Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 37-41)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ * إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ … } الآية يشبه أن يكون المنة حين أنجاه فيما ابتلى بالرّد واشتباه الطريق ، حتى قال : { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [ القصص : 29 ] فتلك المنة الأخرى . أو أن يكون المنة التي ذكر هي ما أنجاه الله حيث [ قتل ] ذلك القبطي فاشتد له ذلك الخوف حتى بلغ الإياس ، فتلك المنة التي ذكر ، أو ما ذكر من الوحي إلى أمه { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } . وقال بعضهم : { مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } مع النبوة مرة أخرى ، ثم بيّن النعمة ، ثم قال : { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } إلى آخر ما ذكر ، وإلى هذا ذهب أهل التأويل ، وإلا قد كان منه إليه من المنن ما لا يحصى ، والله أعلم . ثم الكلام فيما ألهم أمّه في روعها أن تقذفه في البحر أنه يسع لهذا أن يفعل ذلك ، ويحل أو لا ؟ إذ قد يجوز أن يكون من الشيطان مثل هذا ، نحو ما قال : { لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ … } الآية [ الأنفال : 48 ] ، فلم يعرفوا وقت ما كلمهم بهذا : هو شيطان أو غيره ؟ فعلى ذلك يجوز أن يلقي الشيطان إليها ؛ فكيف وسع لها أن تعمل ما علمت من الأخطار ؟ لكن يجوز أن يكون في ذلك الإلهام وما ألقى إليها - آية ومعنى ، عرفت بذلك أنّ ذلك من الله ، لا من أحد سواه . أو أن يكون رفع الحجاب والموانع من قلبها ، وصار لها ذلك كالعيان . أو كانت كالمضطرة إلى ذلك ؛ فوسع لها ذلك لما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } : قال عامة أهل التأويل : ألقى عليه محبة في قلب امرأة فرعون ، حيث قالت : { قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ … } الآية [ القصص : 9 ] ، لكن ألقى [ عليه ] محبّة في قلب امرأته وقلب فرعون أيضاً ، حتى كان أشفق الناس عليه وأحبهم ، بعد ما كان يقتل الولدان بسببه ؛ ليجده ويظفر به ، يذكره - عز وجل - رحمته عليه ومننه له ، وهي المنة التي ذكر ، حيث قال : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } . وقوله - عز وجل - : { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } ، الصنع : هو فعل الخير والمعروف ، أي : لنصنع إليك المعروف والإحسان . وقوله : { عَلَىٰ عَيْنِيۤ } : قال بعضهم : لتُغَذَّى على حفظي ، يقال : عين الله عليك : أي كن في حفظ الله ، وهو قول الحسن وقتادة . وقال بعضهم : لتربي على عيني ، أي : على علمي ، والأوّل أشبه . وقوله - عز وجل - : { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } ، أي : من يضمه ، يسمى كافل اليتيم الذي يضمه ويضمنه ويحفظه ، وهو كقوله : { أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } [ آل عمران : 44 ] أي : يضمها ويحفظها ، فهذا يدل أنه كان عندهم من أحبّ الناس إليهم ، وأشفقهم عليه ، حيث قال : { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها } حيث قال لها : { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } [ القصص : 7 ] وعد لها أن يرده إليها فردّه . وقوله : { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ } ، أي : يذهب حزنها الذي كان ؛ لأنها قد كانت حزينة بطرحها إياه في اليم ؛ ألا ترى أنه قال : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ … } الآية [ القصص : 10 ] ، [ و ] هذا يدلّ أن قوله : { وَلاَ تَحْزَنَ } ، أي : يذهب حزنها الذي كان بها . وقوله - عز وجل - : { وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } : يحتمل أن يكون الغم الذي أخبر أنه نجاه منه هو الخوف الذي كان به بعد مقتل ذلك القبطي ، حيث قال : { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } [ القصص : 33 ] وقوله : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } [ القصص : 21 ] ، ونحوه ، أو نجاه من أنواع الغموم ؛ إذ كان له غموم . وفي الآية دلالة أن لا قصاص يجب في شبه العمد وإن كان الضرب بشيء لا نجاة فيه ؛ لأن موسى - صلوات الله عليه - كانت له قوة أربعين نفراً على ما ذكر ، فإنما لطمه لطمة ، فقضى عليه ، ثم قال : { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ القصص : 15 ] هذا يدل أنه كان لا يحل له قتله ، ثم قال : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ القصص : 21 ] سمّاهم : ظلمة ، فلو كان يحل القتل ويجب القصاص ، لكان لا يسميهم ظلمة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } قال بعضهم : { فُتُوناً } : هو جمع فتنة ، أي : فتناك فتوناً . [ وقال بعضهم : { فُتُوناً } : ] هو مصدر الفتنة ، أي : ابتليناك ابتلاء ، أي : بلاء ، والفتنة في البلايا والشدائد : الغموم الّتي ذكر أنه نجاه منها . ويحتمل : النعم والخيرات ؛ إذ لم يكن الأنبياء في جميع الأوقات في البلاء ، ولكن كانوا في وقت في بلاء وشدة ، وفي وقت آخر في نعمة وخير . أو فتنة بهما جميعاً ، على ما أخبر : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء : 35 ] . وقوله - عز وجل - : { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } . هذا - والله أعلم - من المنة التي ذكر ، حيث قال : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } [ طه : 37 ] . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } . قال بعضهم : بالنبوة والرّسالة . وقال بعضهم : على موعود ، أو على قدر وقت المجيء ، فكيفما كان ففيه أن مجيء العبد وذهابه وجميع سعيه يكون بقدر من الله ، وتقدير منه ، وفيه أنه يجعل الأمور بأسباب ، وإن كان يجعل [ بعضها ] بغير أسباب . وقوله - عز وجل - : { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } ، أي : اخترتك ، واصطفيتك لرسالتي . ونبوّتي ، فذكر نفسه ؛ لأن بأمره يقوم بأداء ذلك .