Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 16-20)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } . أخبر أنه لم يخلق السماء والأرض وما بينهما لتكونا سماء وأرضاً على ما هما عليه ثم تفنيان ، ولكن خلقهما لعاقبة قصدها ، وهو أن يمتحن أهلها ؛ لأن من عمل في الشاهد عملا لا يقصد به عاقبة يأمل ويرجو أمراً فهو في عمله عابث لاهٍ ، ولو كان على ما عند أولئك الكفرة بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء ولا ثواب لكان إنشاؤهما وما بينهما باطلا لعباً ؛ كقوله : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115 ] ، صير عدم الرجوع إليه [ بعد ] خلقهم عبثاً باطلا . وقال الحسن : لم يخلقهما عبثا ، ولكن خلقهما لحكمة من نظر إليهما دلاَّه على وحدانية منشئهما وسلطانه وقدرته وحكمته وعلى علمه وتدبيره . وقوله - عز وجل - : { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ } . قال بعضهم : { لَهْواً } أي : زوجة ، لكن هذا بعيد ؛ لأنه احتج عليهم على نفي الولد بنفي الصاحبة بقوله : { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ } [ الأنعام : 101 ] ، فلولا أنهم أقروا وعرفوا أن لا صاحبة له ، وإلا لم يكن للاحتجاج عليهم على نفي [ الولد ] بنفي الصاحبة معنى ، ويكون قوله : { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } أي : ولداً ؛ لأن الناس يتلهون بالولد فسماه : لهواً لذلك ، قال : { لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : { لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ } بحيث لا تبلغه أفهامكم ولا يدركه علمكم ؛ لأن الولد يكون من جنس الوالدين ومن شكلهما ، وسبيل معرفته وعلمه الاستدلال الحسي ، فإذا لم يعرفوه هو بالحسي فكيف يعرفون من هو يكون منه لو كان ؟ ! والثاني : أن الغائب إنما يعرف بالاستدلال بالشاهد ، فلو كان له الولد على ما تزعمون لكان لا يعرف ؛ لأنه لا صنع للولد في الشاهد ؛ إذ هو الواحد المتفرد بإنشاء العالم ، فيذهب معرفة الولد إدراكه لو كان على ما تزعمون . وقوله : { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ } ، ليس على أنه يحتمل أن يكون له الولد ، أو أن يحتمل أن يتخذ ولداً ، ولكن لو احتمل أن يكون لم يحتمل أن يدرك ويعلم ، وكذلك يخرج قوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] ليس أنه يحتمل أن يكون فيهما آلهة ، ولكن لو احتمل أن يكون فيهما آلهة لفسدتا . وقوله - عز وجل - : { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ } . يشبه أن يكون الحق الذي أخبر أنه يقذف على الباطل القرآن الذي أنزله على رسوله أو الرسول نفسه ، أو الآيات التي جعلها لوحدانيته أو ألوهيته . { فَيَدْمَغُهُ } ، أي : يبطل ذلك الذي قالوا في الله ما قالوا من الولد والصاحبة وغيره مما لا يليق به . { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } ، أي : هو ذاهب متلاشٍ . وقوله - عز وجل - : { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } : من الولد والصاحبة وجميع ما وصفوه مما لا يليق به . وقوله - عز وجل - : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، كأنه ذكر هذا جوابا لقولهم ، وردّاً على وصفهم إياه بالذي وصفوه ، فقال : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : له من في السماوات والأرض كلهم عبيده وإماؤه ، ولا أحد في الشاهد يتخذ لنفسه ولداً من عبيده وإمائه ، فإذا لم تروا هذا في الخلق أنفاً من ذلك واستنكافاً ، فكيف قلتم ذلك في الله سبحانه وتعالى ، وأضفتم إليه . أو أن يخبر غناه عن الخلق بأن له من في السماوات والأرض والولد في الشاهد إنما يطلب لحاجة تسبق ، فإذا كان الله - سبحانه وتعالى - غنيّاً بذاته بما ذكر أن له كذا لا حاجة تقع له إلى الولد ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيرا . وقوله - عز وجل - : { وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } . يشبه أن يكون ذكر هذا لقولهم : " الملائكة بنات الله " ، فأخبر أنهم ليسوا كما وصفوهم ولكنهم عبيد لي ، هم لا يستريحون عن عبادتي ولا يفترون . أو أن يكون ذكر هذا لمكان من عبد الملائكة واتخذهم آلهة دونه ، فأخبر أنهم لا يستكبرون عن عبادتي ولا يفترون ، ولم يدعوا هم الألوهية لأنفسهم ، فكيف نسبتم الألوهية إليهم وعبدتموهم دوني ؟ أو أن يكون قال ذلك : إنكم إن استكبرتم عن عبادتي ، فلم يستكبر عنها من هو أرفع منزلة وأعظم قدراً منكم ، { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } ينزهون الله ويبرئونه عما وصفه الملحدة من الولد وجميع ما قالوا فيه مما لا يليق به . وهذه الآية تنقض قول المعتزلة ومذهبهم حيث قالوا : إن الأعمال لأنفسها متعبة منصبة ، ولو كانت الأفعال لأنفسها متعبة على ما ذكروا ، لكان البشر والملائكة فيها شرعاً سواء ، فلما أخبر عنهم أنهم لا يعيون ولا يفترون ولا تتبعهم العبادة ؛ دل أنها صارت متعبة لصنع غير فيها لا لأنفسها ، وهذه المسألة في خلق أفعال العباد : هم ينكرون خلقها ، ونحن نقول : هي خلق الله - عز وجل - كسب للعباد ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع كلاماً كافياً . قال أبو عوسجة : { فَيَدْمَغُهُ } أي : يبطله . وقال غيره : يهلكه ، وهو من قولك : ضربت الرجل فدمغته : إذا وصلت الضربة إلى الدماغ ، وإذا كان كذلك مات ؛ فكذلك يدمغ الحق الباطل ، أي : يهلكه . وقوله : { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } ، أي : ذاهب وميت ، زهق إذا مات وهلك ، والزاهق في غير هذا السمين . { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } أي : لا يعيون ، ومنه حسير ومحسور أيضاً ، { لاَ يَفْتُرُونَ } والفتور : الإعياء أيضاً .