Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 208-212)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً } . { ٱلسِّلْمِ } ، فيه لغتان : بالكسر والنصب . فمن قرأ ذلك بالكسر فهو الإسلام . ومن قرأ ذلك بالنصب فهو الصلح ؛ كقوله تعالى : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا … } [ الحجرات : 9 ] إلى آخر الآية . فإن قيل : كيف أمر بالدخول ، وهم فيه ؛ لأنه خاطب المؤمنين بقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } ؟ قيل : بوجوه : أحدها : أنه يحتمل قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بألسنتهم ، آمنوا بقلوبكم . ويحتمل : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ببعض الرسل من نحو عيسى ، وموسى ، وغيرهم من الأنبياء ، آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : أمره إياهم بالدخول أمر بالثبات عليه . وقيل : إنه تعالى إنما أمرهم [ بالدخول ] فيه ؛ لأن للإيمان حكم التجدد والحدوث في كل وقت ، لأنه فعل ، والأفعال تنقضي ولا تبقى ، كأنه قال : يا أيها الذين آمنوا فيما مضى من الأوقات ، آمنوا في حادث الأوقات . وعلى هذا يخرج تأويل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ } [ النساء : 136 ] . وقوله : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } . قد ذكرنا تأويله فيما تقدم . وقوله : { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } . أي : ملتم وتركتم من بعد ما ظهر لكم الحق . وقوله : { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . قيل : { عَزِيزٌ } أي منتقم بميلكم وترككم الحق بعد الظهور . ويحتمل : { عَزِيزٌ } ، أي غني عن طاعتكم له وعبادتكم إياه . وقيل : { عَزِيزٌ } ، من أن يقهر أو يذل أو يغلب ؛ لأن العزيز نقيض الذليل . وقيل : { عَزِيزٌ } ، لا يقدر أن يصل إليه ، أو يقهره إلا ذل بنفسه ، كما يقال : عزيز لا يرام . وقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } . قيل فيه بوجوه : قيل : { أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } بأمره . وهو قول الحسن . وقيل : { يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } ، أي أمر الله ؛ وهو كقوله : { أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } [ النحل : 33 ] ، وكقوله : { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } [ الأنعام : 158 ] على إضمار الأمر فيه . وقيل : قوله : { فِي ظُلَلٍ } ، في بمعنى ( الباء ) ، وكأنه قال : يأتيهم الله بظلل من الغمام ، وذلك جائز - استعمال ( في ) مكان ( الباء ) ؛ لأنهما جميعاً من حروف الخفض ، والعرب تفعل ذلك ولا تأبى . والأصل في هذا ونحوه : أن إضافة هذه الأشياء إلى الله - عز وجل - لا توجب حقيقة وجود تلك الأشياء منه على ما يوجد من الأجسام ، لما يجوز إضافته إلى ما لا يوجد منه تحقيق ذلك ، نحو ما يقال : جاءني أمر فظيع ، و { جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } [ الإسراء : 81 ] ، وجاء فلان بأمر كذا ، وجاءكم رسول . فذكر المجيء والإتيان لا على تحقيق وجود ذلك منه ، فعلى ذلك يخرج ما أضاف الله - عز وجل - إلى نفسه من المجيء والإتيان والاستواء ، [ ليس على تحقيق المجيء والإتيان والاستواء ] منه على ما يكون من الأجسام . وفي الشاهد أن ملوك الأرض يضيفون إلى أنفسهم ما عمل بأمرهم من غير أن يتولوها بأنفسهم . وكذلك أضاف جل ذكره أمر القيامة إلى نفسه لفضل ذلك الأمر . ثم الأصل : أن الإتيان والانتقال والزوال في الشاهد إنما يكون لخلتين : إما لحاجة بدت ، فيحتاج إلى الانتقال من حال إلى حال ، والزوال من مكان إلى مكان ليقضيها . أو لسآمة ووحشة تأخذه ، فينتقل من مكان إلى مكان لينفي عن نفسه ذلك . وهذان الوجهان في ذي المكان ، والله - تعالى - يتعالى عن المكان ، كان ولا مكان فهو على ما كان . فالله تعالى - يتعالى عن أن تسمه حاجة أو تأخذه سآمة . فبطل الوصف بالإتيان والمجيء والانتقال من حال إلى حال أو من مكان إلى مكان . وبالله التوفيق . وقيل : إن النص قد ورد بالاستواء والمجيء ، و [ ورد ] الخبر بالنزول ، والرؤية . ثم قد ورد السمع بأن { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] ، لزم نفي التشبيه فيما ورد عن ذاته ، ولزم الإقرار بما جاء من عنده من غير طلب الكيفية له والتفسير . فالسبيل فيه الإيمان بالتنزيل والكف عن التفسير . والله أعلم . وفي الشاهد الإتيان في العرض : ظهوره ، وفي الجسم : نقله من مكان إلى مكان ، وهو - جل ذكره - جل أن يوصف بجسم أو عرض . كذلك إتيانه لا يشبه إتيان الأجسام والأعراض ، ويكون إتيان لا يعرف كيفيته ، وكما جاز أن يكون هو مثبتاً بدليل لا يشبهه عرض ولا جسم . والله أعلم . وقوله : { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } . يحتمل وجوها : يحتمل : أن يكون أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ، بسؤاله إياهم عما آتاهم من الآيات ، على إثر سؤال كان منهم ، بطلب الآيات ، فقال : سلهم يا محمد كم آتيناهم وأجدادهم من الآيات على يدي موسى ، فكفروا به ، ولم يؤمنوا . فأنتم - وإن آتيناكم آيات - لا تؤمنون أيضاً . يخبر نبيه عليه السلام أن سؤالهم أن كان سؤال تعنت ، لا سؤال قبول وتصديق . والله أعلم . ويحتمل : أن يكون لا على إثر سؤال كان منهم ، ولكن على الابتداء أن سل علماء بني إسرائيل [ وأئمتهم كم آتيناهم من آية منه فجحدوها وكتموها وهو كقوله : { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 197 ] ] الآية . ويحتمل : { سَلْ } ، لا على الأمر به في التحقيق ، [ لكن على التحقيق ] والتبيين أنك لو سألتهم لأخبروك . أو يكون المراد من ذلك في الذين تضيق صدورهم عند الإخبار أنهم لو جاءتهم الآيات التي سألوا عنها لا يؤمنون ، ليخبروا بذلك فتطمئن لذلك قلوبهم ، فتزول عنها الخطرات وأنواع الوساوس . والله أعلم . وقوله : { وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ } . قيل : { نِعْمَةَ ٱللَّهِ } ، دين الله ، من بدله بعد ظهوره وبيانه . وقيل : { نِعْمَةَ ٱللَّهِ } ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، أي : من كفر به بعدما علم أنه رسول الله . ويحتمل : { نِعْمَةَ ٱللَّهِ } ، النعم المعروفة التي كان آتاهم من المن ، والسلوى ، والغمام وغيره مما لم يؤت أحداً من العالمين مثله . وقوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } . خوفهم عز وجل وحذرهم على تبديل ذلك وتركه والكفر بنبيه صلى الله عليه وسلم بعد معرفتهم أنه حق . والله أعلم . ويكون التبديل نعمة الله بتوجيه الشكر إلى غيره ، وهو أن يعبد غيره . والله أعلم . وقوله : { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . قال الحسن : زين لهم الشيطان ذلك ، وكذلك قوله تعالى : { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } [ النمل : 24 ] . ولكن معناه - والله أعلم - أي زين لهم [ التزيين ثم ] التزين يكون بوجهين : يزينه الطبع لقرب الشهوات ، والعقل لقيام الأدلة ، فيكون التزين بالثواب . وأما ما زين للذين كفروا الحيوة الدنيا لما ركب فيهم من الشهوات وميل الطبع إليه . وأما الوجهان الآخران منهما للمؤمنين . وقوله : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } . يحتمل وجهين : يحتمل : { فَوْقَهُمْ } ، في الحجة ، يقول الله تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [ النساء : 141 ] . ويحتمل : { فَوْقَهُمْ } ، في الجزاء والثواب . وقوله : { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . يحتمل وجوهاً : يحتمل : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، بغير تبعة . ويحتمل : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، لا على قدر الأعمال ، ولكن على قدر الشهوة وزيادة عليها ؛ لأن رزق الجنة على ما تنتهي إليه الشهوات ، ورزق الدنيا مقدر على قدر الحاجة والقوت ؛ إذ لا أحد يبلغ مناه في الدنيا وحاجته ، وفي الآخرة كل ينال فوق مناه . ولأن أكل الشهوة في الدنيا هو المؤذي . ويحتمل : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، أي من غير أن ينقص ذلك عن ملكه وخزائنه ، وإن عظم عطاياه وكثر مناله ، ليس كخزائن المخلوقين تنتقص بالدفع وتنفد . والله أعلم .