Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 95-98)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } . قال الحسن : ما حجتك يا سامري على ما فعلت ؟ ولا حجة كانت له قط . وقال غيره : ( ما خطبك ) ما شأنك وما أمرك ، والخطب هو الشأن والأمر في اللغة . وتأويله - والله أعلم - : فما شأنك ؟ أي : ما الذي حملك على صنيعك الذي صنعت ؟ ثم قوله : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } بالياء والتاء جميعاً ، ثم بين ما الذي بصر هو ما لم يبصروا هم ؟ فقال : { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا } ، أما عامة أهل التأويل : فإنهم يقولون : إنه قبض قبضة من تراب من أثر فرس جبريل فنبذتها ، وليس في الآية ذكر التراب ولا ذكر الفرس ، ولا أن ذلك الرسول جبريل أو غيره . ويشبه أن يكون الذي قبضه هو تراب من أثر الفرس ، على ما قاله أهل التأويل ، وقد ذكر في حرف أبي : ( فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول ) ، فإن ثبت ما قالوا ، وإلا لم نزد على ما ذكر في الكتاب من هذه الأنباء والقصص [ التي ] كانت في كتبهم ، فذكرت في القرآن ؛ ليحتج بها رسول الله على أولئك ؛ ليعرفوا أنه إنما عرف بالله تعالى ، فلو زيد أو نقص عما في كتبهم ، لذهب موضع الاحتجاج عليهم ، بل يوجب ذلك شبه الكذب عليهم ؛ لذلك وجب حفظ ما حكى في الكتاب من الأنباء والأخبار من غير زيادة ولا نقصان مخافة الكذب ، إلا إن ثبت شيء يذكر عن رسول الله أنه كان ، فعند ذلك يقال ، وإلا الكف أولى لما ذكرناه . [ و ] في قراءة الحسن وقتادة : ( فقبصت قبصة ) بالصاد ، والقبصة : هو الأخذ بأطراف الأصابع ، والقبضة : هو بالكف ؛ فلا يحتمل أن يصح الحرفان جميعاً ، لأن الأخذ بأطراف الأصابع دون الكف فهو خبر يخبر عما في كتبهم ، فإما أن يكون ذا أو ذا ؟ فأما أن يكونا جميعاً فلا يحتمل ، إلا أن يقال : إنه أخذه بأطراف الأصابع ، ثم رده إلى الكف ؛ فحينئذ يكون ، أو أن يكون ثَمَّ مرتان ، والله أعلم . وقوله - : { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : أي : كذلك سولت لي نفسي أنك متى تأخذ قبضة من أثر الرسول فنبذتها في الحلي يحيا . أو أن يكون سولت له نفسه على ما كان عادتهم وطبيعتهم أنهم لا يعبدون [ ما ] لا يرونه ولا يقع بصرهم عليه ؛ حيث قالوا : { يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] ، وكقولهم : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ البقرة : 55 ] ، فقال : سولت لي نفسي أن أتخذ لهم عجلا يرونه فيعبدونه . أو سولت لي نفسي أن في قبضة أثر الرسول بناءً عظيماً . أو قال ذلك اعتذاراً لجميع ما كان منه من أول الأمر إلى آخر أمره ، والله أعلم . وقوله تعالى : { فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } . قال بعضهم : أي : لا تزال تقول : لا مساس ، لا تقول غيره ؛ عقوبة له وجزاء لصنيعه . وقال بعضهم : أن تقول : لا مساس لم تمسني ، ولا أمسك ، أي : لا تمسني أبداً ، أخرجه من بين أظهرهم ؛ لما علم موسى منه . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } . يحتمل : أن لك موعدا لعذابك لن تخلفه ، يحتمل ذلك في الدنيا والآخرة . وقوله - عز وجل - : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } . قوله : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ } الذي تزعم أنه إله ، لا أن موسى سمى ذلك ، وهو كما قال : { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } [ الصافات : 91 ] التي في زعمهم آلهة . وقوله - عز وجل - : { ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } فقوله : { ظَلْتَ } يقال بالنهار ، وفي الليل يقال : بات . وقوله - عز وجل - : { لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } . وفي هذا إثبات آية لموسى ؛ حيث قال : { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } ، والعجل الذي هو من لحم ودم ليس من طبع النار إحراقه ، وكذلك الحلي والذهب والفضة ليس من طبع النار إحراقهما حتى تصير رماداً ، ولكن من طبعهما الإذابة ، ثم أخبر أنه محرقه ، فدل أنه آية . وفي قوله : { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } لغتان : { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } بالتشديد وبرفع النون وهو التحريق بالنار ، و { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } بنصب النون وهو القطع بالمبرد . وقال أبو معاذ : فمن قرأه { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } بنصب النون ، فقد كان العجل من الحلي فلم يقدر على تحريقه بالنار فحرق بالمبرد . ومن قرأه : { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } برفع النون والتشديد يقول : كان لحماً ودماً فأحرق بالنار صار رماداً ثم نسف في اليم . قال أبو معاذ : يا سبحان الله ، إن كنت أحرقته بالنار فما حاجتك إلى المبرد ، لكن أراد مقاتل أن يجمع القراءتين والتأويلين في قراءة واحدة . لكنه عندنا لا يجوز أن يكون العجل من لحم ودم في إحدى القراءتين وفي الأخرى من الحلي لا لحم فيه ولا دم ، وتكون القراءتان جميعاً منزلتين . وما قاله مقاتل : إنه حرق بالنار ثم حرق بالمبرد حسن ؛ لأن النار لا تحرق العجل إذا كان لحماً ودما ، ولكنها تذيبه ، فأبرد بالمبرد ، فعند ذلك نسف في اليم . قال أبو معاذ : تقول العرب : نسفت البرد أنسفته نسفاً : إذا أخرجت المنسفة فطيرت غباره ، ويقال في المشي : ما زلنا ننسف يومنا كله نسفا ، أي : نمشي . وقال أبو عوسجة : { لَنَنسِفَنَّهُ } ، أي : لنرمين به نسفاً ، أي : رمياً ، والنسف : القلع من الأصل ، وصرفه : نسف ينسفه نسفاً . وقال : { لَن نَّبْرَحَ } [ طه : 91 ] أي : لن نزال . { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } يقال : بصرت وأبصرت ، بصر يبصر بصراً . وقبصت قبصة ، والقبص بأطراف الأصابع . وقال : { لاَ مِسَاسَ } أي : لا يمسك أحد ولا يؤذيك . وقال : " ظلت عليه " لغة سوء ، وإنما هو : ظلت ، وظَلِلْتَ . وروي في حرف ابن مسعود : ( بصرت بما لم يبصروا به إذ جاء الرسول فقبضت قبضة فألقيتها ) ، وفي حرف حفصة : ( إذ مرَّ الرسول ) ، وفي حرف أبي بن كعب : ( إن لك في الحياة أن لا مساس ) ، ليس فيه { أَن تَقُولَ } ، وفي حرف حفصة : ( إن لك في الحياة الدنيا أن تقول لا مساس ) . وقال بعضهم : تأويله : لا تخالط الناس ولا يخالطونك . قال أبو معاذ : المساس : مصدر ماسه مماسا ومماسة ، كما يقال : ضاره ضراراً ومضارة ، وساره سرارا ومسارة ، ومن قرأه : { لاَ مِسَاسَ } كان كقولك : نزل ودراك . وفي حرف ابن مسعود وأُبّي : ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا وانظر كيف يفعل بإلهك الذي ظلت ) . وقوله : { سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } قال بعضهم : شجعت ، وظاهره : زينت لي نفسي . وقيل : سمي السامري : سامريّاً ؛ لأنه كان من قبيلة يقال لها : السامرة . وقول هارون لموسى : { يَبْنَؤُمَّ } وكان أخاه لأبيه وأمه ، قيل : أراد بذلك أن يرفقه عليه فتركه . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } . جائز أن يكون موسى لما أحرق العجل ونسفه في البحر قال عند ذلك : إنما إلهكم الله الذي تعرفونه لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ، لا يعزب عنه شيء ولا يخفى عليه شيء ، فيشبه أن يكون موسى ذكر هذا لهم لما أضمروا هم وأسروا حب العجل في قلوبهم ، على ما أخبر الله عنهم بقوله : { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } [ البقرة : 93 ] ، فقال لهم : { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } يعلم ما تسرون وما تظهرون . أو أن يكون لا يعلمون أنه [ يعلم ] ما يسرون وما يضمرون وما يغيب عن الخلق ويكون عندهم كملوك الأرض يعلمون الظاهر من الأمور الحاضرة منها [ ولا يعلمون ] الغائب ، فأخبر أنه عز وجل يعلم الظاهر والباطن والسر والعلانية والحاضرة والغائبة ، والله أعلم .