Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 56-64)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا } لم يره جميع آياته ، إنما أراه بعض آياته ، لكن إن كان المراد منها الإعلام له ، فقد أعلم الآيات كلها ؛ لأنه إنما أراه آية واحدة أو بعض الآيات ، فرؤية آية واحدة وبعضها يدل على إعلام غيرها من الآيات ، فهو على الإعلام قد أعلمه كلها ، وهو ما قال له موسى : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الإسراء : 102 ] علم اللعين أنها الآيات وليست بسحر . أو أن يكون يريد بالآيات كلها الآيات التي أرسلها إلى موسى ، فقد أراه آياته كلها ، فكذب بتلك الآيات وأبى أن يصدّقها ويقبلها فيسلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } قد علم اللّعين أنه لم يجئهم ليخرجهم من أرضهم ، ولكنه يريد منهم الإسلام ، لكنه أراد أن يغري قومه عليه ، كقوله : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } [ الشعراء : 35 ] فهذا إغراء منه قومه عليه . وقوله - عز وجل - : { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } : قال بعضهم : { سُوًى } المكان الذي نحن فيه الآن ، وغير هذا المجلس . وقال بعضهم : مكاناً عدلاً لا نخلف نحن و [ لا ] أنت ذلك المكان . وقال بعضهم : { مَكَاناً سُوًى } أي : منصفاً . وقال القتبي : { مَكَاناً سُوًى } ، أي : وسطاً بين فريقين . وقال الكسائي : سُوى وسِوى يريد به سواء ، وهما لغتان ، إلا أنه يقرأ : " سوى " وقال أبو عبيدة : هو مثل { طُوًى } وهو المنصف . وقوله - عز وجل - : { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ } : قال بعضهم : يوم عاشوراء . وقال بعضهم : يوم العيد . وقال بعضهم : يوم سوقهم ، لكنّا لا نعلم ذلك ، وليس بنا إلى معرفة ذلك حاجة ، وهم قوم قد عرفوا ذلك ، حيث رضوا بذلك ولم يتنازعوا فيه . وقوله - عز وجل - : { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } بيّنوا اليوم ، وبيّنوا الوقت ، وهو وقت الضحى . { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } قال بعضهم : أي : نهاراً جهاراً ، كقوله : { أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى } [ الأعراف : 98 ] نهاراً ، يعني : جهاراً . وقوله - عز وجل - : { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ } ، أي : أقبل على أمره ، وجمع كيده ، ليس على الإعراض عما دعوا إليه ، ثم أتى بهم ، وهو كقوله : { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ } [ البقرة : 205 ] أي : أقبل على السعي في الأرض بالفساد . وقوله - عز وجل - : { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } ، هذا يحتمل وجهين : أحدهما : لا تفتروا على الله كذباً فيما بان لكم الحق ، وظهر لكم الحجة باتخاذكم فرعون إلهاً ؛ لأنكم إذا اتخذتم دونه سواه إلهاً - ولا إله غيره - فقد افتريتم عليه . والثاني : لا تفتروا على الله كذباً فيما بأن لكم الحق وظهر لكم الحجة ، فلا تفتروا على الله كذباً بقوله : إنه سحر ، وإنه كذاب . وقوله - عزّ وجلّ - : { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } برفع الياء ونصبها جميعاً . { فَيُسْحِتَكُم } : قال أبو معاذ : يقال : أسحته وسحته ، قهره وأقهره . وقال أهل التأويل : أي : يهلككم ويستأصلكم بعذاب . ثم يحتمل ذلك العذاب في الدّنيا ، أوعدهم بعذاب يأتيهم إذا افتروا على الله كذباً بعدما بان الحق ، وظهر لهم البرهان والحجة . وقوله : { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } في الدنيا والآخرة . وقوله - عز وجل - : { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } قال بعضهم : قوله : { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } أي : [ تناجى ] السحرة فيما بينهم سرّاً من فرعون ، فذلك قوله : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } من فرعون ، فقال لهم : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } يعنون : موسى وهارون . وقال بعضهم : { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } من موسى وهارون ، فنجواهم أن قالوا : { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا } والأشبه هنا أنهم اعتزلوا قومهم وأسرّوا النجوى عنهم فيما بينهم أنهما كذا . ثم قوله : { إِنْ هَـٰذَانِ } بالألف ، قال أبو عبيدة : هذه لغة قوم من العرب ، يقال : مررت ورأيت رجلان ، فهو على تلك اللّغة . وقال بعضهم : إن هذه الألف لا تسقط في الوحدان بحال ، يقال : مررت بهذا ورأيت هذا ، ونحوه ، فهو الأصل لا يحتمل السقوط في الأحوال كلها في الوحدان والتثنية . وقال بعضهم : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } ، أي : نعم هذان ، وذلك لغة قوم أيضاً ، يقولون : ( إن ) مكان ( نعم ) ، كقول القائل في آخر بيته : @ … فقُلْتُ إِنَّهْ @@ أي نعم . وقال بعضهم : لا ، ولكن هذا خطأ من الكاتب ، وكذلك عن عثمان : أنه لما نظر في الكتاب فقال : إني أرى فيه خطاباً فيقومها العرب بألسنتها ، أو نحو هذا . وقوله - عز وجل - : { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا } هذا القول إنما أخذوا من فرعون ، حيث قال : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ … } الآية [ الشعراء : 35 ] ، وقوله أيضاً حيث قال : { أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } ، علم فرعون أن ذلك ليس بسحر لكنه أراد أن يغري قومه عليه ؛ لئلا يتبعوه . وقوله - عز وجل - : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } اختلف فيه : قال الحسن : قوله : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } ، أي : بعيشكم أمثل العيش ؛ لأنهم كانوا جبابرة وفراعنة ، وكانوا بنو إسرائيل لهم خدماً وخولاً يستخدمونهم ويستعملونهم في حوائجهم ، فكان تعيشهم بهم ، فقال : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } ، أي : يذهبا بأمثل عيشكم ، حيث قال له موسى : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } . قال بعضهم : { بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } ، أي : يذهبا بدينكم ومذهبكم الأمثل ؛ لأنه يقول : إن الذي يدعوهم إليه هو الرشاد ، وأن الذي يدعوهم موسى إليه هو باطل ، وإنه سحر وفساد ، كقوله : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } [ غافر : 26 ] ، وحيث قال : { وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } [ غافر : 29 ] ، وحيث قالوا : { أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } [ الأعراف : 127 ] ، ونحوه ، يدعى أن ما يدعوهم إليه هو الرشاد ، وأن الذي يدعو موسى إليه هو السحر والفساد . وقال بعضهم : قوله : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } ، أي : خياركم وأشرافكم والأمثل منكم . قال القتبي : { فَيُسْحِتَكُم } ، أي : يهلككم ويستأصلكم ، يقال : سحته الله ، وأسحته ، وقال : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } ، أي : الأشراف ، ويقال : هؤلاء طريقة قومهم ، أي : أشرافهم ، اشتقاق الطريقة من الشريف ، ويقال : أراد : بسنتكم ودينكم ، و { ٱلْمُثْلَىٰ } : مؤنت أمثل ، مثل كبرى وأكبر . { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } ، أي : حيلتكم . وقال أبو عوسجة : { بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } ، أي : بدينكم الأفضل ، وهو من الأمثل . وقال أبو عبيدة : { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } أي : مصلى ، والصف : المصلى ، وقال : حكى عن بعضهم أنه قال : ما استطعت أن آتي الصف اليوم أي : المصلى . وقال القتبي : { صَفّاً } : أي : جميعاً ، وكذلك [ قال ] غيره من أهل التأويل . وقوله : { مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } أي : غلب . وقوله - عز وجل - : { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } حرف الإجماع يستعمل في العزم مرة والاجتماع ثانياً : أما في العزم فما ذكر في الخبر : " لاَ صَوْمَ لِمَنْ لَم يَجْمَع رَأيَهُ مِنَ اللَّيْل " أي : لمن لم يعزم ، على ما روي في الخبر : " لا صَوْمَ لمن لم يَعْزِمُ مِنَ الليل " . وأما الاجتماع فظاهر ، فإن كان على الاجتماع ، فكأنه قال : فاجتمعوا على عمل واحد لا تختلفوا فيه . وعلى العزم ، أي : اعرفوا شيئاً واحداً ؛ واقصدوا أمراً واحداً لكي تغلبوا . { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } قال بعضهم : جميعاً غير متفرقين ، وقال بعضهم : { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } أي : المصلى الذي كان موعود الاجتماع ، وهو يوم الزينة . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } قيل : من غلب ، كقوله : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ القصص : 4 ] أي : غلب . وجائز أن يكون قوله : { ٱسْتَعْلَىٰ } أي : من طلب العلو ، وأراد أن يسعد بما وعد فرعون للسحرة من الأجر إذا كانوا هم الغالبين ، كقوله : { أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } [ الشعراء : 41 - 42 ] فذلك هو ما طلبوا منه ، فأخبر أنهم يظفرون بذلك ، هذا إذا كان القول من فرعون ، والله أعلم .