Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 21-25)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } . فالخطاب يحتمل الخصوص والعموم . وقوله : { ٱعْبُدُواْ } : وحدوا ربكم . جعل العبادة عبارةً عن التوحيد ؛ لأَن العبادة التي هي لله لا تكون ولا تخلص له إلا بالتوحيد . ويقال : { ٱعْبُدُواْ } ؛ أي : أَطيعوا له ؛ أي : اجعلوا عبادتكم لله ، لا تعبدوا غيره ، في كلا التأْويلين يرجع إلى الكفرة . ويقال : { ٱعْبُدُواْ } ؛ أَي : أَطيعوا له . والعبادة جعل العبد كُلِّيته لله قولاً ، وعملاً ، وعقداً ، وكذلك التوحيد ، والإسلام . والطاعة ترجع إلى الائتمار ؛ لأَنه يجوز أن يطاع غير الله ، ولا يجوز أَن يعبد غير الله ؛ لأن كل من عمل بأَمرِ آخر فقد أطاعه ؛ كقوله : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [ المائدة : 92 ] ولا كل من عمل بأمر آخر فهو عابدٌ له ، وبالله نستعين . ثم بين الذي أَمر بالتوحيد إياه وبالعبادة له خالصاً ، فقال : { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } . والذين تعبدونهم لم يخلقوكم ، ولا خلقوا الذين من قبلكم ، فكيف تعبدونهم دون الذي خلقكم ؟ ! وبالله التوفيق . وقوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . يحتمل وجهين : يحتمل : تتقون المعاصي ، والمناهي ، والمحارم التي حرم الله عليكم . فإذا كان هذا هو المراد فذلك راجع إلى المؤمنين . ويحتمل قوله : { تَتَّقُونَ } الشرك وعبادة غير الله ، فذلك راجع إلى الكفرة . قال الشيخ : الأَحسن في الأَمر بالتقوى والتوحيد أَن يجعل عامّاً ، وفي الخبر عن التقوى خاصّاً . { لَعَلَّكُمْ } أي : كي تتقوا . وقوله : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ } . بَيَّنَ اتقاء الذي أَمر بالتوحيد له ، وتوجيه العبادة إليه ، وإخلاص النية له ؛ فقال : الذي فرش لكم الأَرض لتنتفعوا بها ، وتقضوا حوائِجكم فيها ، من أنواع المنافع عليها ، واتخاذ المستقر والمسكن فيها . { وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } أي : رفع السماء بناء . والسماء : كل ما علا وارتفع ، كما يقال لسقف البيت : سماء ؛ لارتفاعه . وسمى السماء بناء - وإن كان لا يشبه بناء الخلق - حتى يعلم أَن البناء ليس اسم ما يبني الناس خاصة . ثم بين بقوله : { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ } . أي : وجهوا العبادة إلى الذي ينزل لكم من السماء ماء عند حوائِجكم ، ولا تعبدوا من تعلمون أنه لم يخلقكم ، ولا أَنزل لكم من السماء ماء ، ولا أخرج لكم من ذلك الماءِ ثمرات تكون رزقاً لكم . بل هو الله الواحد الذي لا شريك له ؛ ولأَنه يخلقكم ، ويرزقكم ، ويخرج لكم من ذلك الماء المنزل من السماء رزقاً تأْكلونه ، وماء عذباً تشربونه . وفي الآية دلالة أن المقصود في خلق السماءِ والأَرض ، وإنزال الماءِ منها ، وإخراج هذه الثمرات وأَنواع المنافع - بنو آدم ، وهم الممتحنون فيها ؛ بدلالة قوله : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } وما ذكر من المخرج والمنزل منها ، وما ذكر في آية أخرى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } [ الجاثية : 13 ] ، ومنه : { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } [ إبراهيم : 33 ، النحل : 12 ] ، { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ } [ إبراهيم : 32 ] مما يكثر من الآيات . أضاف ذلك كلَّه إلينا ، ثم جعل - عز وجل - بلطفه مَنافع السماءِ متصلة بمنافع الأرض على بُعْدِ ما بينهما من المسافة ، حتى لا تخرج الأَرض شيئاً إلا بما ينزل من السماء من الماء ؛ ليعمل أَن منشىء السماءِ هو منشىء الأَرض ؛ لأَنه لو كان منشىء هذا غير منشىء الآخر لكان لا معنى لاتصال منافع هذا بمنافع الآخر على بُعْدِ ما بينهما ، ولتوهم كون الاختلاف من أَحدهما للآخر . فإذا كان كذلك دل على أَن منشئهما واحد ، لا شريك له ولا ند . ثم زعم قوم : أَن الأَشياء كلها حِلٌّ لنا ، طلق ، غير محظور علينا ، حتى يجيء ما يحْظر ، فاستدلوا بظاهر هذه الآية بقوله : { رِزْقاً لَّكُمْ } ، وبقوله : { كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً } [ البقرة : 168 ] . وقال آخرون : لا يدل ذلك على الإباحة ؛ وذلك أَن الأَشياء لم تَصِرْ لنا من كل الوجوه ، فهو على الحظْر حتى تجيء الإباحة ، ولأَن الأَشياء لا تحل إلا بأَسباب تتقدم ؛ فظهر الحظْر قبل وجود الأَسباب ، فهو على ذلك حتى يجيء ما يُحل ويُبيح . أَو أَن يقال : خلق هذه الأَشياء لنا محنة امتحنا بها ، أَو فتنة فتنا بها ؛ كقوله : { أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [ الأنفال : 28 ، التغابن : 15 ] فُتنَّا بها ؛ وكقوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ … } الآية [ البقرة : 155 ] ، ولأَن في العقل ما يدفع حمل الأَشياء كلها على الإِباحة ، لما في ذلك فساد الخلق ، وتفانيهم . فبين لِكل منه مِلْكاً على حدة بسبب يكتسب به ؛ لئلا يحملهم على التفاني والفساد ، وبالله نستعين . وقوله : { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } . أي : أَعدالاً ، وأَشكالاً في العبادة ، وكله واحد . ند الشيء : هو عِدْلُهُ ، وشكلُه : هو مثلُه . وقوله : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . الأَول : أَن لا نِدَّ ، ولا عِدْل ، ولا شكل ؛ لما أَراكم من إِنشاءِ هذه الأَشياء ولم تروا من ذلك ممن تعبدونه شيئاً . والثاني : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } لما أَنشأَ فيكم من الأَشياءِ ما لو تدبرتم وتفكرتم وتأَملتم ، علمتم أنه لا نِدَّ له ولا شكل له ؛ كقوله : { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 21 ] . وقوله عز وجل : { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } . من القرآن أنه مُخْتَلَق مفترى ، وأنه ليس منه ؛ كقولهم : { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } [ ص : 7 ] ، وقولهم : { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } [ سبأ : 43 ] ، و { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ } [ القصص : 36 ] . وقوله : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } . أي : ائْتوا أَنتم بمثل ما أَتى هو ؛ إذ أَنتم وهو سواء في الجوهر والخلقة واللسان ، ليس هو أَولى بذلك منكم ؛ أَعني : في الاختلاق . وقوله : { وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } . أي : استعينوا بآلهتكم الذين تعبدون من دون الله ، حتى تعين لكم على إتيان مثله إن كنتم صادقين في مقالتكم أنه مختلق مفترى . ويقال : { وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم } . يعني شعراءَكم وخطباءَكم ليعينوكم على إتيان مثله . ويقال : ادعوا شهداءَكم من التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وسائِر الكتب المنزلة على الرسل السالفة أنه مختلق مفترى . وقوله : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } . يحتمل وجوهاً : يحتمل أنهم أَقروا على أَثر ذلك بالعجز عن إتيان مثله من غير تكلف ولا اشتغال كان منهم لما دفع عز وجل عن أطماعهم إتيان مثله نظماً ، ولا اجتهدوا كل جهدهم ، وتكلفوا كل طاقتهم على إطفاءِ النور ليخرج قولهم على الصدق بأَنه مُختلقٌ مفترى ، ويظهر كذب الرسول صلى الله عليه وسلم : أَنه كلام رب العالمين . فدل إقرارهم بالعجز عن إتيان مثله ، وترك اشتغالهم بذلك : أَنه كلام رب العاليمن ، مُنَزَّل على نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم . وقوله : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } . الوَقود بالنصب هو الحَطب ، وبالرفع هو النَّار . أَخبر عز وجل أن حَطبها الناس كلما احترقوا أُعيدوا وبُدِّلوا ؛ كقوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [ النساء : 56 ] . والحجارة فيه وجهان : قيل : هي الكبريت . وقيل : الحجارة بعينها لصلابتها ، وشدتها أشد احتراقاً ، وأكثر إحماءً . وقوله : { أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } . في الآية دلالة أنها لم تعدّ لغير الكافرين . وهي تنقض على المعتزلة قولهم حيث خلدوا صاحب الكبيرة في النار ، ولم يطلقوا له اسم الكفر ، وفي زعمهم أَنها أُعدت للكافرين أيضاً ، وإن كان تعذيب المؤمن بمعاصيَ يرتكبها ، وأَوزار حملها ، وفواحش تعاطاها ؛ وذلك أَن الله يعذب من يشاء بما شاءَ ، وليس إلى الخلق الحكم في ذلك ؛ لقوله : { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } [ الكهف : 26 ] . فإن قالوا : إن أَطفال المشركين في الجنة ، والجنة لم تُعدَّ لهم ، وإنما أُعدت للمؤمنين ، ثم جاز دخول غيرهم فيها وتخليدهم . وكذلك النَّار وإن كانت معدة للكافرين ، جاز لغير الكافر التعذيب والتخليد فيها ، كقوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ … } الآية [ آل عمران : 106 ] شرط الكفر بعد الإيمان . ثم من ينشأ على الكفر ، والذي كفر بعد الإيمان سواء في التخليد ، فكذلك مرتكب الكبيرة ، والكافر ، سواء في التخليد . فيقال لهم : إن كل كافر تشهد خلقته على وحدانية ربه ؛ فإذا ترك النظر في نفسه ، واختار الاعتناد فصار كَكُفْرٍ بعد الإيمان ؛ لأَنه لم يكن مؤمناً ثم كفر . وأَما قولهم في الأَطفال ؛ فإنهم إنما خُلِّدوا الجنة جزاء لهم من ربهم ، ولله أَن يعطي الجزاءَ من شاءَ بلا فعل ، ولا صنع كان منه ؛ فضلاً وكرامة ، وذلك في العقل جائِز إعطاء الثواب بلا عمل على الإفضال والإكرام . وأَما التعذيب فإنه غير جائِز في العقل بلا ذنب يرتكبه ، والله أعلم . وقوله : { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ } . الآية تنقض قول من جعل جميع الطاعات إيماناً ؛ لما أثبت لهم اسم الإيمان ، دون الأَعمال الصالحات ، غير أَن البشارة لهم ، وذهاب الخوف عنهم إنما أُثبت بالأَعمال الصالحات . ويحتمل : الأَعمال الصالحات : عمل القلب ، وهو أن يأْتي بإيمان خالص لله ، لا كإيمان المنافق بالقول دون القلب . وقوله : { أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } . يعني بساتين . وقوله : { مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } قيل فيه بوجوه : قيل : إن البساتين ليست هي اسم الأَرض والبقعة خاصة ، ولكن ما يجمع من الأشجار ، وما ينبت فيها من أَلوان الغروس المثمرة فعند ذلك يسمى بستاناً . وقوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } أي : من تحت أشجارها ، وأغراسها الأَنهار . وقيل : من تحتها : مما يقع البصر عليها ، وذلك أَنزه عند الناس ، وأَجلى ، وأَنبل . وقيل أَيضاً : من تحتها أَي : من تحت ما علا منها [ من القصور والغرف ] ، لا تحت الأَرض مما يكون في الدنيا في بعض المواضع يكون الماء تحت الأَرض . دليله [ قوله صلى الله عليه وسلم ] : " تحت كل شعرة جنابة " ؛ أي : تحت ما علا ، لا تحت الجلد ؛ فكذلك الأَول من تحت ما علا منها من القصور ، والغرف ، والله أعلم . وقوله : { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } . قيل فيه وجوه : { رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } في الدنيا . وقيل : { رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } أَي : هذا الذي وعدنا في الدنيا أَنَّ في الجنة هذا . وقيل : { رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } ، في الجنة قبل هذا . وقوله : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً } . قيل فيه بوجوه : قيل : { مُتَشَٰبِهاً } في المنظر ، مختلفاً في الطعم . وقيل : { مُتَشَٰبِهاً } في الطعم مختلفاً في رأْي العين والأَلوان ؛ لأَن من الفواكه ما يستلذ بالنظر إليها دون التناول منها . وقيل : { مُتَشَٰبِهاً } في الحسن والبهاءِ . وقوله : { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ } . قيل فيه بوجوه : { مُّطَهَّرَةٌ } من سوءِ الخلق والدناءَة ، ليس كنساءِ الدنيا لا يسلمن عن ذلك . وقيل : { مُّطَهَّرَةٌ } من الأَمراض ، والأَسقام ، وأَنواع ما يبلى به في الدنيا من الدرن ، والوسخ والحيض . وقيل : { مُّطَهَّرَةٌ } لصفاءِ جوهرها ؛ كما يقال : يرى مخَّ ساقيها من كذا وكذا . وقيل : { مُّطَهَّرَةٌ } مختارة مهذبة . وقوله : { وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } . أي : يقيمون أَبدا . فالآية ترد على الجهمية قولهم ؛ لأَنهم يقولون بفناءِ الجنة ، وفناءِ ما فيها ؛ يذهبون إلى أَن الله تعالى هو الأَول ، والآخر ، والباقي ، ولو كانت الجنة باقية غير فانية لكان ذلك تشبيهاً . لكن ذلك وهمٌ عندنا ؛ لأَن الله تعالى هو الأَول بذاته ، والآخر بذاته ، والباقي بذاته ، والجنةُ وما فيها باقيةٌ بغيرها . ولو كان فيما ذكر تشبيه لكان في العالم ، والسميع ، والبصير تشبيه ، ولكان في الخلق أيضاً في حال البقاءِ تشبيه ، فإذا لم يكن فيما ذكرنا تشبيه لم يكن فيما تقدم تشبيه . وأيضاً : فإن الله تعالى جعل الجنة داراً مطهرة من المعايب كلها ؛ لما سماها دار قدس ، ودار سلام . ولو كان آخرها للفناءِ كان فيها أَعظم المعايب ؛ إذ المرء لا يهنأُ بعيش إذا نغص عليه بزواله ؛ فلو كان آخره بالزوال كان نعمة منغصة على أَهلها ؛ فلما نزه عن العيوب كلها - وهذا أَعظم العيوب - لذلك كان التخليد لأَهلها أَولى بها .