Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 83-86)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } . قد ذكرنا عهد الله وميثاقه أَنه يكون على وجهين : عهد خِلْقةٍ وفطرة ، وعهد رسالة ونبوة . وقوله : { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } . يحتمل وجهين : يحتمل : لا تجعلون الألوهيةَ إِلا لله . ويحتمل : نفس العبادة ، أَي : لا تعبدون غير الله ، من الأَصنام والأَوثان وغيرهما . وقوله : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ } . بِرّاً بهما ، وعَطفاً عليهما ، وإِلطافاً لهما ، وخفْضَ الجناح ، ولينَ القول لهما ؛ كقوله : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ … } الآية [ الإسراء : 23 - 24 ] ، وكقوله : { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [ لقمان : 15 ] . فإن قيل : إِن الأَمر بالإِحسان فيما بين الخلق يخرج مخرج الإفضال والتبرع ، لا على الوجوب ، واللزوم . غير أَن الإحسان يجوز أن يكون الفعلَ الحسن نفسَه ؛ كقوله : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأَعراف : 56 ] استوجبوا هذا بالفعل الحسن ، لا بالإحسان إلى الله تعالى ، وفعلُ الحسن فرضٌ واجبٌ على كل أَحد . والثاني : أَن الإحسان إِليهم يجوز أَن يكون من حق الله عليهم ، وحقُّ الله عليهم لازم ، وعلى ذلك صلةُ القرابةِ والمحارِم ، والإِنفاقُ عليهم من حق الله عليهم ، وهو لازم . فهذا ينقض على الشافعي قولَه : إنه لا يوجب النفقة إلا على الوالدين ، ولا يتكلم في الآباء والأُمهات بالقرابة ، ولا سموا بهذا الاسم ؛ فدل : أَنه أَراد به غير الوالدين ، والله أَعلم . وقوله : { وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ } . يحتمل : على النفْل من الصدقة والفرض جميعاً . وقوله : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } . يحتمل : وجوهاً : يحتمل : لا تكتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ولكن أَظهروها . ويحتمل : الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله . ويحتمل : المراد به الكلُّ ، كل شيءٍ وكل قول ؛ أَي : لا تقولوا إلا حسناً . والله أعلم . وقوله : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } . يحتمل : الإقرار بها ، والقبول لها . ويحتمل : إِقامتها في مواقيتها ، بتمام ركوعها وسجودها وخشوعها . ويحتمل : أن كونوا في حالٍ تكون لكم الصلاة والتزكية . وقوله : { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } . يحتمل الوجوه التي ذكرناها في الصلاة . وقوله : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } . الآية ظاهرة . وقوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } . قد ذكرنا الميثاق والعهد في غير موضع . وقوله : { لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ } . يحتمل وجهين : أي : لا تسفكون دماءَ غيركم ، فيسفك دماءَكم ؛ فتصيرون كأَنكم سفكتم دماءَكم . ويحتمل : لا يسفك بعضُكم دماءَ بعض ؛ كقوله : { فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } [ النور : 61 ] ، أي : يسلم بعضكم على بعض . وذكر نقض العهد في هؤلاءِ وإن كان في أَوائلهم ؛ لوجهين : أَحدهما : لما رضي هؤلاء بفعل آبائهم . والثاني : بقولهم : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ … } الآية [ الزخرف : 22 - 23 ] . وقوله : { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } . يحتمل : أيضاً وجهين : يحتمل : ولا يُخرج بعضُكم بعضاً . ويحتمل : لا تخرجوا غيركم من ديارهم ، فتخرجون من دياركم ؛ على ما ذكرنا في قوله : { لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ } ، والله أعلم . وقوله : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } . يحتمل : ثم أقررتم وأَنتم تشهدون بالعهد والميثاق ، وتشهدون أَنه في التوراة . وقوله : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ } . يعني : يا هؤلاء . وقوله : { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ } . يحتمل وجهين اللذَين ذكرتهما في قوله : { لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ } وقوله : { تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ } . أي : تَعَاوَنُون عليهم ، يُعاون بعضكم بعضاً بالإخراج ، وهو الظلم والعدوان . وقوله : { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } . أي : ذلك الإخراج محرم عليكم . وقوله : { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ … } . الآيةُ - وإن كانت مؤخرة في الذكر - فهي مقدمة ؛ كأَنه قال : لا تسفكون دماءَكم ولا تخرجون أَنفسكم ، وإن يأْتوكم أسارى تفادوهم . وقوله : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } . آمنوا بالمفَاداة من الأَسارى ، وكفروا بالإِخراج وسفك الدماءِ . ويحتمل : الإيمان ببعض ما في التوراة ، وكفورا ببعضها ، وهو نَعْت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ؛ إذ لم يكن على موافقة مُرادهم . ويحتمل : أَن فادوا أَسراهم من غيرهم ، وسَبَوْا ذَرَاري غيرهم . وقوله : { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ } . قيل : الخزي في الدنيا إِجلاءُ بني النضير من ديارهم ، وإخراجهم إلى الشام . وقيل : مقاتلةُ بني قريظةَ ، وسبيُ ذراريهم ، وذلك لحربٍ وقع بينهم ، والله أعلم . ويحتمل قوله : { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } . ولكن لا يعاقبون في الدنيا ، بل يردون إلى أشد العذاب في الآخرة ، وإن استوجبوا ذلك في الدنيا ؛ كقوله : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ … } الآية : [ إبراهيم : 42 ] . وقوله : { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . وعيدٌ . قد ذكرنا ذلك فيما تقدم . وقوله : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } . يحتمل : أنهم كانوا آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل خروجه وبعثه ، فلما بعث على خلاف مرادهم كفروا به ، فذلك اشتراء الحياة الدنيا بالآخرة . ويحتمل : ابتداء اختيار الضلال على الهدى ، والحياة الدنيا على الآخرة ، من غير أَن آمنوا به ، والله أعلم .