Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 47-53)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } . يحتمل وجوها : يحتمل : { أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن الناس كانوا على فترة من الرسل ، وانقطاع من الوحي ، واختلاف من الأديان والمذاهب ؛ فبعث الله - تعالى - محمداً صلى الله عليه وسلم ؛ ليجمعهم ويدعوهم إلى دين الله ، ويؤلف بينهم ، ويخرجهم من الحيرة والتيه ، وذلك من أعظم نعمة أنعمها عليهم ، وبالله التوفيق . وذلك أيضاً يُحْتمل فيما تقدم من الآيات . وقوله : { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ … } الآية [ البقرة : 40 ] . وقوله : { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } [ البقرة : 41 ] يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم . وعهدُه في الأرض رسولُه ، كقوله : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } [ آل عمران : 81 ] إلى قوله : { وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي } [ آل عمران : 81 ] أي : عهدي . وعلى ذلك قوله : { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } [ البقرة : 41 ] يعني : بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقوله : { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ } [ البقرة : 42 ] يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم . وكذلك قوله : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ } [ البقرة : 43 ] أَمكن تخريج هذه الآيات كلها على محمد صلى الله عليه وسلم . ويحتمل أيضا قوله : { نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } الوجوه التي ذكرنا . أحدها : أن جعل منكم الأنبياء والملوك ؛ كقوله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [ المائدة : 20 ] . كما قيل : إن كل نبي من لدن يعقوب إلى زمن عيسى عليه السلام كان من بني إسرائيل . ويحتمل : ما آتاهم - عز وجل - من أنواع النعم ما لم يؤت أَحداً من العالمين ؛ كقوله : { وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } [ المائدة : 20 ] من المن ، والسلوى ، وتظليل الغمام ، وامتداد اللباس على قدر القامة والطول . كما قيل : إن ثيابهم كانت تزداد وتمتد عليهم على قدر ما تزداد قامتهم ، وكانت لا تُبْلَى عليهم ولا تتوسخ ، وذلك مما لم يؤتِ أحداً سواهم . ويحتمل أيضاً قوله : { نِعْمَتِيَ } أي : النجاة من فرعون وآله ؛ كقوله : { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ … } الآية [ البقرة : 49 ] . وقوله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } . قيل : فُضِّلوا على جميع من على وجه الأرض ؛ على الدوابِّ بالجوهر ، وعلى الجن بالرسل ، وعلى البشر بالإيمان . ويَحْتمل تفضيلُهم على العالمين وجوهاً أيضاً : ما ذكرنا من بعث الأَنبياءِ منهم . والنجاة من أيدي العدو . وإهلاك العدو وهم يرونه . وفَرْق البحر بهم ، والنجاة منه ، وإهلاك العدو فيه . وذلك من أعظم النعم : أَن ترى عدوَّك في الهلاك وأَنت بمعزل منه آمن . وقوله : { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } إلى قوله : { فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } . يحتمل : فضَّل أَوائلهم . وفي الآية وجهان على المعتزلة : أَحدهما : قوله : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } ، وعندهم : أَن جميع ما فعل مما عليه الفعل ، ولو فعل غيره لكان يكون به جائزاً ، فإذا كان تركه بفعله جائزاً ففعله حق عليه . ولا أَحد يكون بفعل ما لا يجوز له الترك منعماً على أَحد ؛ فثبت أَن كان ثَمَّ منه معنى زائدٌ خصهم به ، وأَن ليس التخصيص محاباة كما زعمت المعتزلة ، ولا ترك الإنعام بخلٌ كما قالوا . والثاني : قوله : { فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } ، فلو لم يكن منه إليهم فضل معنى ، لم يكن لهم تفضيل على غيرهم ؛ فثبت أن كان فيهم ذلك . ومن قول المعتزلة : أَن ليس لله أَن يخص أَحداً بشيء إلا باستحقاق يفعله ، وبذلك هم فَضَّلوا أَنفسهم على العالمين ، لا هو ، فكيف يَمُنُّ عليهم بذلك ؟ ! ولا قوة إلا بالله . مع ما لا يخلو تفضيله إياهم على غيرهم من أَن يكون لهم الفضلُ في الدين أَولاً . فإن لم يكن فليس ذلك بتفضيل . وإن كان ثبت أَنْ ليس من الحق عليه التسويةُ بين الجميع في أَسباب الدين . وقوله عز وجل : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } . الآيةُ : - والله أعلم - كأَنَّها مؤخَّرة في المعنى وإن كانت في الذكر مقدمة ؛ لأَنه قال : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } ، ثم ذكر الأَفضال والمنَنَ فقال : { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ … } الآية [ البقرة : 49 ] ، وقوله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ } ، وقوله : { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } [ البقرة : 50 ] . ذكَّرهم - عز وجل - عظيم نِعمه ومنَنِه عليهم ؛ ليشكروا له ، وليعرفوا أنها مِنَّةٌ ، وأَنه فضلٌ مِنْهُ . ثم حذَّرهم - جل وعز - فقال : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً … } الآية ؛ ليكونوا على حذر ؛ لئلا يصيبهم ما أَصاب الأُمم السالفة من الهلاك وأَنواع العذاب بعد الأَمن ، والتوسع عليهم ، كقوله : { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا } [ الأنعام : 43 ] إلى قوله : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ … } الآية [ الأنعام : 44 ] . ثم في الآية دليل لقول أبي حنيفة وأصحابه : إن الولد يصير مشتوماً مقذوفاً بشتم والديه ؛ لما عيرهم - جل وعز - بصنع آبائهم بقوله : { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ } [ البقرة : 51 ] وهم لم يتخذوا العجل ، وإنما اتخذ ذلك آباؤهم . وكذلك ذكر - عز وجل - صنعه ومننه عليهم ، من نحو النجاة من الغرق ، وإخراجهم من أَيدي العدو ، وفَرْق البحر بهم ، وإهلاك العدو . وإنما كان ذلك لآبائهم دونهم ، لكن ذكّرهم - جل وعز - عظيم مننه على آبائهم ؛ ليشكروا له على ذلك ، وكذلك عَيَّرهم بصنيع آبائهم من اتخاذ العجل ، وإظهار الظلم ؛ ليكونوا على حذر من ذلك ، والله أعلم . وفي قوله : { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي : بما كان إنعامى عليهم باتباعهم الرسول موسى - عليه السلام - وطاعتهم له ، فاتَّبِعوا اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأَطيعوا له ، ولا تتركوا اتباعه . وقوله : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } . قيل : أي لا تُؤدي نفس عن نفس شيئاً ؛ كقوله : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ … } الآيات [ عبس : 34 - 35 ] . وقوله : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ } . قيل : فيه بوجهين : قيل : لا يكون لهم شفعاء يشفعون ؛ كقوله : { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } [ الشعراء : 100 ] وكقوله : { مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ } [ السجدة : 4 ] . وقيل : لو كان لهم شفعاء لا تقبل شفاعتهم ؛ كقوله : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] أي : لا يؤْذَنُ لهم بالشفاعة ؛ كقوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [ الأنبياء : 28 ] . وقوله : { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } . والعدل : هو الفداءُ ، إما من المال ، وإما من النفس . وذلك أيضاً يحتمل وجهين : يحتمل : ألا يكون لهم الفداء ، على ما ذكرنا في الشفيع . ويحتمل : أَن لو كان لا يقبل منهم ؛ كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } [ المائدة : 36 ] . ثم الوجوه التي تخلص المرء في الدنيا إذا أَصابته نكبة بثلاث : إما بفداءِ يفدى عنه - مالاً أو نفساً - وإما بشفعاء يشفعون له ، وإما بأَنصارٍ ينصرون له ؛ فيتخلص من ذلك . فقطع - عز وجل - عنهم جميع وجوه التخلص في الآخرة . والآية نزلت - والله أعلم - في اليهود والنصارى ، وهم كانوا يؤمنون بالبعث ، والجنة ، والنار ؛ كقوله : { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] ، وقوله : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [ آل عمران : 24 ] . ولذلك ذكر اسم الفداءِ والشفيع ، وما ذكر ، وأَما من لم يؤمن بالآخرة فلا معنى لذكر ذلك . وقوله : { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } . قيل : آل الرجل : شيعتُه ؛ ولذلك قيل : آل رسول الله : قرابتُه . وقيل : كل مؤمن فهو من آله ، وعلى ذلك الأَمر بالصلاة عليه وعلى جميع من آمن به . وقوله : { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } . قيل فيه بوجهين : قيل : يقصدونكم أَشد العذاب . وذلك يرجع إلى الاستعباد ، والاستخدام بأَنفهسم . وقيل : يسومونكم ، يُذيقونكم أَشد العذاب ، وذلك يرجع إلى ما يسوءُهم من تذبيح الأَبْنَاء وتقتيلهم ، كقوله : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } [ البقرة : 49 ، إبراهيم : 6 ] أي : يقتلون أَبناءَكم . وقوله : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } . يحتمل أيضاً وجهين : يحتمل : يستحيون من الحياء ، أَي : استحيوا قتْل النساء ، لما لا يخافهن . ويحتمل : من الإحياءِ ، أي : تركوهن أَحياء فلم يقتلوهن . وقوله : { وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } . قيل : البلاء - ممدود - هو النعمة ، كأَنه قال : فيما ينجيكم من فرعون وآله نعمة عظيمة . وقيل : البلا - مقصور - هو الابتلاء والامتحان ؛ كأَنه قال : في استعباده إياكم واستخدامه امتحان عظيم . وقوله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } . قيل : فرقنا ، أَي : جعلنا لكم البحر فِرَقاً ، أي : طرقاً تمرون فيه . وقيل : فرقنا ، أي : جاوزنا بكم البحر . وقوله - عز وجل - : { وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } . كان الوعد لهم - والله أعلم - وعدين . أَحدهما : من الله - عز وجل - يصرف موسى إليهم مع التوراة ، كقوله : { أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } [ طه : 86 ] أَي : صدقاً . ووعد آخر ، كان من موسى بانصرافه إليهم بالتوراة على رأْس أَربعين ليلة ، كقوله : { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } [ طه : 86 ] . وقوله : { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ } . يحتمل وجهين : { ٱتَّخَذْتُمُ } : أي عبدتم ؛ فاستوجبوا ذلك التعبير واللائمة بعبادة العجل لا باتخاذه نفسه . ويحتمل : اتخذتم العجل إلهاً ؛ فاستوجبوا ذلك باتخاذهم إلهاً ، كقوله : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } [ الأعراف : 148 ] . وهذا كان أقرب . وقيل : اتخذتم ، أي : صنعتم ، والله أعلم . وقوله : { وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } . قيل في الظلم بوجوه : قيل : إن كل فعل يستوجب به الفاعل عقوبة فهو ظلم . وقيل : إن كل عمل لم يؤذن له فهو ظلم . وهاهنا - حيث فعلوا ما لم يؤذن لهم - نسبهم إلى الظلم ؛ لأَنهم ظلموا أَنفسهم . وقيل : إن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ؛ فسموا بذلك لأَنهم وضعوا الألوهية في غير موضعها ، وهذا كأَنه - والله أعلم - أقرب . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ … } الآية . يَنْقض على المعتزلة قولهم ؛ لأَنهم يزعمون أَن الله إذا علم من أحدٍ أَنَّه يؤمن به في آخر عمره - وإن طال - أَو يكون من نسله من يؤمن إلى آخر الأَبد ، لم يكن له أن يُميته ، ولا له أَن يقطع نسله . فإذا كان على الله أَن يبقيهم ، ولا يقطع نسلهم ، لم يكن للامتنان عليهم ، ولا للإفضال وطلب الشكر منهم - معنى ؛ إذ فَعَلَ - جل وعز - ما عليه أَن يفعل . وكل من فعل ما عليه أَن يفعل لم يكن فعلُه فعل امتنان ، ولا فعل إِفضال ؛ لأَنه - عز وجل - منّ عليهم بالعفو عنهم ، حيث لم يستأْصلهم ، وتركهم حتى تناسلوا وتوالدوا ، ثم وجه الإفضال والامتنان على هؤلاء - وإن كان ذلك العفو لآبائهم ؛ لأَنه لو أَهلك آباءَهم وقطع تناسلهم انقرضوا وَتَفَانَوْا ، ولم يتوالدوا ؛ فالمنَّة عليهم حصلت ؛ لذلك طلبهم بالشكر له ، والله أعلم . فإذا كان هذا ما وصفنا دَلَّ أَنْ ليس على الله أن يفعل الأَصلح لهم في الدين ، وبالله التوفيق . وقوله : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . أَي : لكي تشكروا . وكذلك قوله : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] أي : لكي يوحدوا . وذلك يحتمل وجوهاً : يحتمل : أَنْ يَشْهد خَلْقُه كلُّ أَحد على وحدانيته ، وكذلك يشكر خَلْقُه كلُّ أَحد له . ويحتمل : عبادة الأخيار بوحدانيته ، والشكر له بما أَنعم وأَفضل عليه ، وذلك يرجع إلى من يعبد ويوحد . ويحتمل : أَنه خلقهم ؛ ليأْمرهم بالعبادة ، والشكر له ، من احتمل منهم الأَمر بذلك . وقوله : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } . يعني : التوراة . والكتابُ : اسم لكل مكتوب . وقوله : { وَٱلْفُرْقَانَ } . قيل : سميت فرقاناً ؛ لما فرق وبَيَّن فيها الحلال والحرام ، وكل كتاب فرق فيه بين الحلال والحرام فهو فرقان . وقيل : يسمى فرقاناً ؛ لما فرق فيه بين الحق والباطل . وهما واحد . وقيل : سميت التوراة فرقاناً ؛ لما فيها المخرج من الشبهات . وقيل : الآية على الإضمار ؛ كأَنه قال : وإذ آتينا موسى الكتاب - يعني التوراة - ومحمداً الفرقان ؛ كقوله : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] . وقوله : { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } . فالكلام فيه كالكلام في قوله : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وقد ذكرنا فيه ما أَمكن ، والله أعلم .