Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 65-73)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ * قَالَ بَلْ أَلْقُواْ } ، إنما ألقوا بأمر من الله وإذن منه . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ } إلى موسى { مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } أي : وقع في قلبه الخوف ، وخاف إذ صنع القوم ما صنعوا من السّحر ، ثمّ يحتمل ذلك الخوف منه وجهين : أحدهما : خاف على ما طبع البشر عليه من خوف الطبع ، لا خوف غلبة ؛ لأنه قال لهم : { مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ } [ يونس : 81 ] كان يعلم - صلوات الله عليه - أن تمويهات السحر لا تبطل حجج الله وآياته ، فدل ذلك أنه خاف خوف الطبع والجِبِلَّة ، لا خوف القهر والغلبة . أو أن يكون خوفه لما أخذ سحر أولئك أعين الناس ؛ خاف موسى أن يمنعهم ذلك عن أن يبصروا ما جاء هو من الآية والبرهان . وقال بعضهم : خاف أن يشكوا فيه فلا يتابعوه ، ويشك فيه من تابعه ، وهو ما ذكرنا قريباً منه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } أي : الغالب ، فإن كان الخوف الذي ذكر خوف طبع وما جبل عليه المرء ، فيكون قوله : { لاَ تَخَفْ } على تسكين القلب وتثبيته ، وإن كان الثاني فهو على البشارة له ، والإخبار على ألا يمنع سحر أولئك عن أن يبصروا ما تأتي به أنت من الآية ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ } هذا يدل أن سحر أولئك إنما صار بعدما ألقوا ما في أيديهم ، لم يكن سحراً وقت كونه في أيديهم ، وكذلك عصا موسى إنما صارت آية وحجة بعدما ألقاها من يده لم تكن وقت كونها في يده ، وكذلك حيث قال : { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ } ، أي : تلقم وتأكل ما صنعوا { إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } أي : لا يفلح الساحر حيث أتى بسحره ، وإلا قد أفلح سحرة فرعون ، وفي حرف ابن مسعود : ( أين أتى ) . وقال بعضهم : حيث كان . وحيث وحوث لغتان ، وهو قول الكسائي . وقوله - عز وجل - : { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } ؛ لأنهم عرفوا حقيقة ما أتى به موسى ، فعلموا أنه سماوي وأنه آية ليس بسحر ، فآمنوا إيمانا لم يرتابوا فيه قط ، وهذا يدل أن كل ذي بصر وعلم في شيء يكون أبصر وأعلم في ذلك الشيء من غيره ؛ حيث لم ينظروا لما رأوا ما أتى به موسى وعاينوا وقتاً ينظروا فيه ، بل لسرعة معرفتهم ، لم يملكوا أنفسهم ، بل ألقوا على وجوههم على ما أخبر ؛ حيث قال : { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } [ الشعراء : 46 ] و { سُجَّداً } . وقال القتبي : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } : أي : أضمر خوفاً . وقال غيره : وقع في قلبه حيث أنَّى كان . وقال أبو عوسجة : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ } ، أي : يظن ، يقول : يخيل إلي ، أي : يريني فهمي وعلمي أن هذا الشيء كذا وكذا ، { فَأَوْجَسَ } أي : أحس . { تَلْقَفْ } وتلقم : واحدٌ . وقوله تعالى : { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } . قال بعضهم : يعني : موسى . وقال بعضهم : كبير السحرة الذي علم غيره السحر . وقال في آية أخرى : { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا … } الآية [ الأعراف : 123 ] ، قد علم اللعين أن ذلك ليس بسحر ولا مكر مكروا به ، لكنه أراد أن يموّه على قومه ويلبس عليهم أمر موسى وما جاء [ به ] من الآيات والحجج ؛ لأنه هو الذي رباه ونشأ بين ظهرانيه وأهله ، فعلم أنه لم يتعلم السحر من أحد ، [ و ] لما فارقه وخرج من عندهم إلى مدين لم يكن هناك من يتعلم منه السحر ، لكنه أراد التمويه والتلبيس على قومه ، وكذلك أهل مكة حيث نسبوا رسول الله إلى السحر والكهانة والافتراء والجنون وغيره ، علموا أنه ليس بساحر ولا كاهن ولا مجنون ولا مفتر ؛ لأنه نشأ بين أظهرهم صغيراً لم يؤخذ عليه كذب قط على أحد من الخلائق ، فكيف على الله تعالى ؟ ولا رأوه اختلف إلى أحد من السحرة والكهنة في تعلم ذلك ، لكنهم أرادوا بذلك التمويه والتلبيس على الناس ؛ لئلا يتبعوه ولا يجيبوه إلى ما دعاهم إليه من دين الله وتوحيده . ثم الرسل - صلوات الله عليهم - لو لم يكن معهم الآيات المعجزة ولا الحجج النيرة ، كانت أنفسهم وما طبعوا عليه من السيرة الحسنة والأخلاق الكريمة الجميلة وما اختاروا من الأمور العظيمة الرفيعة - دالة على رسالتهم ونبوتهم ، فكيف وقد جاءوا بالآيات المعجزة والبراهين المنيرة ؟ وما بطبع السحرة من السيرة المذمومة والأخلاق الدنيئة والأمور الخسيسة ، يدل على كذبهم وافتعالهم ، فكيف أشكل عليهم معرفة السحر من الرسالة والتمويه من الحجة ، لكنهم أرادوا بذلك ما ذكرنا من التمويه على قومهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } . يشبه أن يكون هذا الوعيد منه في وقتين : أوعدهم أولا بقطع اليد والرجل من خلاف على الإبقاء ؛ رجاء أن ينتهوا عما اختاروا ، فإذا لم ينتهوا عنه ، فعند ذلك أوعدهم بالقتل والصلب ؛ إذ في القتل والصلب إتلاف ما دونه من الجوارح ، فإن كان على هذا ففيه أن كل حد يراد به الإبقاء ، فإنه لا يؤتى على الجوارح كلها ، والقطع في السرقة قد يراد به الإبقاء ؛ لذلك لا يؤتى على الجوارح كلها ، وكذلك [ حد ] قطاع الطريق ؛ إذ يراد به الإبقاء لم يزد على قطع اليد والرجل من خلاف . وقوله - عز وجل - : { أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } . لو ذاق اللعين شيئاً من عذاب ربه لم يقل مثل هذه المقالة ، ولولا ما عرف من حلم ربه ، وإلا لم يتجاسر أن يتكلم بمثل هذا ويوعدهم أن عذابه أشدّ من عذاب الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } . أي : لن نؤثرك بالربوبية والعبادة لك والطاعة على ما جاءنا من البينات على ربوبية الله وألوهيته وعبادته . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِي فَطَرَنَا } . قال بعضهم : لو نؤثرك على الذي خلقنا ، لكن غيره كأنه أشبه ، وهو أن قوله : { وَٱلَّذِي فَطَرَنَا } على القسم ، أي : بالذي فطرنا ، كأنهم أيأسوه عن العود إلى عبادته وخدمته . وقوله - عز وجل - : { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } ليس على الأمر لكن على عناد لك ، أي : إنك وإن فعلت بنا ما أوعدت فإنا لا نؤثرك . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } أي : إنما تقضي في هذه الحياة الدنيا . وقوله - عز وجل - : { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } . يحتمل قوله : { وَٱللَّهُ خَيْرٌ } معبود وثوابه أبقى من ثواب غيره . أو أن يكون هذا جواب قوله : { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } فيقول : عذاب الله أبقى ، والله أعلم . قال أبو عوسجة : جذوع النخل : ساق النخل وأصله .