Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 83-89)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } . قال بعضهم : إن موسى - صلوات الله عليه - خرج بنفر من قومه إلى الجبل ؛ ليأخذ التوراة ، فجعل حتى خلفهم وتركهم وراءه ، فعند ذلك قال له ربه : { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } . وقال بعضهم : لم يخرج بنفر ، ولكن خرج وحده وترك قومه ، فأصابهم ما أصاب من الافتتان بالعجل الذي اتخذه السامري . وقوله - عز وجل - : { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } . هذا على التأويل الأول ، أي : هم يجيئون على أثري . وعلى التأويل الثاني ، أي : تركتهم على ديني وسبيلي ، وهو قول الحسن وقتادة . وقوله - عز وجل - : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } . أي : عجلت إليك ربّ فيما دعوتني إجابة وطاعة فيما أمرتني ؛ لترضى ، هذا على التأويل الذي قال : إنه خرج وحده . وعلى التأويل الذي يقول : إنه خرج بنفر يقول - والله أعلم - : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } ؛ إذ لم يكن لي سبب ولا معنى يمنعني عن الإسراع إلى ما دعوتني وأمرتني . وهكذا عندنا أن من لزمه أمر الله وفرضه ، لزمه الإسراع والعجلة إلى القيام بأدائه ، إذا لم يكن هناك سبب يمنعه عن التعجيل له والقيام به ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } . الفتنة : هي المحنة التي فيها شدائد وبلايا ، ومعنى الافتتان هاهنا : هو ما فتنهم بالعجل الذي اتخذه السامري ، جعله جسداً بدم ولحم على ما ذكر ، ونفخ فيه الروح ، وجعل له خوار ، فذلك معنى الافتتان منه إياهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } . أضاف الإضلال إلى السامري ؛ لأنه كان سبب إضلالهم حيث اتخذ لهم العجل ، ودعاهم إلى عبادته ، وقال : { هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } ، فأضاف الإضلال إليه ؛ لما ذكرنا من دعائه إليه والسبب الذي كان منه ، وإلا لم يكن لأحد إضلال أحد ، وأضاف الافتتان إلى نفسه ؛ لما ذكرنا من جعل العجل جسداني من لحم ودم وروحاني . فإن قيل : ما معنى إجراء ما أجري على يدي السامري مع ضلالة من الآية ؟ قيل : هو - والله أعلم - أنه لو ادعى لنفسه الرسالة ، لكان لا يتهيأ له ذلك ، لكنه إنما ادعى أنه إله وآثار العبودية فيه ظاهرة قائمة يعرف كل أحد أنه ليس بإله ، وأما الرسالة فإنه يجوز أن تشتبه على الناس وتلتبس عليهم ، فيمنع الله - عز وجل - من ليس برسول إذا ادعى الرسالة إقامة دلالة الرسالة لاشتباهها على الناس ، وأما الألوهية فلا يمنع عن إجراء ذلك ؛ لأن آثار العبودة وأعلام العجز فيها ظاهرة يعرفها كل أحد . وهكذا من أتى [ أهل ] قرية لم يبلغهم هذا القرآن فقرأ هذا القرآن وقال : إني رسول الله إليكم [ لم ] يقدره الله على قراءته ، ولو ادعى الربوبية لم يمنع ؛ لأن آثار العجز عن إتيان مثله ظاهرة وفي الرسالة لا ؛ لذلك افترقا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً } . والأسف : هو النهاية في الغضب ، والنهاية في الحزن ، وهكذا جبل الله رسله وأنشأهم على نهاية الغضب لله والأسف له عند معاينتهم الخلاف لله والتكذيب له ؛ كقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ … } الآية [ الشعراء : 3 ] ، وقوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } . على تأويل الحسن : وعداً حسناً ، هو الثواب الذي وعد لهم بالدين والسبيل . { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } ، أي : على ديني وسبيلي . وقال بعضهم : { وَعْداً حَسَناً } أي : عدلا وصدقا ؛ حيث وعد لهم أنه يرجع إليهم عند رأس أربعين أو ثلاثين ليلة ، على ما ذكر - عز وجل - : { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } على تأويل الحسن : أفطال عليكم عهد ما وعد لكم من دون الثواب والجزاء على دينه وسبيله حتى نسيتم ذلك . وعلى تأويل من قال : إن الوعد هو ما وعد أنه يرجع إليهم على رأس كذا يقول : أفطال عليكم ومضى وعدي حتى فعلتم ما فعلتم . وقوله - عز وجل - : { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } . أي : أم تعمدتم الخلاف فيحل عليكم غضب من ربكم . { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } يحتمل الموعد الوجهين اللذين ذكرناهما فيما مضى . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } برفع الميم وكسره : فمن قرأه ( بِمُلْكِنَا ) برفع الميم ، أي : بسلطاننا وطاقتنا ، أي : لم نفعل بسلطاننا وطاقتنا . ومن قرأه : ( بِمِلْكِنَا ) بكسر الميم [ أي ] : بما ملكت أيدينا . وقال الكسائي : من قرأ ( بِمُلْكِنَا ) ، معناه : بسلطاننا ، ومن قرأه : ( بِمَلْكِنَا ) بكسر الميم ونصبه معناهما : وهو ما ملكت أيدينا . وقوله - عز وجل - : { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } . قيل : أثقالا من زينة القوم ، أي : من حلي القبط . وقوله - عز وجل - : { فَقَذَفْنَاهَا } ، أي : قذفنا ما حملنا من حليهم . وقوله - عز وجل - : { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } . أي : كذلك قذف ما حمل السامري من حليهم . وجائز أن يكون قوله : { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } ما أخذ من قبضته من أثر الرسول ؛ كقوله : { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا } [ طه : 96 ] . وقوله - عز وجل - : { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } . أي : عجلا جسده جسد عجل ، وليس هو بعجل في الحقيقة . وقال بعضهم : عجلا جسداً لا يتعيش كما يتعيش العجل المولود من البقر ، والأول أشبه . وقوله - عز وجل - : { فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } . هذا القول إنما قاله السامري . وقوله : { فَنَسِيَ } قال بعضهم : نسي السامري حيث قال لهم : هذا إلهكم فنسي هذا القول ، فيكون النسيان على هذا التأويل التضييع والترك ؛ كأنه قال : ضيع السامري بعد ما علم وعرف رب العالمين ونسب الألوهية إلى العجل . وقال بعضهم : إن السامري لما قال : هذا إلهكم وإله موسى ، لكن موسى نسي هذا حيث خرج في طلب غيره ، ولا يحتمل أن يقبلوا هذا القول منه ، ويجعلوا العجل الذي اتخذه السامري إلها ، وقد علموا أنه إنما اتخذه من حلي حملوه من القبط ، لكنه كان في عقدهم أنه يجوز اتخاذ إله دون إله رب العالمين والعبادة له ؛ رجاء أن تقرب عبادتهم تلك الآلهة إلى الله ، وعلى هذا كانوا يعبدون الأصنام دون الله ؛ كقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، و { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، وكذلك قالوا : { يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] ، وكذلك ما اتخذ لهم فرعون من آلهة عبدوها دونه ، وإلا لم يحتمل أن يقع عندهم أن رب العالمين هو ذلك العجل ، لكنه ما ذكرنا أنهم كانوا يستجيزون في اعتقادهم عبادة من دونه ، فقال عند ذلك ورد عليهم اعتقادهم فقال : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } ، أي : ألا يرون أن لا إذن في عبادة من يرجع إليه القول ويملك النفع والضر وهو البشر ، فكيف أذن في عبادة من لا يملك شيئاً من ذلك ، والله أعلم .