Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 42-55)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي } : هو ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } ، أي : لا تضعفا في الدعاء إلى ديني وتوحيدي . [ و ] في حرف عبد الله بن مسعود : ( ولا تهينا في ذكرى ) في البلاغ { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } أمرهما ألا يقصرا ولا يعجزا في تبليغ الرسالة إليه ، والدعاء إلى دينه ، حيث قال : { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } . قال أبو عوسجة : { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } [ طه : 39 ] ؛ أي : تربى بعيني ، وسئل عن العين ، فقال : العين : العلم هاهنا ، والعين في غير هذا : المال ، والعين : الأديم المتخرق ، والعين : المصدر من عان يعين ، فهو عائن ، والمفعول به معيون : إذا أصابه بعين ، والعين : الحقيقة ، كقولك : هذا بعينه ، أي : بحقيقته ، قال : والعينة : السلف ، ومثله قوله : { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } [ هود : 37 ] . { عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } أي : يضمه لا يضمنه . وقال أبو عوسجة : { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } ، أي : وقت المجيء { وَٱصْطَنَعْتُكَ } ، أي : أخلصتك { لِنَفْسِي } ، { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } أي : لا تقصرا ولا تعجزا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } ؛ لأن القول اللّين يكون أقرّ وأثبت في القلوب ، وأنجع ، وأقرب إلى الإجابة والقبول من القول الخشن البارد ، وخاصّة في الملوك والرّؤساء ؛ إذ طباعهم لا تحتمل ذلك ، ولا تنجع فيهم ، بل أكثر صولتهم على من دونهم إنما يكون عند استقبالهم بالخلاف وبما يكرهون ، فأمر - عز وجل - رسوله موسى وهارون أن يقولا له قولاً ليناً ، ويلطفا معاملته ؛ ليكون أقرب وأثبت في قلبه وأنجع ؛ ولذلك قال : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } . قال الحسن : كل ( لعل ) من الله فهو على الإيجاب ؛ لأنه قد تذكر وخشي ، حيث قال : { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ … } الآية [ الأعراف : 134 ] ، وحيث قال : { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } [ يونس : 90 ] لكن لم ينفعه إيمانه في ذلك الوقت ؛ لأنه إيمان دفع واضطرار . وقال بعضهم : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } في علومكم ، فإن كان على هذا فهو يحتمل الشك ، وإن كان على الأوّل فهو على الإيجاب لا يحصل الشك . ثم اختلف في القول اللّين : قال ابن عباس : هو قول الله : { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } [ النازعات : 18 - 19 ] [ أي : ] فتوحّد ، قال : هذا القول اللّين . وعن الحسن : { قَوْلاً لَّيِّناً } : قولا له : إن لك معاداً ، إن لك مرجعاً . وقال بعضهم : { قَوْلاً لَّيِّناً } : قول : لا إله إلا الله . وقال بعضهم : أي : ليناً ، ونحوه ، وأصله ما ذكرنا بدءاً . وقوله - عزّ وجلّ - : { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } ، قال أهل التأويل : قوله : { أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } ، أي : يعجل بالعقوبة من قبل أن يسمع حجتنا . أو أن يطغى بقتلنا بعدما سمع الحجة منا . وجائز أن يكون أحد هذين في الفعل ، والآخر في القول : أن يفرط علينا أو أن يطغى أيهما كان ؟ لأنه قال في الجواب لهما : { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } ، أي : أسمع ما يقول لكما ، وأرى ما يفعل بكما ، فهذا يدل - والله أعلم - أن قوله : { أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } يرجع أحدهما إلى القول ، والآخر إلى الفعل ؛ لأنه قال في وقت : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } [ غافر : 26 ] ونحوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَ تَخَافَآ } ، يحتمل على نفي الخوف ، والأمن منه ، كقوله : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [ الحجر : 88 ] ليس على النهي عن الحزن ، فعلى ذلك الأول . وقوله - عز وجل - : { إِنَّنِي مَعَكُمَآ } : في النصر والمعونة لكم والذب عنكم والدفع ، { أَسْمَعُ } ما يقول { وَأَرَىٰ } ما يفعل ، وقد كان منه إليهما : النصر والمعونة لهما ، والدفع عنهما . وقوله - عز وجل - : { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } : يشبه أن يكون { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } هذا ، أي : لا تضعفا في تبليغ الرسالة ، ولكن قولا : { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } لا يحتمل أن يكون أوّل ما أتياه قالا : { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 17 ] [ ولكن ] قد سبق منهما الدعاء إلى توحيد الله والإفراد له بالألوهية والربوبية ؛ فإذا ترك الإجابة ، فعند ذلك قالا له : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } . [ و ] هذا يحتمل وجهين : أحدهما : كأنه كان يمنع بني إسرائيل عن الإسلام ، وهم أرادوا الإسلام ، فقالا : أرسل معنا بني إسرائيل ولا تمنعهم عن الإسلام . أو : كان يستعبدهم ، فأمره أن يستنقذهم من يديه ، كقوله : { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 22 ] ألا ترى أنّه قال : { وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } . وقوله - عز وجل - : { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } وهو ما قال : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ } [ الإسراء : 102 ] . وقوله - عز وجل - : { وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } . هذا يدل على أنه لا يبدأ بالسلام على أهل الكفر ، ولكن يبدأ بأهل الإسلام ، وفيه أن تحية أهل الإسلام هو السلام ، لا قول الناس : ( أطال الله بقاءك ) ، ونحوه . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } كأنه قال : والسلام على من اتبع الهدى ، والعذاب على من كذب وتولى . والسلام هو اسم كل خير وبر . وقال القتبي : { أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } أي : يعجل ويقدم ، قالوا : الفرط : التقدم والسبق ، وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنَا فَرَطكم على الحَوْض " ، وهو من السبق ، وكذلك قال أبو عوسجة : { أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } أي : يعجل ، يقال : فرط يفرط فرطاً : أي : عجل ، وقال : { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } أي : لا تقصرا ولا تعجزا في البلاغ ، { وَٱصْطَنَعْتُكَ } أي : استخلصتك لنفسي ، فإذا لم يفهم من قوله : { لِنَفْسِي } : ذاته فكيف يفهم { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } ما لم يفهم من الخلق ، ولا يتصور هذا وأمثاله إلا في وهم من اعتقد التشبيه ولم يعرف ربّه ، وإلاّ لو عرف ربّه حق معرفته ، لكان لا يتصور في وهمه تشبيه الخلق به ، ولا تشبيهه بخلقه ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً . وقوله - عز وجل - : { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } ، وقال في آية أخرى : { وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } الآية [ الشعراء : 23 - 24 ] ، { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } [ الشعراء : 28 ] ، سأله عن ماهيته ، فأجابه موسى عن آثار صنعه في خلقه ، وأنه ربّ كل شيء ، وربّ ما ذكر ، لم يجبه عما سأله من ماهيته وكيفيته ، حيث قال : { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } ، فجوابه عن الماهية : ربنا فلان ، وأنه كذا ، ففيه دلالة أن الله لا يعرف من جهة الماهية والكيفية ؛ أذ لا ماهية ولا كيفيّة ؛ إذ هما أوصاف الخلق ، فالله سبحانه يتعالى عن أن يوصف بشيء من صفات الخلق . ثم يحتمل قوله : { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } وجوهاً : أحدها : أعطى كل شيء يكون ، صورة ما قد كان معاشه وقوامه ؛ ليعلم أنه قادر على بعثهم على الصّورة التي كانت . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ هَدَىٰ } فهو على قوله : أعطى كل شيء ثم هدى ، فإن كان التأويل : أعطى كل شيء صورته وهيئته ، فقوله : { ثُمَّ هَدَىٰ } للنجاة ، وإن كان أعطى جنسه وشكله ثم هداه للنسل ، وإن كان قوله : { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ } ما به معاشهم وقوامهم ، ثم هداه لما يتعيشون به ، ويقومون به ، وهداه لما يصلح لهم وما لا يصلح لهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ } . قال بعضهم : إنما سأل فرعون موسى عن القرون الأولى ؛ لأنه سمع من ذلك الرجل المؤمن حين قال : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } [ غافر : 30 ] ولم يكن لموسى بهم علم ، فوكل علمهم إلى الله ، ثم أنزل الله عليه التوراة ، فبيّن له فيها أمرهم . وقال بعضهم : سأل فرعون موسى ذلك ؛ لأن موسى أخبر أنه يبعث ، وخوفه على ذلك ، فعند ذلك قال : { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } لم يبعثوا منذ أهلكوا ؟ فقال له ما قال . وقال بعضهم : قوله : { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } إنمّا سأله عن حال القرون الأولى أهم في الجنة أو في النار ، فقال : { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي } . وقال بعضهم : إنما سأله عن أعمالهم : فما أعمال القرون الأولى ؟ فقال : { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي } أي : أعمالهم عند ربي في كتاب مرقوم ، وقوله : { سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } [ ق : 21 ] وقوله : { فِي كِتَابٍ } قال بعضهم : الكتاب الذي أثبتت فيه أعمالهم ، وقال بعضهم : في اللوح المحفوظ ، { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } قال : هما واحد : لا يضل ولا ينسى ذلك الكتاب ، وقرئ : ( يُضِلُّ ) ولا يُضِلُّ من ختم بالهدى ، و { لاَّ يَضِلُّ } أي : لا يَضِلُّ ذلك الكتاب الذي ذكر ، ليس أنه يرجع إلى قوله : { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي } . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } هو على قوله : { رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } ، { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } أي : فراشاً ، والذي { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } يذكر نعمه التي أنعمها عليهم ؛ يقول : جعل لكم الأرض بحيث تفترشون ، وتعيشون فيها ، وتقرون عليها بعدما كانت تميد بكم ، { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي : طرقاً تسلكون فيها ، وتختلفون إلى البلدان النائية في حوائجكم وما به معاشكم وقوامكم ما لولا ذلك ما قام معاشكم ، ولا قضيت حوائجكم { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ } أي : الماء { أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } : ما به معاشكم وقوامكم وقوام أنعامكم ، على اختلاف ما جعل لكل دابة من ذلك قوتاً وغذاء ، ولم يجعل ذلك لغيرها ؛ لأن من الدواب ما يأكل النبات ؛ ومنها ما يأكل الحب ، ومنها ما يأكل اللحم ، ونحوه . { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } ، أي : كلوا أنتم وارعوا أنعامكم فيما به قوامها . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } : قال بعضهم : { لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } أي : لأولي العقول . وقال الحسن : إن في ذلك لآيات للذين يتناهون عما نهوا عنه . وقال بعضهم : لآيات لأولي الورع ، وأولي النهى : هم أهل العقول ؛ لأنه بالعقل ينهى ، وبه ينتهي ، وبه يؤمر ويؤتمر ، فذلك آيات لهم ، وكذلك قال القتبي : لأولي النهي : أولي العقول ، وقال : النهية : العقل . وقال بعضهم : { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } ، أي : ما حالها ؟ يقال : أصلح الله بالك ، أي : حالك . وقوله - عز وجل - : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } . يحتمل قوله : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } وجوهاً : أحدها : منها خلقنا أصلكم ، وهو خلق آدم ، لكنه أضاف خلقنا إليها وإن لم نخلق منها كما أضاف الإنسان إلى النطفة وإن لم يكن الإنسان منها ، لكنه أضاف إليها ؛ لأنها أصل الإنسان ؛ فعلى ذلك إضافة خلق أنفسنا إلى الأرض . والثاني : نسب إليها ؛ لأنا من أول ما ننشأ إلى آخر ما ننتهي إليه يكون قوامنا ومعاشنا من الخارج من الأرض ؛ فنسب خلقنا إليه ، وهو ما قال : { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } [ الأعراف : 26 ] واللّباس على هيئته ما هو لم ينزل من السماء ، لكنّه أضافه إليها ؛ لأنه كان بأسباب من السماء وأصله منها . وقال بعضهم : ذكر أن الملك ينطلق فيأخذ من تراب ذلك المكان الذي يدفن فيه الإنسان فيذره على النطفة التي قضى الله منها الولد ؛ فيخلق من التراب والنطفة ، فذلك معنى الإضافة إليهما ، لكن هذا سمعيّ لا يعرف إلا بالخبر ، فإن ثبت فهو هو ، وإلاّ لا يجوز أن يقال ذلك رأياً . وقوله - عز وجل - : { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } . قوله : { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } إذا متم ، أي : تقبرون فيها ، فيخرج مخرج الامتنان علينا ، وذلك لنا خاصّة دون غيرنا من الحيوان ، لئلا نتأذى بهم ، كقوله : { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } [ عبس : 21 ] أو أن يكون قوله : { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } ، أي : تصيرون تراباً إذا متم ، فيخبر عن قدرته وسلطانه ، أي : من قدر على أن صيّر الإنسان تراباً ، بعد أن لم يكن تراباً لقادر على أن يصيره إنساناً على ما كان بعدما صار تراباً ، وهو ما قال : { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } أي : منها نبعثكم وننشئكم مرة أخرى ، والله أعلم .