيل الله ، وهو كقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } [ التوبة : 111 ] ، فهؤلاء بذلوا أنفسهم لذلك بتفضيل الله عز وجل ببذل الجنة لهم ، فهو الشراء . والله أعلم . وهو ما روي أن أبا بكر الصديق ، رضي الله تعالى عنه ، ألقى نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هم المشركون بقتله . وفيه دلالة أن أبا بكر الصديق ، رضي الله تعالى عنه ، كان أشجع الصحابة وأصلبهم ، وإن كان ضعيفاً في نفسه ، لما لم يتجاسر أحد من الصحابة على مثله . وما روي أيضاً أنه خرج لمقاتلة أهل الردة وحده . فدل هذا كله أنه كان أشجعهم وأصلبهم في الدين . وقيل : إن هذه الآية نزلت في صهيب ، ابتاع دينه بأهله وماله على ذلك والله أعلم . وقوله : { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } . يحتمل : أن أراد كل العباد ، وهو أن الكافر إذا أسلم وأخلص دينه لله تعالى يتغمده في رحمته ويقبل منه ذلك ، ويتجاوز عنه عما كان منه في الشرك والكفر . الله أعلم . ويحتمل : أن أراد بالعباد : المؤمنين خاصة ، رحيم بهم .